كتاب عربي 21

هيكل ليس رجل كل العصور!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
للوهلة الأولى سيظن القارئ أن هناك خطأ في العنوان، وأن العنوان الصحيح، هو "هيكل رجل كل العصور"!.

العنوان مستوحى مما قاله الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لخالدة الذكر لميس الحديدي، التي هي حريصة على أن تبقيه على قيد الحياة؛ فقبل أن ننساه، تكون المفاجأة باستضافته في أكثر من حلقة من برنامجها على قناة " سي بي سي"، التي لا نعرف ملاكها على سبيل الحصر. وقبل الانقلاب العسكري في مصر نشر أن دولة الإمارات اشترت القناة، ولم يتم نفي الخبر أو تأكيده.

وهيكل وبوصفه "عراب الانقلاب"، كلما وجد سلطة الانقلاب مأزومة طل علينا عبر شاشة "سي بي سي"، ومع لميس الحديدي بالذات.. وعندما كان ضيفاً على الجزيرة كان يختار من يحاوره، وظل يختار ويجرب إلى أن استقر على محمد كريشان. وعندما تقارن بين كريشان ولميس ستقف بسهولة على سوء الخاتمة، فالأول إعلامي مهني، والثانية "معددة في الجنازات".

ولم يعد مفاجأة القول الآن أن هيكل هو من كتب البيان الأول للانقلاب، وليس مفاجأة أن يقال أنه في منزله تم تأسيس حلف الانقلابيين، إذ زاره الدكتور محمد البرادعي وطالبه بما له من علاقة وتأثير على السيسي أن يقبل بفكرة انقلاب الجيش على الرئيس المنتخب، ثم جرى إقناع الغرب بذلك. هيكل وسعد الدين إبراهيم وربما غيرهم لإقناع البيت الأبيض، والبرادعي لإقناع الاتحاد الأوربي وقد ظل باعترافه ست شهور يقنع الاتحاد بقبول ذلك وتقبله.

وسألت لميس هيكل عن حقيقة ما يثار من أنه المستشار الأول للرئيس السيسي، فنفى على قاعدة أنه ليس رجل كل العصور، فأضحك بما قال الثكالى!.

ومشكلة هيكل أنه لا يتصور نفسه إلا رجل كل العصور، لكن بعض العصور لا تقبل أن يكون "رجلها"، وقد حاول أن يكون رجل السادات الأوحد، لكن الرئيس الأسبق هو من لم يوافق على ذلك.

وعندما وقع خلاف القصر، بين السادات وبين من سموا بمراكز القوى وكانوا سدنة دولة جمال عبد الناصر، والذين انتصر عليهم السادات وسجنهم، ظن البعض أن الكاتب الكبير سيكون هو الأقرب إليهم، لكن بعد تفكير عميق، وبعد أن وقف على المنتصر في المعركة، كتب ست مقالات، من النوع "طويل التيلة"، يهاجم فيها هؤلاء، وكيف أنهم كانوا يحكمون في "مرحلة عبد الناصر" بالسحر والشعوذة، وتحضير الجان. وكتب مقالين عن جلسات تحضير العفاريت لإدارة شئون الدولة، على نحو يمثل تجريساً لـ "دولة عبد الناصر" وتشهيراً بها!.

وتردد هيكل في خوض المعركة هو ما جعل السادات يتخذ موقفاً سلبياً منه، وعندما سأله عن سبب تردده، أجاب هيكل بشكل فكاهي كاشف: "انتظرت حتى أرى من ينتصر"، وأسرها السادات في نفسه.

وعندما خرج هيكل من "عصر السادات" كان في غضب جعله يدخل مع الرئيس معركة الانتقام، فما كان من الرئيس الراحل، إلا أن قدمه للمحاكمة أمام المدعي العام الاشتراكي، وكتب هيكل مجموعة مقالات في صحف خارجية عن التحقيقات، أخفي منها ما يريد أن يخفيه. ولأن السادات مات بعد ذلك، فقد ماتت هذه الاتهامات "فطيساً" ولم يعلم بها الناس!.

ومن بين هذه الاتهامات، اتهام هيكل بالعمل في جلب الإعلانات، على النحو الذي يفقده هويته الصحفية قانوناً، ويدخل ما تقاضاه من عمولة الجلب والتحصيل ضمن الكسب غير المشروع، إذ يحظر قانون نقابة الصحفيين على الصحفي أن يعمل في جلب وتحصيل الإعلانات.

ولقد سجنه السادات في قرارات التحفظ في 3 أيلول/ سبتمبر 1981، وعندما اغتيل في 6 تشرين الأول/ أكتوبر من نفس العام، خرج هيكل من السجن ليكتب كتاباً انتقم فيه من السادات حمل اسم "خريف الغضب"، لأن السادات لم يقبل أن ينصبه "رجل عصره"، ولأن الغضب يعمي ويصم، فقد جاء في الكتاب وفي سياق الهجاء ما يمثل سقطة لكاتبه، عندما وصف الرئيس بأنه كان معقداً من لونه الأسود، ولم ينس أن يشير على قاعدة السب بأن أمه سودانية، أو من أصول سودانية، وإليها يرجع لون بشرته. وقد عرضه هذا لهجوم الأشقاء في السودان عليه.

