في الآونة الأخيرة زادت نبرة خطاب يروج لـ"انتصار الثورة المضادة وهزيمة ثورة يناير"، حتى أن البعض الذي آمن بهذه الثورة وأكد على استمراريتها يبدو أنه قد نكص على عقبيه متحدثا أن ثورة يناير قد انتهت وربما فشلت، هذا الحديث الذي يحرك مكامن الإحباط ومداخل اليأس التي تمكن للخصم (الثورة المضادة)، أن يكرس من قدراته ويثبت من أركانه، وكذلك فإنه على الطرف الآخر قد يسوغ كل مسالك التشكيك في هذه الثورة واستمراريتها، وتبديد أهدافها بما يهدر مقامها وقيمتها.
وأقول وبأعلى صوت إنه يجب أن نفطن إلى حقيقة
النصر ومعاني
الهزيمة ذلك أننا في ظل فترة انتقال أُديرت من خلال حروب معنوية يقوم بها الكاذبون ويخطط لها أصحاب المصالح من المزورين الذين يحاولون أن يمكنوا لسلطان زائف أو يضفون شرعنة كاذبة، ومن ثم يجب على من يحمل هم هذه الثورة ويؤكد عليها ـ والذي يعتبرها ملحمة مستمرة ذات معارك جزئية ومتنوعة ـ أن يؤكد أن أصحاب الثورة المضادة لا يمكنهم بأي حال أن يعلنوا عن انتصار حقيقي ولكن غايتهم أن يروجوا لنصر زائف، ولا
يمكن لغيرهم أن يتحدثوا عن هزيمة لثورة يناير لأن هذه في حقيقة الأمر ليست إلا الهزيمة الكاذبة.
أستطيع أن أقول وبملء الفيه أن ثورة يناير والثورة المضادة التي ولدت لتعويقها أو حصارها من أركان الدولة العميقة الفاسدة المستبدة قد كشفتا وبشكل واضح عن عمق المعركة ما بين أي ثورة تحتضنها الشعوب، وأي ثورة مضادة تحركها المصالح الآنية والأنانية لتحالفات اجتماعية كامنة وظاهرة ولأركان الدولة العميقة الغميقة، ومصالح الثورة المضادة وتوريث المؤسسات وشبكات الفساد والاستبداد، بين هذا وذاك تدور الآن على أرض مصر معركة فاصلة غاية في الأهمية سترسم مستقبل مصر عامة، والمستقبل السياسي للوطن خاصة.
وحينما نؤكد على ادعاء النصر المزعوم من قبل الثورة المضادة فإننا نتلمس كل مؤشرات تدل وبشكل قاطع أن الثورة المضادة لا يمكنها أن تبلغ النجاح أو تحقق انتصارا وإن انخداعها أو انخداع غيرها بنصر زائف ما هو إلا في حقيقة الأمر نتاج لنظر قصير ومنهج عليل وتفكير كليل، ذلك أن الثورة المضادة بكل أركانها ـ والتي تستند في حقيقتها ليس فقط لمؤسسات ومصالح في الداخل بل ارتبطت بمنظومة مصالح إقليمية ودولية وبادرت إلى عقد الاتفاقات وتلقي الأموال ضمن إطار تحالف غير معلن، أقول رغم كل ذلك فإن الثورة المضادة واهنة لا تستطيع بأي حال أن تحقق نصرا على إرادة شعب، وأؤكد أن هذا الحلف الذي اجتمعت عليه المصالح ستفرقه أيضا المصالح؛ وهو أمر يتضح في العلاقة بين مؤسسات شتى يبدو بينها التضارب رغم ما ماجمعها من قبل مصالح شتى.
وكذلك فإن ممارسات النظام التي تتسم بالغباء الشديد في سياساته وفي قراراته إنما تشكل في حقيقة أمرها إرهاصات ليس فقط لتفكك هذه المنظومة ولكن للإسهام في زيادة مساحات الغضب واتساع خرائط الاحتجاج، أضف إلى ذلك القواعد التي اقترنت بين مربع شديد الخطورة في بناء الاستراتيجية الانقلابية بين دولة "مفيشستان" وحكومة "عاوزستان" ومؤسسات وقرارات "فسادستان" ومجتمع "نفاقستان"؛ هذه الأركان الأربعة لا يمكن بأي حال أن تبني مجتمعا سويا قادرا على تخطي الأزمات والتحديات الهيكلية التي يجابهها الوطن.
