البحث في مدينة
حلب عن "وجبة طعام مجانية" هو عمل شاق يمتهنه "أبو سميع" بائع الآيس كريم سابقاً، والذي فقد الأمل بإيجاد عمل جديد، منذ أن فقد بيته الواقع على خط النار الأول في منطقة صلاح الدين، فانتقل إلى الريف الذي قد يكون أكثر أماناً بالمقارنة مع المدينة.
أحدهم أعطى أبو سميع غرفة ليسكن فيها مع عائلته المكونة من زوجته وبناته الثلاث، لكن عائلته زادت ثلاثة أشخاص منذ شهرين بعد أن فقد أبو سميع ابنه ببرميل متفجر سقط في حي السكري، فانتقلت أرملة ابنه وحفيديه للسكن معه.
يمشي أبو سميع ثلاثة ساعات من قرية "ياقد العدس" حيث يقطن إلى إحدى القرى المجاورة باحثاً عمن يقله مجاناً إلى مدينة حلب، ويقول "أحياناً يأتي فاعل خير ليقلّني ولا أمشي سوى أمتار قليلة، و في معظم الأحيان أمشي ثلاث أو أربع ساعات حتى يساعدني أحدهم، أو أتنقل من سيارة إلى أخرى حتى أصل المدينة".
اعتاد سائقو السيارات العسكرية والمدنية على وقوف هذا الرجل الستيني بجلابيته الفضية وسمرته القاسية وشاربه الغليظ على جانب الطريق، فهو يقوم بهذه الرحلة يومياً دون كلل أو ملل، مسافراً إلى المدينة التي حفظ مطابخها الخيرية واحداً واحدا ليأخذ وجبة من الطعام لأن سلة الإغاثة التي يحصل عليها في قرية نزوحه لا تكفيه أسبوعاً واحداً.
ويبين أبو سميع: "عندما آتي بالسلة الإغاثية إلى البيت أشعر بالنصر بل تعود الحياة إلى المنزل فتقوم أم سميع مبتسمة على غير العادة و تحضر ما جمعه الأولاد لإشعال النار فنحن لا نمتلك ثمن الغاز، و تبدأ زوجة ابني بتحضير الأرز و البرغل، لكن في معظم الأحيان لا يأتي السمن مع السلة فنطبخ بالزيت الأبيض، وتصنع لنا أم سميع مرقاً بارداً مكوناً من الماء والنعناع والحامض إلى جانب البرغل".
مرّ العيد على هذه العائلة دون أن يستطيع الجدّ تأمين ليرة واحدة، ويتحدث باكيا كيف طلب حفيده منه مبلغ عشرة ليرات ليشتري بها "بسكوتة" صغيرة بمناسبة العيد و لم يكن يملك نقوداً البتة.
"ذهبت إلى البقال و قلت له بأن يعطيني بعض الحلويات وعندما أجد عملاً سأوفيه فأعطاني الكثير وسامحني فهو يعرف وضعي" يتابع أبو سميع بعد أن مسح دموعه ثم شتم "الفقر" وقال: "مو عيب أنا أشحد طبختي وخرجية أحفادي؟".
ولا تصل الكثير من
المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة
المعارضة، فقد انقطعت مساعدات الهلال الأحمر منذ أكثر من عام بسبب عدم قدرتها دخول إلى هذه المناطق، كما يتهم المعارضون القوات الحكومية بالسيطرة على جميع هذه المساعدات وعدم توزيعها بالكامل في المناطق الخاضعة لها، ففي حي الفردوس الحلبي الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة والذي يقطنه أكثر من 100 ألف نسمة تصل حصص غذائية لألف عائلة فقط وهي لا تغطي 10% من احتياجات الحي.
ليست عائلة أبو سميع هي العائلة الوحيدة التي تعاني الفقر، فهناك الآلاف من العائلات النازحة في أطراف المدينة وفي أحياءها المنكوبة، بل ربما تكون هذه العائلة أكثر حظاً من عائلات فقدت رجالها بالكامل تحت القصف العشوائي والمتواصل يومياً.