بعد شهرين على بدء هجومه على عين العرب السورية بات "تنظيم الدولة" يخوض حرب استنزاف مكلفة في المدينة التي كانت حتى قبل وقت قصير مهددة بالسقوط، في ظل مقاومة شرسة من المقاتلين الأكراد المدعومين بغارات
التحالف الدولي، وقوات مساندة فعالة، وفق مراقبين.
ويقول الخبير الفرنسي في الشؤون الإسلامية، رومان كاييه، إن "تنظيم الدولة يسيطر على أكثر من نصف المدينة، لكنه لم يعد يحرز تقدما. قبل أسابيع، كل شيء كان يؤشر إلى سقوط وشيك لكوباني (عين العرب)، ومن الواضح اليوم أنها لن تسقط".
في 29 تشرين الأول/ أكتوبر، عبّر المنسق الأميركي لحملة الائتلاف العربي الدولي ضد التنظيمات الجهادية، الجنرال المتقاعد جون آلن، عن قناعته بأن "
كوباني ليست على وشك السقوط في أيدي تنظيم الدولة"، وذلك بعد وصول قوات "البشمركة" العراقية إلى المدينة لدعم المقاتلين الأكراد.
وبدا منذ ذلك الوقت أن المعركة تشهد نقطة تحول، وذلك بعد أيام على تعبير مسؤولين أميركيين، وعلى رأسهم الرئيس باراك أوباما، عن "قلقهم الشديد" على كوباني، بينما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤكد أن "كوباني على وشك السقوط".
وبدأ الهجوم على عين العرب في 16 أيلول/ سبتمبر بعد سلسلة نجاحات للتنظيم في مناطق مختلفة من
سوريا.
وتمكن التنظيم من التقدم سريعا نحو المدينة الحدودية مع تركيا، واستولى في طريقه على مساحة واسعة من القرى والبلدات، ما تسبب بنزوح عشرات آلاف الأشخاص.
وفي السادس من تشرين الأول/ أكتوبر، دخل مقاتلو التنظيم كوباني، وتمكنوا من السيطرة على أكثر من نصفها.
ويقول كاييه: "وقع تنظيم الدولة في كمين محكم. فالولايات المتحدة أعلنت أن كوباني ليست نقطة استراتيجية في نظرها. لكن الواقع أن طائراتها كانت قد كثفت غاراتها. وليس أسهل على طائرات من استهداف مدينة فرغت من السكان".
فما أن كان المقاتلون يستولون على مبنى ويتركون فيه عناصر لحمايته، حتى يصل طيران التحالف ويقصفه ليقتل عددا كبيرا من المسلحين.
وقال الباحث إن "المسلحين سوريين، ومنهم أيضا من الأوزبك والشيشان، وبالتالي، هم متمرسون بالقتال. ولكن عدد القتلى بين مقاتلي التنظيم هو ضعف عدد القتلى بين المقاتلين الأكراد"، على حد قوله.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، قتل في معركة عين العرب 609 عناصر من "تنظيم الدولة"، و363 عنصرا من "وحدات حماية الشعب" الكردية، و24 مدنيا.
داعش فوجئ بمقاومة الأكراد
وفوجئ التنظيم الجهادي الذي كان يرى المدن والجبهات (في سوريا والعراق) تفرغ حتى قبل وصوله نتيجة الرعب الذي يثيره وقوة ترسانته من الأسلحة والذخائر، بمقاومة عين العرب الشرسة، وفق محللين غربيين.
ويقول مدير المرصد، رامي عبد الرحمن: "نفذ التنظيم 23 عملية انتحارية في مدينة تتراوح مساحتها بين ستة وسبعة كيلومترات، ولم يتمكن من الاستيلاء عليها. ماذا يمكنه أن يفعل بعد؟".
ويضيف أن "الواقع يشير إلى أن التنظيم لم يعد يحشد قواته بالكثافة نفسها (...) ولم يعد يركز على المدينة التي تحولت المعركة فيها بالنسبة إليه إلى حرب استنزاف".
ويوضح أنه "لم تتغير الخريطة على الأرض كثيرا منذ دخول قوات البشمركة العراقية إلى كوباني" في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إلا أن المعارك العنيفة تركت مكانا لـ"اشتباكات متقطعة، لا سيما في وسط المدينة وجنوبها، بينما الدور الأساسي حاليا هو لعمل القناصة".
وأشار إلى أن "قناصة تنظيم الدولة ينتشرون على كل الأبنية في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم وعلى خطوط التماس".
ويؤكد عبد الرحمن أن المقاتلين الأكراد استعادوا المبادرة، لكن "التقدم الذي تحرزه قوات البشمركة ووحدات حماية الشعب هو احتلال أبنية، فالمعركة معركة شوارع".
ويشير إلى أن "عمليات ناجحة" أخرى يقوم بها المقاتلون الأكراد خارج كوباني في مناطق سيطر عليها "تنظيم الدولة"، لكن يتعذر عليهم حراستها بقوات مكثفة، معتبرا أن "هذه العمليات تزيد من إرباك التنظيم ومن توتره".
نتيجة لذلك، يخلص مدير المرصد إلى أن "الأسلحة التي دخلت للأكراد والمقاتلين الذين وصلوا إلى كوباني وتسليط الأضواء الإعلامية العالمية على المدينة (...) كل ذلك رفع معنويات الأكراد، وساهم في صمودهم، وجعل سقوط المدينة مستبعدا (...) إلا في حال حصول مفاجآت"، على حد تعبيره.
وقبل وصول المقاتلين الأكراد العراقيين (عددهم 150)، كان عدد من عناصر الجيش السوري الحر انضم ايضا إلى المقاتلين ضد التنظيم داخل كوباني، ليصل عدد هؤلاء في المدينة إلى حوالي مئة، بحسب ما يقول الصحافي الكردي، فرهاد الشامي، وهو مقرب من "وحدات حماية الشعب".
ويرى الشامي الموجود في كوباني أن "الطيران ووصول القوات والسلاح الذي دخل المدينة كان له الدور الكبير في توقف تمدد داعش"، مضيفا أن التنظيم "شن هجمات عدة على البوابة الحدودية مع تركيا، ولو تمكن من الإمساك بها، لكانت انتهت معركة كوباني لمصلحته بنسبة 80 في المئة"، على حد قوله.
ويضيف: "لكنه اليوم تراجع كثيرا، لا سيما خلال اليومين الماضيين".
ويتحدث عبد الرحمن عن "معطيات تشير إلى أن "تنظيم الدولة" قد تنسحب بشكل مفاجئ من كوباني".
ويقول الشامي من جهته: "نعايش انكسارا سريعا لداعش حاليا في كوباني"، وفق قراءته. لكنه لم يستبعد استمرار الحرب، ولو توقفت الهجمات.
وقال: "إذا تم إنقاذ المدينة، فهذا لن يعني أنها لن تبقى محاصرة. هناك أكثر من 360 قرية في محيطها تحتاج إلى إنقاذ"، داعيا "العشائر العربية في هذه القرى إلى الانتفاض"، وإلى تزويد "كوباني بالأسلحة الثقيلة، وهو المطلب الأساس".