كشف الصحفي البريطاني غلين غرينوولد في تقرير مطوّل على موقع "ذي إنترسيبت" الأمريكي الخميس، عن استخدام موظفين سابقين في الخزانة الأمريكية، بالتعاون مع
الإمارات العربية المتحدة، للتلاعب بالصحفيين الأمريكيين لشيطنة دولة
قطر.
وقال غرينوولد إن قطر، الإمارة الصغيرة والثرية جداً في الخليج الفارسي، باتت عدوا مستهدفا من قبل دولتين تتمتعان بنفوذ كبير في الولايات المتحدة الأمريكية: إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة. فإسرائيل غاضبة بسبب دعم قطر للفلسطينيين بشكل عام ولحماس بشكل خاص (كما يزعم الكاتب)، بينما الإمارات ساخطة لأن قطر تدعم الإخوان المسلمين في مصر (بينما تدعم الإمارات قادة الانقلاب العسكري)، ولأن قطر تمول الثوار الإسلاميين في ليبيا (بينما الإمارات منحازة إلى اللوائ حفتر الذي يقود انقلابا على السلطة).
ويضيف أن هذا العداء تمخض عن حملة جديدة في الغرب لشيطنة القطريين وتصويرهم على أنهم الداعم الأهم للإرهاب. واختار الإسرائيليون مقاربة مباشرة من خلال اتهام أعدائهم الجدد في الدوحة على الملأ بأنهم داعمون للإرهاب، بينما اختارت الإمارات استراتيجية مستترة، وذلك من خلال دفع ملايين الدولارات لمؤسسة ضغط سياسي (لوبي) تتكون من مسؤولين كبار سابقين في الخزانة الأمريكية من الحزبين، لتمرير قصص إخبارية مناهضة لقطر إلى الصحفيين الأمريكيين. وقد أثبت هذا التكتيك الحاذق نجاحا باهرا، وهو يسلط ضوءا مهما على الكيفية التي يمكن من خلالها بسهولة وعبر استخدام المال تسريب الروايات السياسية، إلى داخل الخطاب الإعلامي في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويلفت غرينوولد إلى أن "هذه الحملة السوداء ضد قطر" أشير إليها لأول مرة في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز"، قبل أسبوعين بقلم دافيد كيركباتريك، كشف فيها النقاب عن "تحالف مصالح غير متوقع بين كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل" يسعى لتصوير الدوحة كما لو كانت "عراب الإرهابيين في كل مكان" (علماً بأن قطر تنفي بقوة هذا الاتهام). ويقول إن أحد المكونات المهمة لهذه الحملة ورد ذكره بشكل عابر كما يأتي:
"لقد تعاقدت الإمارات العربية المتحدة مع مؤسسة استشارية أمريكية اسمها كامستول غروب، يعمل فيها عدد من المسؤولين السابقين في وزارة الخزانة الأمريكية. وتشير الأوراق الرسمية للمؤسسة، والمسجلة على أنها وكيل أجنبي، إلى نمط متكرر من المحادثات مع الصحفيين الذين ما لبثوا أن كتبوا مقالات ناقدة لقطر تتهمها بلعب دور في جمع الأموال للإرهابيين".
ويرى أن الطريقة التي تمت من خلالها هذه العملية كانت مدهشة، ويتبين بوضوح من كفاءتها كيف يمكن بلا أدنى صعوبة
التلاعب بانطباعات الجمهور الأمريكي وبالتقارير الإعلامية.
ويوضح أنّ كامستول غروب، تشكلت في السادس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، وجميع الشخصيات الأساسية فيها كانوا سابقا من كبار الموظفين في وزارة الخزانة في إدارتي بوش وأوباما، والذين كان من مهماتهم إدارة علاقات حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بأنظمة الخليج العربي وبإسرائيل، وكذلك إدارة السياسات المتعلقة بتمويل الجماعات المصنفة على أنها إرهابية. ومعظم هؤلاء كانوا من نشطاء المحافظين الجدد. كما أن اثنين من أهم المسؤولين الأساسيين في كامستول عملا قبل أن يصبحا موظفين في الخزانة الأمريكية مع واحد من أكثر المحافظين الجدد تطرفا وأكثرهم عداء للنشاطات الإسلامية، هو ستيف إميرسون.