وحاول هيكل أن يتقرب من مبارك، ليكون رجل عصره، لكن طريقته الاستعراضية في الحديث، جعلت رجلاً كحسني مبارك يظن أنه "يتفلسف" عليه ليكشف جهله فنفر منه، ولم يمكنه من "تحقيق طموحه". وظل هيكل يمارس المعارضة الشكلية أحياناً لمبارك في بعض أحاديثه، ثم سرعان ما يؤكد على احترامه له، على الطريقة الانتهازية: "اضرب ولاقي".. واستنفذ كل طاقته تقرباً وبعداً، ولم ينل المراد!.

وفي "عصر" ما بعد ثورة يناير، أشاد بالمجلس العسكري الحاكم، في وقت كان الثوار يتهمون القادة العسكريين بالتآمر على مطالب الثورة وأهدافها، وعندما بدا أن العسكر ينظرون في المرآة فلا يرون إلا أنفسهم، كان حواره مع ياسر رزق، وكانت عبارة منه تنال من المجلس قد تحولت إلى مانشيت لجريدة الأخبار، فكان الرد حاسماً وعلى طريقة العسكريين، إذ صدر قرار قضائي بوضع نجله رجل الأعمال علي قوائم ترقب الوصول ومنعه من السفر، ولم يحل دون التحقيق معه وسجنه إلا أنه كان "هارباً في دبي"!.

ولم ينس هيكل أن يجرب حظه مع الرئيس محمد مرسي، الذي استدعاه فهرول إلى القصر الجمهوري، لعله يجد على النار هدى، ليحقق "طموحه". وبالمقاييس الموضوعية فإنه كان عليه أن يعتذر عن هذه المقابلة، لاسيما وأنه ليس من أنصار الرجل، ولاسيما وأن الدعوة كانت بعد حصار "الاتحادية" الأول، والمعارضة تدق طبول الحرب ضد الرئيس!.

وقال هيكل ما معناه، أنه ليس سياسياً وبالتالي فليس مطلوباً منه أن يقاطع الرئاسة، وأن حساباته مختلفة عن الآخرين. وكانت أول حلقة في أول مقابلة له مع لميس الحديدي، وأشاد بالرئيس محمد مرسي في هذه الأجواء الغاضبة، وبقدرته على الاستماع والإنصات وهو يتحدث إليه ثلاث ساعات.

وقدم هيكل السبت، كما يقولون، ولم يجد الأحد، ويبدو أنه كان ينتظر تواصلاً، أو إشعاراً من الرئاسة بالمتابعة والإعجاب، و" أبو سفيان يحب الفخر" ولم يحدث شيئاً من هذا، لأن الطاقم الرئاسي لم يكن حديث عهد فقط بهذا العمل، ولكنه كان حديث عهد بالعمل السياسي، ولو كانت لهم سابقة أعمال في السياسة لسد هذا النقص في الخبرة في العمل بالقصور وبجانب مسئول بحجم رئيس الدولة.
وقد كانت الحلقة الثانية بعد أسبوع هجوماً، ثم كان مخطط الانقلاب، الذي كان هيكل "عرابه" ومفكره، وجامع أطيافه!.

وبيد أن السيسي محدود الثقافة والوعي، كأستاذه مبارك، لا يمكنه أن يقبل في المرحلة الجديدة "الاستعراضي" محمد حسنين هيكل مستشاراً يتحول إلى وصي على العرش، وإن كان لا مانع من أن يكون جليسه عندما يريد، فليس منطقاً أن يعادي حاكم كاتباً بحجمه وهو لديه استعداد فطري ليمنح من يرضي عنه شهادات بالتلفيق، ترتقي بالجدية التي تمنح بها لتكون شهادة حقيقية على قاعدة "الخداع البصري"، على النحو الذي قاله له وتحدث فيه مع لميس، بادعائه أن السيسي تتوافر فيه "الكاريزما"!.

وفي مقابلته الأخيرة مع لميس الحديدي وجد السيسي أن النظام الانقلابي مأزوم شعبي فاحتشد من أجل تسويقه على أنه "الأمل والمنى"، ولأنه ليس مستشاراً للسيسي لأنه ليس رجل كل العصور، فيبدو تسويقه له ودفاعه عنه موضوعياً.

لكن، هل صحيح أن هيكل ليس رجل كل العصور؟!

في الواقع أن الرجل يحاول أن يكون لكنه مع محاولاته كثير الفشل. وقديماً قيل: على المرء أن يسعى
وليس عليه إدراك النجاح.

يكفي هيكل شرف المحاولة، في أن يكون "رجل كل العصور"!  
التعليقات (3)
ابراهيمي
الخميس، 18-09-2014 06:51 ص
شكرا الأستاذ عزوز ... و نعم التفكيك للفكيك الأكبر دجال العسكر و راسبوتين الشمطاء
سعد
الإثنين، 15-09-2014 10:41 ص
ههههههههههههههههه والله قال رجل كل العصور قال هذا هو القران يصلح لكل زمان ومكان
فيحان اامطيري
الأحد، 14-09-2014 11:26 م
بلا شك ان هيكل شخصية مميزة ويستطيع التعايش مع واقعة فهو بطبيعته المنافقة يعرف متي يسحب الحبل ومتى يرخيه