صحافة دولية

نيويورك تايمز: اقتراحات لمكافحة التطرف بالسعودية

نيويورك تايمز: السعودية مطالبة باتخاذ إجراءات ضرورية لمحاربة الإرهاب - أرشيفية
نيويورك تايمز: السعودية مطالبة باتخاذ إجراءات ضرورية لمحاربة الإرهاب - أرشيفية
أدى صعود تنظيم الدولة المعروف بـ"داعش" لتسليط الضوء مرة أخرى على السعودية، التي اتهمت بتقديم الأرضية الفكرية لتنظيم "داعش"، إضافة للمقاتلين والممولين له، كما ورد في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" أعدته جانيت سميث، الباحثة في كلية الحرب الأميركية، وزوجة سفير الولايات المتحدة السابق في الرياض جيمس سميث، وكاريل ميرفي الكاتبة في صحيفة "واشنطن بوست" ومؤلفة كتاب "مستقبل السعودية".

وجاء فيه: إن السعودية واجهت الانتقاد نفسه بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001،  حيث شارك في الهجمات 15 من بين 19 مهاجماً، ونتيجة لذلك وعندما وصل الملك عبدالله إلى عرش السعودية بعد أربعة أعوام من الهجمات، قام بإنشاء لجنة للتحقيق المالي لوقف عمليات جمع الأموال للجماعات الإرهابية، ومنع الخطاب المتطرف في المساجد. وفي قلب حملته ضد التطرف كان إصلاح النظام التعليمي للبلاد. 

ويشير التقرير إلى أنه بعد عقد من الزمان، فالإصلاح في السعودية وإن كان يستحق الثناء، إلا أنه لم يذهب بعيداً في إحداث تغييرات؛ فقد كان من الواضح أن مقاومة التطرف عبر إصلاح التعليم، لم يكن كافياً. فهناك الكثير من الواجب عمله لمواجهة تنظيم الدولة، الذي يعتبر تهديداً على البلاد ونجاتها، وما تؤكده طبيعة الإسلام المتسامحة والسلمية.

وتبين الصحيفة أن التعليم في السعودية ولعقود، كان تحت سيطرة المؤسسة الدينية التي روجت للإسلام المحافظ. وكان خريجو المدارس غير مبالين، ويفتقدون الخبرات والمهارات من أجل تحديث المجتمع والاقتصاد السعودي.

ويلفت التقرير إلى أنه من أجل تغيير هذا الواقع زاد الملك عبدالله عدد الجامعات من 8  إلى 25 جامعة، وقام بإغلاق المعاهد المحافظة لتدريب المعلمين، وقام بتحسين طرق تدريب المعلمين للتشجيع على التفكير النقدي. وتمت زيادة حصص تدريس الرياضيات والعلوم، وحذفت المواد المتعصبة كلها، التي تشجع على التطرف من المقررات المدرسية، والتأكيد أن الإسلام هو دين الاعتدال. وقامت السلطات بطرد مئات من المعلمين، الذين يشجعون على التطرف ونشر أفكاره.

ويتابع التقرير بأنه في قلب برنامج الملك عبدالله الإصلاحي، كان إرسال الطلاب السعوديين في منح دراسية لتلقي التعليم في الخارج، منذ عام 2005 لدراسة كل التخصصات من الإنجليزية إلى الهندسة. 

وتذكر الصحيفة أن عدد الطلاب السعوديين يبلغ اليوم 125.000 طالب، يتلقون العلم في أكثر من دولة حول العالم. وهناك أكثر من 70.000 طالب من هؤلاء يدرسون في الولايات المتحدة. ولم يطلب الملك فقط من السعوديين تعلم موضوعات تفيدهم وتقدم لهم الخبرات، بل كان المطلوب أن تُفتح عقولهم على التجارب الثقافية الأجنبية.

وتقول الكاتبتان إن هذه الإصلاحات التعليمية التي تضم أيضاً تأكيد الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والطب والرياضيات، تعد مثاراً للإعجاب، وبالتأكيد فهي متميزة في العالم العربي.

وترى الكاتبتان أن المأخذ الوحيد على هذه البرامج أن موضوعات دراسة الاقتصاد والتحليل المقارن والتاريخ، لا تزال غائبة عن برامج تدريس الطلاب. 

وتضيفان: "خلال الأعوام التي قضيناها استمعنا إلى الكثير من الشبان السعوديين، الذين لا يعرفون أين وقعت أحداث الحرب العالمية الأولى أو الثانية، كما ولا تدرس موضوعات الأديان المقارنة والنظريات السياسية والفلسفية، وبالتأكيد تعد هذه الموضوعات خطيرة في نظر عدد من المربين السعوديين".

ورغم كل هذا تلحظ الكاتبتان تغيراً في مواقف الجيل الشاب، وربما كان هذا مرده إلى التعامل مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر من ارتباطه بالإصلاح التعليمي. 