ويشير التقرير إلى أن مؤسس كامستول والمدير العام فيها، ماثيو إبستين، كان مسؤولا في وزارة الخزانة من عام 2003 إلى عام 2010، وشغل خلالها إلى حين منصب الملحق المالي لوزارة الخزانة في المملكة العربية السعودية وفي دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويقول الكاتب إن هناك برقيات دبلوماسية صادرة في عام 2007 سربتها تشيلزي مانينغ ونشرتها ويكيليكس، فيها تفاصيل اجتماعات عقدها إبستين مع ممثلين رفيعي المستوى لحكومة أبو ظبي بهدف سد الطريق على تعاملات إيران المالية والمصرفية. وتكشف هذه البرقيات النقاب عن عقد عدد من الاجتماعات رفيعة المستوى بين إبستين بوصفه مسؤولا في وزارة الخزانة وعدد من كبار المسؤولين في الإمارات الذين يدفعون حاليا الملايين من الدولارات لشركته لتقوم بدور الوكيل لها داخل الولايات المتحدة.
ويضيف أن إبستين قبل تعيينه في وزارة الخزانة من قبل إدارة بوش كان من نشطاء المحافظين الجدد، وكان يكتب مقالات تنشر في مطبوعة فايننشنال ريفيو، وكان يعمل مع مشروع إميرسون الاستقصائي المناهض للمسلمين بعدوانية بالغة (في سيرته الذاتية المنشورة لم يشر إبستين إلى عمله مع إميرسون من قريب أو بعيد). وكان عمله - أي قبل الالتحاق بوزارة الخزانة - مع مجموعة إيمرسون، التي كانت مهووسة بالخطر الإسلامي في الداخل، هو الذي مهد للحملة التي شنها ضد المسلمين بيتر كينغ عام 2011.
ويذكر أنه في عام 2003 على سبيل المثال، أخبر إبستين مجلس الشيوخ الأمريكي بأن "قطاعات كبيرة من القيادات الإسلامية في أمريكا لا تدعم سياسة مكافحة الإرهاب التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية"، وأن "نزعة التطرف لدى القيادات السياسية الإسلامية في الولايات المتحدة تطورت بشكل مواز لنزعة التطرف لدى القيادات الإسلامية حول العالم، ويحملون نظرة تآمرية مفادها أن المسلمين في الولايات المتحدة يتعرضون للاضطهاد على أساس ديني، ويعتقدون أن العنف باسم الإسلام مبرر". وأعلن إبستين أن "بروز القيادة الإسلامية المتطرفة في الولايات المتحدة يتطلب عناية خاصة إذا ما أريد لنا أن ننجح في الحرب على الإرهاب".
ويقول الكاتب إن العضو المنتدب في كامستول، هوارد مينديلسون، كان مساعد وزير الخزانة بالوكالة، وكان يحمل على عاتقه ما يكفي من مسؤوليات السياسة العامة ذات العلاقة بالإمارات. وإحدى برقيات ويكيليكس لعام 2010 تفصل كيف أنه "التقى بكبار المسؤولين من دائرة أمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة ومن الدائرة العامة لأمن الدولة في دبي" لتنسيق تعطيل تمويل الطالبان. بنجامين شميدت، العضو المنتدب الآخر، عمل مع إبستين في مشروع إيميرسون الاستقصائي قبل أن يعين هو الآخر في وزارة الخزانة. ويتبين من برقية دبلوماسية صادرة في عام 2009، أنه كان يعمل مع إسرائيل لضبط تمويل الفلسطينيين. أما بنجامين دافيس، أحد مدراء كامستول، فكان الملحق المالي لوزارة الخزانة في القدس.
ويروي أنه في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 2012 – أي بعد أقل من أسبوع من تأسيس كامستول – وقعت الشركة عقدا مفتوحا ومجزيًا للاستشارات مع كيان مملوك بالكامل لإمارة أبو ظبي اسمه أوتلوك إنرجي إنفيستمينتس. وبعد أسبوع واحد، تسجلت كامستول كوكيل أجنبي بالنيابة عن الإمارات. وبموجب اتفاقية الاستشارات هذه ستتلقى كامستول رسماً شهرياً قدره أربعمائة ألف دولار، تحول شهرياً إلى حساب كامستول. وبعد أسبوعين من تأسيسها، تلقت كامستول من ذلك الكيان الإماراتي أتعابا قيمتها 4.3 مليون دولار، ثم تلقت دفعة أخرى عام 2013 قدرها 3.2 مليون دولار.
