حقوق وحريات

الفزعات الجهوية تؤرق المجتمع الأردني

تقف الأعراف العشائرية في وجه القانون أحيانا في الأردن - أرشيفية
تقف الأعراف العشائرية في وجه القانون أحيانا في الأردن - أرشيفية
في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة بشكل عام والأردن بشكل خاص من زيادة الهجرات الداخلية من الأرياف للمدن طلبا للعمل والوظيفة، ولجوء المزيد من السوريين إلى الأردن مؤخرا وبإعداد كبيره وتشكلهم كمكون مجتمعي مستقل بحد ذاته، أخذت ظاهرة "الفزعة" تتزايد بشكل مستمر على كافة أشكاله المختلفة العشائرية والمناطقية والقطرية حتى انعكست هذه المظاهر الاجتماعية على مؤسسات الدولة.

ولا يخفى على المجتمع الأردني بكافة شرائحه أن التعيينات والمشاجرات، وحتى المناصب في مختلف المؤسسات أصبحت تتشكل بناء على الفزعات الجهوية، مسببة بذلك الشعور بالغبن والظلم لمكونات مضطهده نتيجة هذه الظاهرة في مجتمع عشائري يدعي المدنية، وسيادة العرف تغلب على سيادة القانون واضعة القوانين في كثير من المواضع في موقف محرج لدوله يحكمها الدستور والقانون.

غياب الإصلاح في الفترة الأخيرة أضاف للمشهد تعقيدا غير مسبوقا، حيث لا نصر لمظلوم ولا فقير، وترسيخا للظلم الذي زاد من الشعور في الاغتراب للنخب المثقفة وخصوصا الشباب منهم في مجتمع أصبحت فيه الفزعة موضة وامرأ واقعا لا مفر منه.

الجامعات مسرح للفزعات العشائرية

لم يتردد الطالب أحمد البوريني (20 عاما) في الانتقال من جامعة الحسين بن طلال في معان جنوب الأردن إلى الجامعة الأردنية في عمان هربا من العنف الطلابي الذي وصل في تلك الجامعة إلى مقتل عدد من الطلاب.

ويذكر أن المشاجرات في الجامعات تتخذ طابع الفزعات القبلية والعشائرية والمناطقيه، الأمر الذي يؤرق شريحة واسعة من الطلبة الذي لا ينضوون تحت هذه التشكيلات الجهوية ويدفعهم للنفور من الجامعة إلى درجة القلق من دخول الحرم الجامعي بسبب هذه الفزعات.

وانتشرت الفزعات القبلية إلى جامعات عدة بدءا من جامعة الحسين بن طلال في معان عدة جامعات حتى أصبحت الفزعات الجامعية ظاهرة قائمة تفرض نفسها على المشهد التعليمي برمته.

وتدعي السلطات الأردنية أنها تفعل ما بوسعها لردع مثل هذه المشاجرات على هذا النحو من خلال العقوبات الرادعة وتغليظها لدرجة تصل إلى الفصل النهائي من الجامعة والحبس أحيانا، إلا أن بعض المحللين يروون العكس تماما حيث أن الحكومة تتعامل مع هذه الفزعات بشكل يجعلها تستأسد أكثر وأكثر.

العدوى تنتشر في المؤسسات العامة

أحد الموظفين في مجلس النواب الأردني، الذي فضل عدم ذكر اسمه قال في حديث خاص لـ"عربي 21" إن موظفين المجلس عبارة عن تكتلات لفزعات قبلية ومناطقية مقيتة تشوه مجلس النواب برمته حيث ينتسب بعض موظفي الأقسام في مكاتب المجلس لنفس القبيلة، ويتعاملون من المراجعين بنوع من التعالي و"النرفزه" والاستقواء بالمجموعة القبلية المتواجدة من الموظفين الأمر الذي يرفضه هذا الموظف، وبنفس الوقت لا يستطيع البوح به لأن المسؤولين في المجلس ليسوا أفضل حالا، ولا حتى النواب، حيث وصف الوضع بـ"المأساوي".

وفي إحدى الوزارات السيادية في الأردن يصرح أحد الموظفين لـ"عربي 21" أن الوزارة حكر في التوظيف والتعيين لمناطق معينه دون غيرها، ومحرمه على مناطق أخرى وذلك نتيجة الواسطة والفزعات في التعيينات.

العرف يجب أن لا يخالف القانون

وفي حديث خاص لـ"عربي 21" قال المستشار القانوني للهيئة الوطنية للعدالة الجنائية المحامي د. عادل عزام سقف الحيط إنه من المفترض أن يكون المواطنون متساوون في الحقوق والمواطنة أمام القانون، وأن الأصل هو التساوي في الفرص وانسجامه مع متطلبات التمتع بالحق، حيث يجب أن يكون التعيين بناءً على الشروط الوظيفية المطلوبة وامتحانات الكفاءة، فضلا عن التساوي بين المواطنين أمام القضاء وأن تبنى الأحكام على الوقائع والبيّنات وتطبيق النصوص القانونية لا أن يكون للأصل والعشيرة والنسب والنفوذ والتي تندرج تحت عرف الفزعة. 

