ملفات وتقارير

"حديث افتراق الأمة" بين جدل الثبوت وآفات الفهم

العوني: حديث الافتراق جاء ليحذر المسلمين من الافتراق ـ ويكيبديا
العوني: حديث الافتراق جاء ليحذر المسلمين من الافتراق ـ ويكيبديا
رأى الدكتور محمد سعيد حوى، الأكاديمي السوري وأستاذ الحديث النبوي وعلومه في جامعة مؤتة الأردنية، أن حديث افتراق الأمة المشهور ليس صحيحا، وأنه بحسب تتبعه للحديث في مصادر السنة النبوية لم يقف له على طريق واحد يسلم من النقد والعلل القادحة، ما يمنع تصحيحه والأخذ به. 

وقال حوّى لـ"عربي 21"وقفت على روايات عدة للحديث من ثمان طرق عن الصحابة الكرام، وبعد الفحص الدقيق لكل طريق أو رواية لم يسلم واحد منها من نقد وعلة قادحة تمنع صحة الحديث، كما لم يتوافر فيها شروط التقوية بالشواهد والمتابعات، مما لا يمكننا تفصيله وعرضه هنا".

لافتا إلى وقوع اضطراب في بعض ألفاظ الحديث وزيادات لم ترد في الرويات الأخرى، تزيد الحديث ضعفا، منها لفظة "كلها في النار إلا واحدة"، أو لفظة "ما أنا عليه وأصحابي"، أو لفظة "هم الجماعة"، وقد وردت بأسانيد أشد ضعفا من غيرها، واضطرب ذكر العدد في بعضها، وزادت رواية عن معاوية: "يا معشر العرب إن لم تقوموا بما جاء به محمد فغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به" وهذه من جملة الألفاظ المنكرة. 

وبسبب ضيق المساحة المتاحة لبسط الكلام حول النقد الإسنادي للحديث، اكتفى الدكتور حوى بإبداء جملة من الملاحظات والتعليقات حول المتن، يأتي في مقدمتها أن الحديث يتضمن معنى خطيرا، وقد كثرت طرقه، واشُتهرت لكننا لا نجد فيها طريقا واحدا سليما من رواية العلماء، أو الثقات المعروفين، وهذا برأي حوّى من أظهر الأمور وأقواها لنقد الحديث، وعدم صحته، فكثرة الطرق المعلولة تزيد الحديث إعلالا لا صحة. 

درجة الحديث في النقد الحديثي

جمع الأكاديمي الكويتي الدكتور حاكم المطيري الأستاذ بقسم التفسير والحديث في جامعة الكويت، في بحثه الُمحكم الموسوم بـ "حديث الافتراق بين القبول والرد دراسة حديثية إسنادية"، طرق الحديث ونقدها نقدا علميا بحسب القواعد والأصول المقررة في النقد الحديثي، مشيرا إلى إن الحديث مع شهرته لم يخرجه أصحاب الصحيحين، بل تركاه وتنكبا عنه.

وخلص الدكتور المطيري في نهاية بحثه إلى القول: "وعلى كل فكل طرق هذا الحديث مناكير ضعيفة ومنكرة، وأحسنها حالا حديث أبي هريرة وهو حديث حسن، مع تساهل كبير في تحسينه لتفرد محمد بن عمرو به، وهو صدوق له أوهام خاصة في روايته عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ولهذا كان القدماء يتقون حديثه كما قال يحيى بن معين".

في السياق ذاته فصل الدكتور لطفي الزغير، أستاذ الحديث الشريف المساعد بجامعة الملك خالد في السعودية كلام العلماء على حديث الافتراق الذي نصه: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فرقة واحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الجماعة".

وقال الزغير لـ"عربي 21" "إن حديث الافتراق كثر الكلام حوله قديما وحديثا، ولم أجد من ضعّفه من المتقدمين سوى ابن حزم الظاهري في كتابه "الفصل في الملل والنحل" لكنه عاد واستشهد بإحدى روايات هذا الحديث في بداية "المحلى" مرتضيا لها! .

يتابع الزغير شرحه قائلا: وهو من الأحاديث النادرة التي وقع فيها خلاف شديد، فبعضهم أوصله إلى درجة التواتر، كما في "نظم المتناثر" للكتاني وغيره من المعاصرين كالعلامة عبد الكريم الخضر وغيره، وبعضهم ضعفه بالرغم من وروده من طرق كثيرة، وللإنصاف فإن الذين ضعفوا هذا الحديث قلة قليلة، وغالبهم ليسوا من أهل الصنعة، وجمهور المحدثين على قبوله.