ويفسر الكاتب ما جرى بأن مسؤولاً كبيرا في الخزانة مكلفا بسياسة الولايات المتحدة تجاه الإمارات ترك الحكومة الأمريكية وفتح شركة جديدة للضغط السياسي (اللوبي)، تلقت مباشرة بمجرد تأسيسها ملايين الدولارات من نفس البلد الذي كان هو مسؤولاً عن العلاقة معه، وكل ذلك لكي يستخدم
نفوذه وعلاقاته لمصلحتها. جدير بالذكر أن الإمارات العربية المتحدة تدفع أكثر من أي بلد آخر في العالم من أجل التأثير على السياسة الأمريكية وعلى النقاش السياسي المحلي، وهي تفعل ذلك من خلال تشغيل كبار المسؤولين الحكوميين الذين عملوا معها من قبل مثل إبستين وصحبه، والهدف هو إنفاذ أجندتها داخل الولايات المتحدة.
ويتساءل: ما الذي عملته كامستول مقابل كل هذه الملايين من الدولارات؟
يقول إنهم قضوا وقتاً طويلاً جداً في إقناع أصدقائهم الإعلاميين بترويج قصص ضد قطر، ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد. كانت استراتيجيتهم واضحة، التوجه إلى الكتاب من المحافظين الجدد ومن أنصار إسرائيل مثل إيلي ليك في ذي ديلي بيست، وألانا غودمان في فري بيكون، وإليوت أبرامز الذي أدين في قضية إيران كونترا، وجينيفر روبين في الواشنطن بوست ومايكل روبن في أماريكان إنتربرايز أنستيتيوت، وكل واحد من هؤلاء شديد الحرص على الترويج لقصة علاقة قطر بتمويل الإرهابيين التي بدأت بالحديث عنها إسرائيل. كما أنهم توجهوا إلى عدد من الشخصيات الإعلامية البارزة في المؤسسات الكبرى مثل إرين بيرنيت في الـ"سي إن إن"، ومارك هوزينبال في رويترز، وجوبي واريك في الواشنطن بوست.
ويشير إلى أنه في النصف الثاني من عام 2013، تحدثت كامستول عن خمسة عشر اتصالا أجرتها مع إيلي ليك، وجميعها بالنيابة عن الأجندة الإماراتية. وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر وحده أجرت الشركة عشرة اتصالات منفصلة مع ألانا غودمان. كما أنهم تحدثوا في العديد من المرات مع واريك. وفي الوقت نفسه كانوا يتحدثون نيابة عن زبائنهم الإماراتيين مع زملائهم السابقين الذين مازالوا في مواقع رفيعة المستوى داخل وزارة الخزينة بما في ذلك كيت بوار، الملحق المالي لوزارة الخزانة والمقيمة في الإمارات ونائب مساعد وزير الخزانة داني ماكغلين.
ويضيف أنه في النصف الثاني من عام 2014، وبينما كان الهجوم الإماراتي يتصاعد ضد قطر، تحدثت كامستول عدة مرات مع ليك وهوزنبول، وكذلك مع برنامج "آوت فرونت" الذي يقدمه في الـ"سي إن إن" إرين بيرنيت، كما أنها تحدثت مع غودمان ومع دافيد كيركباتريك في نيويورك تايمز، واستمر مدراؤها في الالتقاء بكبار مسؤولي الخزانة أيضا، بما في ذلك مساعد الوزير لشؤون تمويل الإرهابيين دانييل غلاسر.
ويلفت إلى أن هذا النشاط عاد على الإماراتيين بمكاسب؛ ففي حزيران/ يونيو، عندما أعلنت إدارة أوباما عن خطة لإطلاق سراح معتقلي غوانتانامو وتسليمهم لقطر، نشر ليك مقالاً في ديلي بيست كثر الاقتباس عنه، وصف فيه قطر بأنها صديقة الإرهابيين، ونقل فيه عن مسؤولين مجهولين زعمهم أن "العديد من الأفراد الأثرياء في قطر يجمعون المال لصالح الجهاديين في سوريا كل يوم" وأننا "نعرف أيضاً أننا أرسلنا إليهم معتقلين من قبل وأن أجهزتهم الأمنية بطريقة سحرية لم تعد تعرف أين هم". كما أن ليك ذاته أعلن أن "سجل قطر غير مريح" وأن "هذه الإمارة أضحت مكاناً جيداً لجمع المال لصالح المنظمات الإرهابية".
ويقول إن ليك توجه بعد ذلك إلى قناة فوكس نيوز وقال إنه "مازالت ثمة قضية رئيسية تتعلق بتمويل قطر للإرهاب" وأنه في الدوحة يوجد "أفراد يتجولون بحرية ويجمعون المال للقاعدة ولحماس ومثلهما من الجماعات".