وكذلك فإننا يجب أن نشير ومنذ البداية وقبل كل هذا إلى افتقاد المنظومة الانقلابية لأي قاعدة من قواعد الشرعية حتى لو حاولت إضفاء الشرعنة على باطلهم وعلى سوء عملهم وعلى سياسات ضلالهم، إن بيت الانقلاب أوهن من بيت العنكبوت لا يمكنه أن يصمد في مواجهة هؤلاء الذين يحملون هم وطن وعقيدة ثورة واحتضان شعب.
إن نظرة إلى تلك التصريحات التي أطلقها وكيل جهاز المخابرات العامة ومحاولة المنظومة الانقلابية أن تداوي بعض هذه الآثار إنما يؤكد المستوى المتهافت لمؤسسات الدولة العميقة خاصة المؤسسات الأمنية ومدى تفاهة وعدم كفاءة هذه الكوادر، والتي أخرجت خطابا أقل ما يقال فيه أنه يشكل صبيانية ومراهقة الزهو بالنصر والانتصار الزائف.
وإذا ما اجتلت النظر هنا أو هناك فستجد مؤسسات إعلامية تقوم بإنتاج خطاب أقل ما يقال فيه أنه لا يستند إلى منطق سادت فيه "الطريقة العكاشية في الإدارة الإعلامية"، وإذا ما نظرت إلى مؤسسات العدالة فأنت أمام مؤسسة قُوضت فى جوهرها، تقوم بوظيفة الضد لا في إقامة العدل ولكن في إشاعة الظلم، وبدا مرفق العدالة خاويا فارغا في مضمون وظيفته ليقوم بكل عمل ضد مفهوم ومضمون وظيفة العدالة، ويتحدث بعض من يمثل مؤسسة العدالة بعنصرية خطيرة وشعوبية عقيمة، حينما تتحدث عن توريث المؤسسات لأبنائهم والحديث عن استبعاد المتفوقين ممن لا يستحقون الدخول إلى مؤسسة القضاء وتغلق دونهم لأنهم لا يصلحون فقط لأن أهليهم من الفقراء أو من ذوي المهن التي يرونها-عنصرية- حقيرة، وهنا لابد أن نؤكد أن الحقارة ليست في طبيعة المهنة بل في خساسة الخلق وممارسة الظلم والبحث عن المصالح الأنانية من كل طريق وتفريغ مهنة العدل والإنصاف من كل ما يميزها من صفات راقية أو سمات عالية.
ربما نحن في حاجة إلى الحديث باستفاضة عن الهزيمة الكاذبة لثورة يناير في مقال قادم، ولكننا نؤكد في خاتمة هذا المقال أن وهن بيت الثورة المضادة الذي قلنا إنه ليس إلا بيت العنكبوت "وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت" فإن ادعاءات الهزيمة الكاذبة لثورة يناير يبررها هؤلاء فى خطاب مقصود مثلما يطلقه الفلول على هذه الثورة "ثورة خساير" أو ما حملته الثورة المضادة من "نصر زائف" أو ما قرره هؤلاء ممن يحسبون على الثورة وما هم إلا "خبث الثورة" يتحدثون ويضفون شرعية على حكم العسكر وانقلابهم على ثورة يناير، رغم كل ذلك لم تمن هذه الثورة الجليلة بخسائر فادحة دليلنا على ذلك أن منظومة الانقلاب لم تحقق أدنى استقرار لمنظومتها غير الشرعية، ولم تنجح في شرعنة باطلها، وأن هؤلاء الذين يمثلون عنوان استمرارية هذه الثورة ورمز تراكمها في "ملحمة ثورية مستمرة" يؤكدون كل يوم أنهم على طريق الصمود سائرون، وعلى درب الثورة ماضون.