والحديث بحسب الزغير مروي عن مجموعة من الصحابة، فإن وجد في بعض الطرق ضعفا، فهو ضعف غير شديد في الغالب، تنجبر به الروايات وترتقي فكيف إن صحت وحسنت روايات مفردة بعينها بتصحيح وتحسين الحفاظ لها، كالترمذي وابن حبان والحاكم والذهبي والعراقي وابن حجر وغيرهم؟ 

يخلص الدكتور الزغير إلى القول: "ولهذا وبحسب قواعد أهل الحديث فإن الحديث بمجموع طرقه لا يخرج عن درجة الحسن، ومن أوصله إلى درجة الصحة فمعه برهان بل براهين ومن جعله مستفيضا فبأصول العلم حكم، ولهذا أقول مطمئنا بصحة الحديث ولا حجة لمن ضعفه ولا سند له حسب أصول الحديث وقواعده". 

فقه الحديث وكيفية الاستفادة منه لو صح

فيما يظهر أن علماء الحديث المتخصصين بعلومه، والمشتغلين بدراسته وتحقيقه، مختلفون في تصحيح الحديث وتضعيفه، وهو ما دفع الدكتور الشريف حاتم العوني، أستاذ الحديث النبوي وعلومه بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، إلى القول: "لن ينتهي الاختلاف حول صحة حديث الافتراق، خاصة زيادته الأخيرة، ولكن الأهم عندي هو فقهه ومعناه، وكيفية الاستفادة منه لو صح".

وانتقد الدكتور العوني في حديثه لـ"عربي 21" ما تلبس به كثير من المسلمين، بفهمهم للحديث  – إن صح – على غير مراده، فحديث الافتراق جاء ليحذر المسلمين من الافتراق، فجعلته الصراعات الطائفية سببا لتفريق الأمة، وجاء الحديث ليخبرنا بأننا سنفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فحرصنا على تحديد هذه الفرق منذ أكثر من ألف سنة، فصرنا بزيادة الافتراق اليوم وبحرصنا على التفريق: ثلاثمائمة وسبعين فرقة، لا ثلاثا وسبعين!.

وجاء الحديث بحسب الشريف العوني ليبين لنا أن ضلال الأمة وضعفها بتمزيقها شيعا وأحزابا هو أخطر عليها من تفرقها في الآراء والأفكار ما دامت لم تُخرج أصحابها من دائرة الإسلام الواسعة، فجعلته الحزبية العقائدية دليلا على وجوب تحزيب الأمة وتقطيع أوصالها.

وشدد الدكتور العوني في نقده لمسالك أولئك الذين جعلوا الحديث حجة على حتمية الانقسام وضرورته شرعا وقدرا، مبينا أن الحديث – إن صح – جاء ليقول لنا: لا تتشبهوا بالأمم قبلكم في الانقسامات الطائفية والاقتتال عليها اقتتال الكفار بعضهم مع بعض، كما في الحديث الآخر : "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، إنه الفقه المنكوس، بل هو انعدام الفقه وانعكاس اللافهم وفق الشريف العوني.

 التحذير من التوظيفات المغرضة للحديث

من جانبه رأى الدكتور لطفي الزغير بأنه قد يكون للحديث تأثير سلبي على العقل المسلم، وعلى الأمة الإسلامية، ومن الممكن أن يكون العكس، وهذا راجع للطريقة التي يُعرض بها الحديث ويُقدم للعامة، منبها على ضرورة التفريق بين نص الحديث، وتوجيه من وجهه، فغالب التوجيهات لا تخلو من غرض، وبعض التوجيهات أسقطته على أحزاب وحركات معينة في محاولة واضحة للي أعناق النصوص وترهيب السامع وتخويفه. 

يتابع الزغير شرحه قائلا: "لكن إن قدمه مقدم على أن الافتراق واقع، وأن على المسلم أن يتحرّى دوما ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، متمثلا اتبعوا ولا تبتدعوا، فهذا قد يؤدي لأثر ايجابي ومعنى مطلوب وهو اقتفاء أثر النبي والأصحاب، والبعد عن ضد ذلك كله من ابتداع واختلاف غير سليم يؤدي إلى الافتراق.