ويضيف أنه في هذه الأثناء أرسلت الـ"سي إن إن" بيرنيت إلى الدوحة، حيث بثت من هناك "تقريراً خاصا" عنوانه "هل باتت قطر مركزاً لتمويل الإرهاب؟"، وروجت الـ"سي إن إن" لهذا التقرير بوصفه "نظرة متفحصة في الذين يمولون القاعدة والجماعات المرتبطة بها، بما في ذلك داعش". وبدأت بيرنيت تقريرها بملاحظة أن "المجموعة الإرهابية داعش تقوم بأعمال إجرامية في العراق. ويلوم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كلاً من المملكة العربية السعودية وقطر ويتهمهما بتزويد مقاتلي داعش بالمال والعتاد". ثم استعانت بمصدر، هي جوان زاراته نائب مستشار الأمن القومي سابقاً في عهد بوش والمسؤولة في الخزانة الأمريكية، لتقول بأن "قطر هي مركز ذلك النشاط. لقد احتلت قطر الآن موقعها في مقدمة الدول التي تدعم القاعدة والجماعات المشابهة للقاعدة".
ويذكر أنه بينما كانت ما تزال على الهواء، سألت بيرنيت مصدرها: "إذن، على أي مستوى في الحكومة القطرية يوجد الدعم الذي يتلقاه التطرف الإسلامي وتتلقاه الجماعات المرتبطة بالقاعدة؟"، والجواب: "حسناً، هذه قرارات تتخذ في أعلى المستويات. قطر عبارة عن نظام ملكي، ومسؤولوها ونشطاؤها ينصاعون لأوامر الحكومة. وبقدر ما توجد سياسة داعمة للمتطرفين في المنطقة فإن هذه السياسة تأتي من رأس الهرم". ثم استضافت بعد ذلك الجمهوري رئيس لجنة الأمن الوطني في مجلس النواب مايكل ماكول وسألته عما إذا كان يوافق على أن "المال الخارج من قطر يمكن أن ينتهي به المطاف ليستخدم في دعم طموح وأحلام البعض في شن هجمات مباشرة على الولايات المتحدة"، فلم يتوان في الإجابة بأنه يوافق على ذلك.
ويرى أن عمل كامستول مع واريك من صحيفة الواشنطن بوست، أثبت أنه منتج؛ فقد تحدثت كامستول مع واريك في السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2013، وفي اليوم التالي مباشرة نشر صحفي الواشنطن بوست مقالاً صرح فيه بأن "جمعيات خيرية خاصة موجودة في قطر تصدرت لمواقع بارزة في الأسابيع الأخيرة من خلال جمع المال والمستلزمات لصالح المتطرفين الإسلاميين في سوريا، بحسب ما أفاد به مسؤولون سابقون من الولايات المتحدة ومن الشرق الأوسط".
ويشير إلى أن ممثلي كامستول تحدثوا تارة أخرى مع واريك في العشرين وفي الحادي والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر، وفي اليوم التالي نشر مقالاً آخر أشد اتهاما، مشيراً فيه إلى "قلق أمريكي متزايد بشأن دور أفراد قطريين وجمعيات خيرية قطرية في دعم العناصر المتطرفة ضمن تحالف الثوار في سوريا" ورابطاً العائلة الحاكمة في قطر بأستاذ جامعي وناقد للسياسة الخارجية الأمريكية تزعم الحكومة الأمريكية أنه "يعمل سراً كممول للقاعدة".
ويلفت الكاتب إلى أن واريك استشهد في مقالته الأولى -كواحد من مصادره- بمن أسماه "مسؤولا أمريكيا سابقا مختصا في تعقب الحركات الجهادية التي تتخذ من الخليج مقراً لها، والذي تكلم بشرط عدم الإفصاح عن هويته لأن جل عمله مع الحكومة يصنف على أنه عمل سري". لا شك أن مثل هذا الوصف ينطبق على العديد من أعضاء مجموعة كامستول. إلا أن كامستول لم يرد على تساؤلات وجهتها له "ذي إنترسيبت" عما إذا كان المصدر المجهول بالفعل عميلاً للإمارات مدفوع الأجر ويعمل لدى كامستول.
ويبيّن أن قائمة كامستول تشتمل أيضا على كيركباتريك الذي كتب مقالاً في نيويورك تايمز قبل أسبوعين عنوانه "دعم قطر للإسلاميين ينفر الحلفاء القريبين والبعيدين"، وأشار فيه إلى أن قطر "أجازت ضمنياً جمع الأموال" لصالح منتسبي القاعدة.
