مقالات مختارة

كيف ستنجح تونس؟

راشد الغنوشي
1300x600
1300x600
كتب راشد الغنوشي: في وقت التحولات الكبيرة هذا في العالم العربي، غالباً ما ينظر إلى الصراعات السياسية من منظار أيديولوجي، ما يخلق انطباعاً بأن الخيار ثنائي بسيط بين الإسلاميين أو العلمانيين، ولكن الخيار الحقيقي الذي يواجهه المواطن في هذه الفترة المضطربة في تونس ومصر وتركيا والعراق وسوريا وليبيا، ليس بين الإسلام والعلمانية، بل بين الديمقراطية والدكتاتورية. 

منظور الخيار الثنائي أيضاً لا يأخذ بعين الاعتبار التعددية داخل التوجهات السياسية في تونس والدول العربية الأخرى؛ فالإسلاميون ليسوا متباينين فقط من حيث النموذج، ولكنهم أيضاً تطوروا على مدى القرن الماضي. فبينما كان التركيز لهذا التيار أصلاً على حماية الحرية الدينية، والحفاظ على الهوية التي مورس الظلم ضدها، إلا أن الكثير من الإسلاميين شاركوا في الأحزاب السياسية التي تركز على البرامج الاقتصادية والاجتماعية؛ وذلك لحماية الحرية الشخصية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

بالنسبة لحزب النهضة، فإن انتخابات  26 تشرين الأول/ أكتوبر التشريعية، لم تكن ذات علاقة بدور الإسلام في المجتمع، بقدر ما كانت فرصة لمعالجة قضايا البطالة والنمو الاقتصادي الشامل والأمن وتطوير المنطقة والتفاوت في الدخل، أي القضايا المتعلقة برغيف الخبز، التي تهم الإنسان التونسي العادي. 

وعندما قبلت النهضة أنها هزمت أمام حزب نداء تونس، لم يكن الجو في مقر الحزب جو حزن، بل كان جو احتفال؛ لأننا اعتبرنا الانتخابات انتصاراً للديمقراطية التونسية.

فتحقيق سيادة الشعب من خلال صندوق الاقتراع كان أهم أهداف ثورة 2011 وحزب النهضة نفسه. وإجراؤنا لانتخابات عامة حرة ونزيهة للمرة الثانية في تونس بغض النظر عن النتيجة، هو خطوة أساسية في مستقبل تونس الديمقراطي على المدى الطويل.

وكانت دكتاتورية الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، التي استمرت معاً حوالي 50 عاماً، أدت إلى تفشي الفساد وقمع المعارضة والتخلف الاقتصادي. 

والتحول الديمقراطي في تونس، يعني إنشاء مؤسسات تهدف إلى حماية مصالح الشعب. ولو لم يلتزم الإسلاميون في تونس مثل النهضة بالحوار والتعاون والتنازل، لما بقيت تونس الجزيرة الهادئة الوحيدة في منطقة هائجة. 

ولكن الديمقراطية تعني أكثر من إجراء الانتخابات، فالنهضة تؤيد سلطة مدنية قوية كما تم تعريفها في الدستور التونسي، حيث تكون الدولة هي الضامن للحريات والحقوق كلها. فهذا النسيج، الذي كتب عليه بوضوح صناعة تونس، هو الذي سيجعل عملية التحول الديمقراطي تنجح في تونس، وهو ما شارك فيه الإسلام الإصلاحي الذي يلتزم به حزبي، وهو الإسلام الذي حاجج على مدى 150 عاماً بأن لا صراع بين الإسلام والديمقراطية، ونحن اليوم في تونس نثبت هذا عملياً. 

ومعظم مكونات الطيف السياسي في بلدنا تتطور نحو سياسة وسطية براغماتية، ولذلك فإن اختزال الانتخابات إلى تنافس بين الإسلاميين والعلمانيين ليس دقيقاً، وفي الواقع فإن معظم الأحزاب العلمانية، بما في ذلك نداء تونس، ترفض أن توصف بالعلمانية؛ لأن التسمية استقطابية.

ومن الخطأ الكبير أن تكون ردة الفعل تجاه خطر الإرهاب والتطرف بإبعاد القيم الدينية عن الحياة العامة، فهذا القمع كان هو المتسبب في الإرهاب في منطقتنا. فتحت حكم الرؤساء السابقين تم إغلاق أو التضييق  على مؤسسات الفكر الإسلامي الإصلاحي، تاركاً المجال للفكر المتطرف لملء الفراغ.

فالشباب الذين ترعرعوا في عهد بن علي لم تكن لهم مرجعية من الفكر الإسلامي التونسي المعتدل، وبعضهم توجه نحو التطرف. وأصبحت حجة تهديد الإرهاب بطاقة بيد النظام يستخدمها كلما طالبه المجتمع الدولي أن يحترم حقوق الإنسان، أو أن يعمل إصلاحات سياسية. وأدت المقايضة الخاطئة للحفاظ على الاستقرار في العالم العربي بالتضحية بالحرية إلى تقويض كليهما.

حل التطرف ليس هو الحد من الحريات ولكن إعطاء المزيد. والحل للإرهاب ليس التقليل من الدين، بل إعطاء حرية ممارسة الدين ورعاية الفكر المعتدل والمتزن. وعلى المسلمين الديمقراطيين دور مهم في محاربة انتشار التفسيرات المتطرفة، ودعم القيم الديمقراطية بالحرية والتعددية.