وأضاف سقف الحيط أن مشكلة تعتري عمل "المستشارية العشائرية" –رغم أهميتها- حيث تحتاج لبعض التنظيم، إذ أن الجاذبات العشائرية على اختلافها تصطدم مع بعض بنود القانون وقواعد المجتمع المدني، منوها إلى أن مثول المواطن أمام الحاكم الإداري الذي يطبق قانون منع الجرائم الذي يمنح الحاكم صلاحيات واسعة من شأنها أن تفرض كفالات عدلية ومالية باهظة إضافة إلى التوقيف حيث يكون للعرف العشائري والفزعة حضور في تلك الإجراءات.

ونوه سقف الحيط إلى أن الفزعات والتجاذبات العشائرية أودت بحياة 4 أشخاص في جامعة الحسين بن طلال، حيث اضطرت قوات الدرك للتدخل بعدما عجز الأمن الجامعي عن إيقاف أعمال العنف التي وقعت في الجامعة، وانشغل الدرك حينها بإخلاء غير المشتركين في الشجار عن ضبط الجناة أو تحريز السلاح المستخدم في تلك الفزعات المسلحة أو أخذ المسحات البارودية.

علم الاجتماع 

وينوه الدكتور حسين محادين في حديث خاص لـ"عربي 21" إلى أن المجتمعات المتحولة التي تنتقل من الريف للمدينة تتسم بنيتها بالازدواجية بين عوامل الشد من المرحلة الريفية، وبين السعي نحو قيم المدينة وتبني المدنية من جهة أخرى.

ويضيف محادين أن القانون يجرم ما ينتج عن هذه التأرجحات بينهما، لما لها من آثار قد تلحق الضرر بفئة أخرى، منوها إلى أن جذور الجذب إلى الماضي في المجتمع الأردني أكثر من قيم التحدث، لذلك نجد ازدواجية بين العرف العشائري والقبلي والمناطقي وبين المجتمع المدني رغم ارتفاع نسبة التعليم وخريجي الحقوق، وتطور أدوات الضابطة العدلية التي من المفترض أن تحد من مثل هذه الظواهر، لذلك نجد أن شكل المجتمع يأخذ مظهرا في مرحلة التبلور أكثر من أنه في مرحلة التطبيق والتشكيل.

وبين محادين أن بنية المجتمع لم تندمج في المواطنة دستوريا وقانونيا كي تكون العضوية على أساس مدني، ويتمثل ذلك في كثير من السلوكيات كالدفاع عن الأنثى ومشاركة الأقرباء لمجرد أنهم أقرباء، والفزعات الطلابية في الجامعات، والفزعات العشائرية التي أضافت للمجتمع الأردني بعدا تصادميا ولا يقبل الآخر.

وانتقد محادين قانون الصوت الواحد معتبرا أنه خالف تطبيقه في المدنية والحداثة، حيث أنه كرس العلاقات الأولية والتقليدية والجهوية تدخل العشيرة أو الإقليم أو التنظيم.

تغليظ العقوبة

وشدد وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية الدكتور خالد الكلالدة في حديث لـ"عربي 21" أن الحكومة قامت بتغليظ العقوبة بطريقة من شأنها أن تردع الخارجين عن القانون ولجم الفزعات على مختلف الأصعدة.

ودعا الكلالدة إلى عدم إنكار أن الأردن دولة عشائرية وقد سادت هذا المكون العشائري بعض المظاهر السلبية إلا أن الأردن يبقى دولة قانون حسب تعبيره.
 
غياب الإصلاح عامل مشجع 

يذكر أن الأردن لم يقم بأي إجراءات إصلاحية من شأنها أن تقوي سلطة القانون، باستثناء تعديلات دستورية شكلية تخلو من تغييرات جوهرية حقيقية قد تؤدي إلى إصلاح شامل.

ويمنع فئة كبيرة من الأردنيين من أصول ومنابت معينه من التعيينات في المؤسسات العسكرية منذ وقت طويل حيث تحتكر هذه المؤسسة لأبناء العشائر الأردنية، وتحتكر أغلب المناصب على فئات ومحافظات بعينها عن دون المناطق الأخرى مما يضع مصداقية الدولة وممارساتها في للانحياز لطرف معين على حساب الأطراف والمناطق الأخرى على المحك ويجعلها طرفا مشجعا للفزعات من تحت الطاولة.

وتطالب بعض الأحزاب السياسية بإجراء إصلاحات سياسية حقيقية من شأنها أن تؤدي لإصلاحات اقتصادية، وتعديل قانون الانتخاب الحالي، إلا أن هذه النداءات لم تلقى آذانا صاغية من النظام رغم ما تشهده المنطقة من تحولات وتغييرات على الأصعدة كافة.
التعليقات (1)
تيسير النجار / كاتب وصحافي اردني
الأربعاء، 08-10-2014 02:27 م
تقرير مهم ... وسقفها عالي بمهنية وموضوعية ...شكرا لكم