ويستدرك بأنه على النقيض من التقارير الأخرى التي نشرها حلفاء كامستول من الإعلاميين، وصف كيركباتريك صراحة، وسلط ضوءاً متشككاً على الحملة المكثفة التي تتركز على قطر، ولم يكتف فقط بذكر نشاط كامستول من وراء ستار بل نقل خبراً مفاده أن "قطر تجد نفسها عرضة لهجوم شديد من قبل تحالف مصالح لم يكن وارداً من قبل، تشارك فيه كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل، والتي سعت جميعها إلى إظهار قطر كما لو أنها كانت عراب الإرهابيين في كل مكان". ولاحظ كيركباتريك أن "البعض في واشنطن اتهمها بتقديم الدعم المباشر للدولة الإسلامية في العراق والشام"، واصفاً ذلك الزعم بأنه "غير معقول ولا إثبات عليه".
ووفقا للكاتب فإنه ردا على أسئلة وجهتها له "ذي إنترسيبت" حول دور كامستول فيما ينشره هو، رفض ليك الإجابة عن أي سؤال، مصرحاً بما يلي: "أنا لا أتحدث عن الأسلوب الذي أتبعه في نشر تقاريري. ألتقي بعدد كبير من ممثلي ومسؤولي الحكومات الأجنبية من خلال أدائي لمهامي الوظيفية".. (يفاخر العديد من الصحفيين بأنهم يصرون على الشفافية والمساءلة حينما يتعلق الأمر بالآخرين بينما يتبنون حالة من السرية المطلقة بخصوص عملهم هم لدرجة قد تدفع حتى المتحدث باسم البنتاغون إلى أن يحمر خجلاً إزاء عبارة: لا أتحدث عن كيفية إعداد تقاريري).
وينقل عن غودمان فيما يشبه ذلك، قوله: "أنا متأكد أنك تعي أنني لا أستطيع مناقشة ما يدور في الحوارات الخاصة مع من أتصل بهم". ولا يبدو أن اتصالات كامستول مع كل من غودمان وهوزينبول أنتجت شيئاً يذكر، وعلى كل فقد امتنعت كامستول وكذلك امتنع واريك وهوزينبول عن الإجابة عن أي من أسئلة "ذي إنترسيبت".
ويؤكد أن القضية هنا لا تتعلق بما إذا كانت قطر بريئة أم لا، من تهمة دعم المتطرفين.. ولا تتعلق أيضاً بأي تصرف غير لائق صادر عن الصحفيين الذين يأخذون المعلومات أياً كان مصدرها (وإن كان المرء يتمنى بالتأكيد، كما فعل كيركباتريك، لو أنهم وضحوا ما هي الأجندة والحملة مدفوعة الأجر من وراء هذا السرد).
ويشدد على أن النقطة المهمة هي أن هذا الهجوم الإعلامي المنسق ضد قطر – باستخدام مسؤولين أمريكيين سابقين وحلفائهم من الإعلاميين، وكلهم يتقاضى أتعاباً كبيرة – هو ببساطة سلاح تستخدمه الإمارات وإسرائيل والسعودية وغيرها لخدمة أجنداتهم. ولقد شرح ذلك كيركباتريك بقوله: "توجيه هذا الكم الهائل من الاتهامات ضد قطر ما هو إلا تنافس إقليمي على النفوذ، وذلك أن ممالك الخليج الفارسي تدعم فصائل متضادة في أماكن تشهد النزاعات مثل غزة وليبيا وخاصة مصر". وكتب أستاذ العلوم السياسية أسعد أبو خليل هذا الأسبوع حول الصراعات في سوريا وما بعدها قائلاً: "النظامان الوهابيان (السعودية وقطر) يتقاتلان حول العديد من القضايا، ولكن كلهم يتمنى أن يتحدث نيابة عن الإسلام السياسي".
