على مدار أسبوع كامل خاضت عشرة فرق رياضية من مدينة
الفلوجة "غرب
العراق" منافسات أغرب بطولة كروية، جرت وسط أنقاض وخراب البنايات، وعلى أنغام القصف الجوي والمدفعي الذي يمارسة الجيش منذ تسعة أشهر على المدينة، التي كانت ميداناً لمعارك خاضها الجيش البريطاني، في أربعينات القرن الماضي، وأخرى للجيش الأمريكي قبل أن ينسحب منها سنة 2004.
صاحب الفكرة هو علي الحلبوسي (معلم لمادة الألعاب الرياضية)، وكان معتاداً قبل الهجوم على الفلوجة أن ينظم بطولات في مختلف الألعاب، ويعمل على تجميع أكبر قدر من الشباب وتوجيههم للاهتمام بالأنشطة والحياة الرياضية، ونظم سفرات لفرق المدينة من أجل المنافسات مع المدن والمحافظات العراقية الأخرى .
ويبين الحلبوسي في تصريح خاص لـ "عربي 21" أن حالة من الشلل التام أصابت المدينة بعد قيام الحكومة بشن حملة عسكرية عليها، وأن العدد الأكبر من الأهالي غادروا بعيداً عن مرمى القذائف والصواريخ المنهمرة بشكل متواصل على الاحياء السكنية، مستدركاً بأن الحال المأساوي لم يمنعهم من إقامة بطولة كروية وبمشاركة كبيرة وحضور جماهيري جيد.
ويتابع الحلبوسي: اتصلت بقادة أكثر من عشرة فرق شعبية لكرة القدم في مدينة الفلوجة وعرضت عليهم فكرة إقامة بطولة كروية في إحدى المدارس المجاورة لسوق المدينة وهي واحدة من أكثر البقع الجغرافية التي تلقت الإصابات المباشرة من ضربات الطائرات والمدافع، مبيناً أن الجميع ردوا عليه بأنها فكرة مجنونة وسيردون علية في أقرب وقت.
ويشير الراعي الرسمي للبطولة إلى أنه كان مصمماً على إقامة فعاليته الرياضية حتى وإن اقتصرت المشاركة عليه وابنه ذو التسع سنوات فقط، ولكنه تلقى اتصالات من الجميع يؤكدون مشاركتهم وبفرق مكتملة العدد؛ ولكن الحرب الدائرة على المدينة تركت آثارها على ملابس وتجهيزات الكثير من اللاعبين، حتى أن بعضهم شارك بملابسة الاعتيادية وبأحذية ليست رياضية.
وعكست الأسماء التي حملتها البطولة والفرق طبيعة الحياة التي تعيشها الفلوجة فالمسابقة حملت اسم (الشهداء)، والفرق توزعت بين الصمود والكرامة واليقين والمصطفى فيما حملت أخرى أسماء لشهداء سقطوا جراء القصف، أو مساجد هدمت في العملية العسكرية التي بدأها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في نهاية العام الماضي.
وعلى عكس الأعصاب المشدودة والتوترات التي تسود تصرفات المدربين في مباريات
كرة القدم فإن كلمات التشجيع والإعجاب هي الوحيدة التي تصدر من مدرب فريق (الكرامة) بلال الكبيسي، الذي يؤكد بأن الهدف من البطولة هو تحدي الشباب لثقافة الموت والتشريد التي يتبناها العسكر، وأن رسالتهم هي أن شباب الفلوجة هم صنّاع حياة ومستقبل، وليس كما تروج له وسائل الاعلام الطائفية.
ولا يكترث الكبيسي بخسارة فريقة بثلاثة أهداف دون مقابل مع نادي الصمود، ويثني على لاعبي الفريقين، ويؤكد بأنهم يقومون بشيء أشبه بالمعجزة حين يلعبون مباراة رياضية وسط خراب ودمار ومناظر لم نشاهدها إلا في افلام الحروب العالمية، ويستشهد على كلامة بالتقاط بقايا معدنية لقذيفة مدفع سقطت بالقرب من جدار مدرسة (الوثبة)، التي تقام بها فعاليات بطولتهم الكروية.
ولم تمنع الإصابة الشاب أيسر هلال العسافي من المشاركة مع فريقة في فعاليات البطولة، ويؤكد زملاؤه بأن الضمّادات الطبية كانت تغطي نصف رأسه حين شارك في المباراة الأولى، وأن منظره كان مضحكا جداً، حين عجز عن تسديد الكرة برأسه، بسبب الإصابة بشظية.
وتخلو مدينة الفلوجة من الملاعب الرياضية؛ بعد استخدام أغلبها في دفن جثث القتلى، الذين لم يتسن لأهالي المدينة نقلهم إلى المقابر الرسمية، بسبب شدة القصف والاستهداف المستمر لمواكب المشيعين في المدينة، التي تضم عدة مقابر مؤقتة بالإضافة إلى مقبرتي الفلوجة والإسلامية، وأخرى باسم مقبرة الشهداء أقيمت في مكان ملعب المدينة عقب الهجوم الامريكي سنة 2004.
ويؤكد الراعي الرسمي أن معظم أعمال وتكاليف إقامة بطولته اعتمدت على الجهود الذاتية، حين تعاون مجموعة من تلاميذه على تنظيف ساحة المدرسة واشتروا أصباغا لتخطيط الملعب، وعلقوا على جدران الساحة الرياضية صوراً لشباب من أحياء مختلفة في الفلوجة قتلوا خلال الحملة العسكرية الأخيرة.
ومن أجل إدخال الفرحة على نفوس الرياضيين المشاركين، فإن الأستاذ الحلبوسي تبرع بواحدة من جوائزه السابقة وهو كأس نحاسي فاز به قبل10 سنوات، وحرص على تلميعه ووضعه على طاولة، مع مجموعة ميداليات، وزعت جميعها على الفريق الفائز بلقب البطولة الأغرب من نوعها، في حين تضمنت كلمته الختامية أن الأيام المقبلة ستشهد فعاليات رياضية أخرى في المدينة التي أحرزت المرتبة الاولى في نسبة الضحايا المدنيين بالعراق.