ووجدت واحدة من الكاتبتين أن الجيل الشاب لديه استعداد لاستكشاف تفسيرات أخرى من الإسلام، ويعبرون عن شك بالفتاوى الصادرة عن المؤسسة الرسمية الدينية. وعبر الكثير من الشبان عن رغبتهم بعدم فرض الدين مقابل اهتمام أكبر بالتنوع داخل الإسلام. وهذا واضح في رغبة النساء بفك الارتباط بين الإسلام والتقاليد السعودية التي تقوم بالتمييز ضدهن.

ويفيد التقرير أن نوف الصديق، التي درست في جامعة جورج واشنطن، قالت في مقال لها قبل فترة:إن المدارس في بلدها السعودية  تحتاج لعمل الكثير من أجل نشر التسامح الديني. وكتبت "يجب ألا يكون الأمر هو معركة (نحن) و(هم) أو بين المسلمين والكفار، وفي الحقيقة يجب ألا تكون معركة ضد أي شيء".

وتعتقد الكاتبتان أنه رغم كل هذه التغيرات، إلا أن الشباب السعوديين لا يخرجون من المدارس إلى جو من الحرية لمناقشة القضايا التي تهم الإسلام اليوم. في الحقيقة ما يحدث هو العكس، فهناك تقارير عديدة تقول: إن الأئمة في السعودية عادة يقومون بنشر الكراهية وعدم التسامح ضد الأقليات المسلمة، وخاصة الشيعة. 

وتعلق الصحيفة بأن السعودية تعد البلد الوحيد في العالم العربي الذي يمنع المسيحيين أو أتباع أي دين آخر من ممارسة شعائرهم علناً. ومن يعبر من السعوديين عن مواقف نقدية للممارسات الدينية أو طريقة الحكم يفقد وظيفته، وتحظر كتبه من التداول.

وتذهب الكاتبتان إلى أن هذا الجو يفسر تردد السعوديين العاديين والمؤسسة الدينية لشجب تنظيم الدولة في البداية. فبعد أن لسعتهم ضربات الجماعات الشيعية، التي تدعمها إيران في العراق، وضربات حزب الله في سوريا، رأى بعض السعوديين في تنظيم الدولة، مهما كانت جرائمه باعتباره "فريق السنة"، الذي يدافع عنهم. ولم يتحرك رجال الدين إلا بعد أن وبخهم الملك عبدالله ووصفهم بالكسل بعدم شجب تنظيم الدولة، حيث عبروا عن عدم رضاهم عنه.

وتؤكد الصحيفة أن هناك نسبة قليلة من السعوديين ممن تتعاطف مع تنظيم الدولة، وبحسب استطلاع، فالنسبة لا تزيد على 5%، ولكنها تظل نسبة كافية وقادرة على ارتكاب العنف. وعليه فيجب على بقية السعوديين مواجهتها بشكل مفتوح، ويجب تجريدها من مصداقيتها.
ويبدو هذا هو هدف الحوار الوطني، الذي أعلن عنه قبل عدد من السنوات، وسيقوم بعقد عشرين ندوة عامة تركز على "مستقبل الرؤية الوطنية لمواجهة التطرف"، حسبما ما ورد في "أراب نيوز".

وترى الكاتبتان أن هذه خطوة مهمة؛ لأنه دون مباركة القيادة فسيتردد السعوديون بالتعبير عن آمالهم ومخاوفهم من مستقبل الإسلام. ولكن يجب أن يذهب الحوار الوطني أبعد من ذلك، وتجب مناقشة ماذا يعني الإسلام في العصر الحديث، وكيف يمكن تطبيق قيم التشارك الإسلامية، وكيف يمكن أن تدعم القيم الإسلامية النظرية السياسية والتخطيط الاقتصادي.  ويجب على الحوار الوطني مواجهة فكرة "تمجيد الجهاد" مقابل تعزيز فكرة الاجتهاد، فالالتزام بهذه الفكرة التي تعني الاجتهاد من أجل فهم الإسلام عبر التأمل في النص، هو ما جعل الإسلام يتوسع. ولهذا السبب يقول المؤمنون "مداد حبر العالم أقدس من دم الشهيد". 

وبعيداً عن هذا الحوار الوطني، تطالب الكاتبتان الدولة السعودية باتخاذ إجراءات أخرى ضرورية، فعلى الملك عبدالله أن يشعل اهتمام العالم العربي بالمعرفة، ويعمل على تجريم خطاب الكراهية، ويعاقب السعوديين الذين ينشرونه. ويدفع مؤسسات الدولة للتأمل في سماحة الدين. وعليه التحرك وبناء مؤسسة دينية معتدلة وأقل طائفية. وهذه إجراءات ضرورية قبل أن يتحول التشدد واليمين المتطرف إلى موضوع خطير، قد يحدث حال عودة المقاتلين السعوديين من العراق وسوريا. كما ويجب التدقيق في عمليات تمويل التطرف الديني.

وتخلص الكاتبتان إلى أنه لو اتخذت هذه الخطوات، فقد تخرج العالم العربي من دوامة العنف، وتقدم مثالاً جيداً للدول العربية؛ إذ تعتقدان أن الملك عبدالله يعد من أبرز القيادات المسلمة المؤهلة للقيادة وتطبيق هذه المبادرة الواسعة، "سلام  المنطقة وصورة الإسلام ينتظران فعله".
التعليقات (0)