ويرى أن المضلل في الأمر ليس الزعم بأن قطر تمول المتطرفين، وإنما الزعم بأنهم يفعلون ذلك أكثر من غيرهم من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (وهي الرواية التي زرعت في الإعلام تقريباً في نفس الوقت الذي أضحت فيه قطر هدفاً أساسياً لكل من إسرائيل والإمارات). وبالفعل، فإن بعض متهمي قطر هنا يفعلون نفس الشيء على الأقل بنفس الدرجة، وفي حالة السعوديين، بدرجة أكبر بكثير. وكما لاحظ كيركباتريك، فإن "قطر ليست المملكة الخليجية الوحيدة التي تترك الباب مفتوحاً أمام جمع الأموال من قبل شيوخ قررت الولايات المتحدة أنهم يرتبطون بفرع القاعدة في سوريا، جبهة النصرة. فالشيخ العجمي ومعظم الآخرين يقيمون في الكويت، ولديهم قنوات مفتوحة على المتبرعين في المملكة العربية السعودية، وحتى أنهم في بعض الأوقات يروجون لأفكارهم من خلال قنوات تلفزيونية مملوكة للسعودية وللكويت".
ويشير إلى إحدى برقيات الحكومة الأمريكية من عام 2009، نشرتها أيضاً ويكيليكس، اعتبرت السعودية، وليس قطر، أعظم خطر بهذا الشأن، حيث جاء فيها: "يشكل المتبرعون في المملكة العربية السعودية أهم وأبرز مصدر لتمويل الجماعات السنية الإرهابية حول العالم".
وينقل عن كاتب تلك البرقية توضيحه بأن "من الصعوبة بمكان إقناع المسؤولين السعوديين إعطاء أولوية استراتيجية للتمويل الإرهابي الذي يرد من داخل السعودية".
ويوضح كذلك أن إبستين، قبل أن يعين مسؤولا في الخزانة – وقبل أن يبدأ في العمل كعميل مدفوع الأجر لصالح الإمارات بمهمة توجيه إصبع الاتهام إلى قطر على أساس أنها مصدر تهديد رئيس – كان مؤسس كامستول ومديرها العام، وقد وجه بنفسه أصابع الاتهام إلى السعوديين على اعتبار أنهم من أهم ممولي القاعدة وممولي الإرهاب المناهض لأمريكا. وتضمنت شهادته أمام السينيت عام 2003 هذا التصريح: "لقد مول الوهابيون السعوديون مجموعة من المؤسسات الإسلامية في الولايات المتحدة وهي التي تسعى جاهدة لتقويض سياسة أمريكا لمكافحة الإرهاب محلياً وخارجياً". وأضاف: "في الولايات المتحدة، يقوم الوهابيون السعوديون بشكل منتظم بدعم المنظمات والأفراد الذين يتمسكون بالأيديولوجيا المتطرفة التي تعتقدها جماعة الإخوان المسلمين وفروعها الإجرامية مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني والقاعدة، وثلاثتها مصنفة على أنها منظمات إرهابية".
ويؤكد أنه مع مزاعم برقية عام 2009 بأن "المستوى الإجمالي لتعاون قطر مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب يعتبر الأسوأ في المنطقة"، إلا أنها قالت بأن ذلك مرجعه "الخشية من أن تبدو متحالفة تماماً مع الولايات المتحدة، ما قد يحفز البعض على الانتقام منها". ولكن البرقية سمت أيضاً حلفاء آخرين للولايات المتحدة في المنطقة بوصفهم قنوات أساسية لتمويل الإرهاب، مصرحة على سبيل المثال بأن "القاعدة وبعض الجماعات الأخرى تستمر في استغلال الكويت كمصدر للتمويل وكنقطة ترانزيت أساسية". كما أن البرقية أدانت أيضاً وبشكل كثيف الإماراتيين أنفسهم، حيث جاء فيها ما نصه: "المتبرعون في الإمارات يقدمون الدعم المالي لتشكيلة من الجماعات الإرهابية بما في ذلك القاعدة والطالبان وغيرها من الجماعات الإرهابية بما في ذلك حماس".
ويخلص غرينوولد إلى أن أحد أهم النقاط التي يجليها كل هذا البيع المتجول والرديء للنفوذ هي التحيز الذي يقود قدراً كبيراً من سياسة الولايات المتحدة في تلك المنطقة.
ويختم بأن كل الشخصيات الرئيسية العاملة في كامستول هي من المحافظين الجدد المتطرفين جداً، وتجدهم يعملون يداً بيد مع صحفيين من المحافظين الجدد أيضاً للنيل ممن يعتبرونه عدواً جديداً لإسرئيل، وتشويه صورته أمام الملأ خدمة لأجندة حكام الخليج المستبدين. ونحن بصدد تحالف عجيب ما بين المحافظين الجدد وإسرائيل ومستبدي الخليج، هو الذي يقود ليس فقط السياسة الأمريكية بل أيضاً وبشكل متزايد الخطاب السياسي الأمريكي.