استعانت صحيفة تايمز اللندنية، بألف وثلاثمائة أكاديمي من 88 دولة لوضع قائمة بأفضل مائة
جامعة في مجال تدريس العلوم، وجاءت جامعة كيمبريدج البريطانية على رأس القائمة، ولكن الجامعات الأمريكية احتلت 25% (رُبع) القائمة، التي ضمت جامعتين اسرائيليتين، وتقاسمت مواقع مختلفة في القائمة جامعات فرنسية وكندية المانية واسترالية وروسية وكورية.
وحتى بلد صغير مثل نيوزيلندا، ليس فيه أكثر من أربع أو خمس جامعات وجد مكانا في القائمة، وبالطبع فقد كانت القائمة طويلة في بداية الأمر وقبل إجراء التصفيات، وبالتأكيد وحتما وكما هو متوقع لم تكن هناك جامعة عربية واحدة بين أفضل ألف جامعة في العالم في مجال العلوم.
بل لا أعتقد ان هناك جامعة عربية تقترب من مكانة "سواس"، وهي كلية الدارسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن في مجال الدارسات "العربية"، والسبب في ذلك هو ان الجامعات عندنا ليس أكثر من مدارس ثانوية "عليا"، يبدأ النشاط فيها ويتنهي بجرس رنينه غير مسموع، وتنتهي علاقة الطالب بالجامعة بانتهاء المحاضرة "الأخيرة"، ويا ويل من يضبط متسكعا في أروقة الجامعة بعد نهاية "الدوام"، فمن يفعل ذلك لابد وأنه يتآمر لزعزعة الأمن الجامعي وبالتالي "الوطني"، ومن هذه العقلية نشأت فكرة الحرس / الأمن الجامعي، ومهمته ضبط حركة الدخول والخروج إلى ومن الجامعة وطرد الذين يبقون في المكتبات بعد السابعة مساء.
حتى زيارة المرضى في المستشفيات فيها تساهل مقارنة بالجامعات، وقد ساقتني الأقدار يوما ما إلى مدينة بوسطن في الولايات المتحدة وتجولت داخل جامعة هارفارد ومعهد ماساشوستس للعلوم، دون أن يعترض طريقي أحد رغم أن جينات الإرهاب كانت تطفح من شكلي واسمي ولون بشرتي.
وما اسمعه عن كليات البنات في الجامعات العربية يعطيني الانطباع بأنها تدار على أنها إصلاحيات ودور رعاية للجانحات: قيام.. جلوس.. ممنوع الدخول .. تريدين الذهاب الى العيادة؟ ممنوع الخروج!
وصلت في الصباح الباكر قبل بدء المحاضرات بثلاث أرباع الساعة؟ لماذا؟ يا ويلك لو دخلت قاعة محاضرات او "هوبت" ناحية المكتبة!!
الجامعة عندنا هي ان يجلس الطالب او الطالبة في أدب لالتقاط الدرر التي ينثرها الاستاذ، دون ان يكون مطالبا بتدوين فحوى تلك الدرر او حتى حسن الاصغاء! لا داعي للتعب ووجع الرأس فكلام الاستاذ سيصدر في مذكرات توزع عبر عشرات المكتبات، التي تتولى أيضا (مشكورة) إعداد "
البحوث" نيابة عن الطلاب نظير مبلغ معلوم!
قبل أربعين سنة فقط كانت كلية الطب بجامعة الخرطوم التي مر قرن على تأسيسها مصنفة من قبل هيئة الصحة العالمية ضمن أفضل خمسين كلية طب في العالم، وكان من حسن حظي ان تلقيت تعليمي في تلك الجامعة التي لم تكن الحركة تهدأ في أروقتها إلا في نحو الثالثة فجرا، فلكل كلية مكتبة تبقى مفتوحة حتى اول المساء بينما تبقى المكتبة الرئيسية مفتوحة حتى الحادية عشر مساء، وخلال وبعد كل ذلك تكون هناك محاضرات وندوات (مسائية) معظمها لا علاقة مباشرة له بالشان الأكاديمي، وهناك نحو ثلاثين جمعية تمارس أنشطتها في أماكن مخصصة لمثل تلك الأغراض.
وحتى في الأجازات الصيفة الطويلة كانت كافة مرافق الجامعة باستثناء قاعات المحاضرات تبقى مفتوحة صباح مساء، وإذا لم تكن مرتبطا بنشاط في حرم الجامعة فهناك دار اتحاد الطلاب حيث يلتقي المئات كل ليلة إما للسمر او ممارسة الرياضة الخفيفة او متابعة ندوة مغلقة او محاضرة مفتوحة.. أم اليوم فقد أصبحت تلك الجامعة مثل نظيراتها في البؤس في العالم العربي: الدرس انتهى لموا الكراريس وكل حي يروح لحاله، وتطفأ الأنوار وتغلق الأبواب التي يحرسها رجال أشداء من المارينز من النوع الذي تراه في "أخبار داعش وقندهار" ونساء عابسات، وكل شيء ممنوع بعد نهاية اليوم الدراسي إلا بتصريح يحمل تواقيع عشرة مسؤولين من بينهم وزيرا الطاقة والزراعة ومدير الجمارك.
وباسم ثورة
التعليم العالي ارتفع عدد الجامعات والكليات الجامعية في السودان من خمس إلى نحو 130 في غضون السنوات العشرين الأخيرة، واتضح أخيراً ان تلك الثورة "مؤنث ثور"، ولأن الحكام العرب مولعون بالمقصات والأشرطة الحريرية، فقد صارت معظم المدن العربية الكبيرة تضم جامعة أو أكثر، وجميعها تقريبا لا تجيد من العلم سوى الطرح (من المعرفة)، والضرب (في الدماغ بحيث يصلح فقط للاستقبال ويعجز عن الارسال)