في كثير من بلاد المنطقة كانت خسارة السلطة عن طريق انتخابات أو غير ذلك، تعني السجن والقمع الجماعي أو أسوأ. وفي بعضها لا تزال تعني هذا، ولكن اليوم عندنا تونس جديدة فيها تعددية سياسية، ونحل خلافاتنا بالمفاوضات، ولا يحتكر السلطة حزب بذاته.

وقد أثبتت النهضة التزامها بالديمقراطية التوافقية: وشاركنا السلطة عندما كنا منتخبين، وسلمنا السلطة لحكومة تكنوقراط لضمان حرية الانتخابات. وللانتخابات الرئاسية الشهر القادم اخترنا ألا يكون لنا مرشح، ولا أن نمنح تأييدنا لمرشح معين؛ لأننا قدرنا أن امتناعنا هذا سيساعد في الحفاظ على التوازن الذي نحتاجه؛ كي تتطور ديمقراطيتنا بشكل صحي.

ولاتزال تونس تواجه مهمة عظيمة، فلا يزال الدستور ورؤيته بفصل السلطات والمؤسسات المسؤولة يحتاج إلى تطبيق. كما أن لجنة الحقيقة والكرامة بدأت قريباً بالعمل، بهدف تحقيق العدالة لضحايا دكتاتورية "بن علي"، وهذه عملية ضرورية لتضميد جراح الماضي. 

تحتاج تونس إلى تعاون كل الأحزاب السياسية للقيام بالإصلاحات الضرورية للدعم الاقتصادي والإدارة العامة والنظام المصرفي وقوانين الاستثمار. والتوافق أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولكن تونس ستحتاج إلى توجه ديمقراطي يسمح بالمشاركة، إن كنا نريد أن نحل المشاكل الموروثة من الدكتاتورية.

قد مر الآن حوالي 4 سنوات على يأس محمد البوعزيزي من النظام، ما جعله يشعل النار بنفسه احتجاجاً. وفي كل قرار يتم تبنيه على السياسيين في تونس أن يتذكروا من أجل ماذا مات البوعزيزي. فنحتاج لحماية الحرية والكرامة ونقدم الأمل والفرص، فكان هذا حلم الصحوة التونسية، وهو ما سيجعل تونس تنجح اليوم.

عن نيويورك تايمز،  مترجم لـ"عربي21" 
التعليقات (1)
الدكتور محمد مراح
الجمعة، 21-11-2014 09:16 م
في رأيي ما يستحق توجيه العناية له، هو حاجة أمتنا الوجودية للديمقراطية ، لمعالجة أوضاعها الداخلية بالدرجة الأولى وفي كل المجالات ؛ فقد برهن الشكل الديمقراطي على نجاحه الكبير في تقدم وتطور الغرب، واستحقاقه الريادة والسلطان . وخروجا من الجدل العقيم حول علاقة الديمقراطية بالإسلام ؛ يحسن بنا التنبه إلى أننا يمكن ان نطوع ألياتها ، وأكثر مبادئها إلى قواعد الإسلام في الحكم وغيره . ونضيف طبعتنا الخاصة للطبعات التي أخرجت بها الديقراطية في الدول التي جسدتها . كما أن ، نقد ممارسات خاطئة باسم الديمقراطية من الغرب مع الخارج حسب مصالحه ؛ لمعالجة مشكلات داخلية على خط التواصل مع العالم في الغالب . وستكون مغالطة كبرى إلى بررنا بها إعراضنا عنها ، ورفضها . فواقعنا صار من الخطورة الوجودية التي تستدعي نفرة العقلاء والمفكرين للمبادرة بتواصل مباشر مع الأمة يعرضون عليها صورتها الحقيقية المزرية، وينضجون لها النظام الديمقراطي المطوع لقيمها ومبادئ دينها ، وأليات الخروج من النفق المظلم . فآلاف الشباب شهداء البحر تجذبهم ديمقراطيته نحوه. فالحرية المتاحة للمفكر الغربي دون سقف ، تتيح له فضاء النقد الذاتي ،لمصلحة حضارته ودوله بالدرجة الأولى ، ونحن في موقع مباين كل المباينة له؛ لذا فحاجتنا إلى الديمقراطية تختلف عنه ؛بحسب المرحلة والخصوصية ؛إذ لم نشم رائحةالحرية والديمقراطية بعد . ومن الخطورة بمكان نقد الديمقراطية بالروح التي ينقدها الغربيون ؛ لما تفتحه من ذريعة الحكام والمستبدين للاستمرار في الجثوم على صدور شعوبهم . كما تتيح الحجج البائسة لدى الذين ينكرونها بحجج مفارقتها والمخالفتها للشريعة الغراء . ولا يجدون غضاضة في إضفاء . الصبغة الشرعية على أنظمة متسلطة تتلفع برداء الإسلام بدعوى عدم الخروج عن الحاكم زنعتقد أن فكرة المقال تنحو هذا المنحى ، الذي ضبط زاوية النظر لجوهر مشكلاتنا، والمخرج الوحيد منها، وتتطلع همة الشيخ الغنوشي والنهضة، إليها . .