 ووفقا لشرح الزغير، فإن كان الاستشهاد بحديث الافتراق للتيئيس وبيان أن أغلب الأمة في النار ولو حرصت، أو استخدم لتكفير المخالف، فهذا أثر سلبي ومعنى مرغوب عنه، وقد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وعلينا عند عرض هذا الحديث أن نفرَّق بين الأمر الواقع بالافتراق والذي هو أمر لا بد منه، والأمر الشرعي بالاجتماع والاتفاق، فلا شك أن الممدوح هو الاتفاق والاجتماع لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله..). 

بدوره لم يرتض الدكتور محمد حوى مسلك من اجتهد في توجيه الحديث توجيها قويما، لأن الحديث برأيه ووفق دراسته النقدية له لا يصح بحال، منبها على أن "الحديث يجعل الأمة الإسلامية أمة التوحيد أسوأ وأردأ من اليهود والنصارى، وهذا مخالف لحقائق الكتاب والسنة والتاريخ". 

كما أن الواقع التاريخ وفقا للدكتور حوّى لا يتفق مع الحديث، فإذا نظرنا إلى أصول الفرق فلا تصل إلى سبعين، وإذا نظرنا إلى فروعها فهي أكثر من ذلك، ويشدد حوّى في نقده لمتن الحديث المنسوب زعما (على حد عبارته) لرسولنا صلى الله عليه وسلم أنه يلغي حق التنوع والاختلاف والاجتهاد، ويجعل كل الفرق في النار، ويفتح باب التكفير والتضليل وتعميق الفرقة، ونبذ الآخر، وتعميق الإقصاء واحتكار الحقيقة، وكل طرف يدعي أنه صاحب هذه الحقيقة، وكل المخالفين في النار.  

ويلفت حوّى إلى أن الأمة أجمعت على عدم الأخذ بظاهر هذا الحديث، لذا وجدنا الأمة تعاملت مع مختلف الفرق والمذاهب الإسلامية من غير تضليل ولا تكفير، إلا في حق فرق محدودة نقضت الأصول، كالفرق الباطنية، ولم يخرج عن هذا المنهج في عدم التضليل والتكفير إلا فئة من المتطرفين المتشددين الظاهريين. 

وحول موقع هذا الحديث في المنظومات الفكرية للتكفيريين والتبديعيين والإقصائيين، أكدّ الدكتور حوّى أن هذا الحديث يعتبر أصلا يرتكز إليه أصحاب تلك المنظومات في التعامل مع المخالفين لهم، ما ينتج عنه تكريس التمزق والافتراق، وإغلاق باب الحوار والتواصل وإمكان الاجتماع على الأصول القطعية الثابتة، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول كلاما يكون سببا في تمزيق الأمة وتفريقها، ومنع وحدتها على الأصول.

ويخلص الدكتور حوّى إلى القول: "إنه لو صح هذا الحديث سندا بلا علة، لكان لنا أن ننظر في متنه نظرة متأنية لنحسن فهمه وفق الأصول التي تراعي فهم حقائق القرآن ومقاصد الإسلام، التي تأمر بالوحدة والتعاون، ونبذ الفرقة والتنابز بالألقاب، وتسمح بالتنوع والاختلاف والاجتهاد، والتعدد من غير إقصاء ولا تمزيق ولا احتكار للحقيقة في إطار الثوابت الكلية، ولكنه معلول سندا ومتنا كما سبق ذكره.  
التعليقات (2)
أبو عبد الله المالكي
الأحد، 22-05-2022 06:41 ص
الله المستعان ...
عادل علي حامد فلمبان
الخميس، 25-09-2014 03:42 م
======= وذكّر الدكتور حوى برد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله للحديث بالقول: "جعلتمونا أسوأ من اليهود والنصاري"، وربنا يقول: "كنتم خير أمة أخرجت للناس". =========== هذا قاله الله لكل امة (كنتم خير امة اخرجت للناس) فالخيرية هنا ليست للتزكية والتفضيل بل صفة وقتية ومتقلبة وكل جهال امة ستقول للاخرى لستم على شيء . فهذا ترف فكري ينم على عدم معرفة بناموس الله . اما الحديث لاينافي الواقع بل يصدقه ويبين اننا مثل الامم السابقة وعلينا ان ننتبه من مسلكهم وعدم الغرور اننا الافضل فمعذرة لااظن الكاتب ومن نقل عنه تصور الشريعة كرسالة متماثلة متعاقبة للامتحان والاختبار منذ نزول ادم وتعدد الانبياء والرسل لهذا اليوم والى ان تقوم الساعة .