قضايا وآراء

ولاية المجتمع على وسائل الإعلام

محمد مراح
1300x600
1300x600
(الولاية) مصطلح إسلامي أصيل في فقهنا المالي والاجتماعي والسياسي؛ المعنى المشترك فيه بينها هو ( نفاذ إرادة الولي على المولى عليه)؛ فالولاية هي لمن يلى شأنا خاصا أو عاما من شؤون الأسرة كالولاية على النفس وولاية القضاء وولاية الجند وولاية المال و غيرها مما تتداوله كتب الفقه والسياسة الشرعية. 

قد يبدو توظيف هذا المصطلح غريبا إلى حد ما عن البيئة الإعلامية ومصطلحاتها الأكاديمية والمهنية؛ إذ ألفت مصطلح (الرأي العام) الذي تقترب دلالته من مصطلحنا المذكور. لكن من بدهيات الإعلام أنه هو الذي يوجه الرأي العام، ويبتغى التأثير عليه، من حيث ميوله، واتجاهاته، واختياراته، وأحكامه، وأذواقه، وقناعاته، حتى إن بدا ظاهره أنه يحترم مسافة الحرية المقدسة بينه وبين جمهوره المستهدف، إلا أن الدراسات الأكاديمية، والتحليلية لأداء الإعلام عبر ما ينيف عن قرن من الزمان، أسفرت عن أن الإعلام لا يمكن إلا أن يكون في مركز التوجيه للرأي العام، وإن تمحل الأساليب، وابتكر الوسائل والآليات والتقنيات التي ما فتئت تتطور على نحو عجيب، أتاحت له التطورات الخرافية في تكنولوجيا الوسائط الإعلامية، حيزا أرحب كي يوطد لأمبراطورية التوجيه والتأثير سلطانهما القاهر على الجمهور.

وقد يكون من الجهد المضيع للطاقات والأوقات منازعته هذه السلطة الرهيبة، ومراودته عن العدول عنها، تحت ذريعة الحرية الإعلامية، وحق الفرد في الإعلام بصورة مثالية، ثبت عدم دقتها وواقعيتها في أعرق المؤسسات والمجتمعات ديمقراطية وحرية إعلامية.

لذا قد يتطلع الفكر الإعلامي المبدع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى مقاربة فكرية تمتاح منها الممارسة الإعلامية التي تتطلع إلى نموذج إعلامي يميزها : أداء، وتواصلا، وفلسفة (رؤية). 

فنجد من المناسب ــ في هذه العجالة ــ ربط موضوعنا بالمسؤولية الأخلاقية الاجتماعية الملقاة على عاتق الإعلام العربي والتلفزيوني الفضائي والمواقع الإعلامية على شبكة الانترانت تجاه المجتمع ؛ لما لها جميعا من التزامات أخلاقية تقتضيها المهنة والمواثيق الإعلامية من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإعلام العربي الذي يعمل في هذه البيئة ملزم حضاريا ومهنيا بأن يتمثل القيم التي يدين بها الجمهور المستهدف والمخاطب بشتى رسائله الإعلامية، ولا نرى نوعا من الإعلام والقنوات الفضائية وغيرها يحق له أن يتنصل أو يشذ عن هذا الإلزام، وأن ما نراه ــ في كثير من الأحوال ــ يبث من برامج وحصص وأعمال إعلامية وفنية تصادم هذا الأمر إنما هو شذوذ وخروج عن الميثاق الذي بمقتضاه تبث قناة تلفزيونية عربية برامجها، حتى وإن لم تنص القوانين والمواثيق والتراخيص بالبث صراحة على ذلك، فنحن نرى أن الثوابت الأخلاقية والقيم الحاكمة في المجتمع العربي لها من القوة اوالسلطان ما يفوق كل القوانين والمواثيق؛ لأنها من المفترض أن تُستمد من تلك القيم والمبادئ والأخلاقيات. 

ومن المسؤوليات الأخلاقية المنوطة بالإعلام إحياء الفضائل الأخلاقية الأصيلة في المجتمع العربي المسلم ـ في أغلبه ـ كالولاء للأسرة وطاعة الوالدين والطابع الإنساني، وأهمية التربية، وقيم الإتقان والاجتهاد(د/ ماجي الحلواني: الإعلام وقضايا المجتمع). 

ويترتب عن هذا التوجه أن يخضع الإعلام لرقابة المجتمع، الذي عليه أن يبتكر وسائلها القانونية، والاجتماعية، والثقافية، في كنف القوانين العليا للدولة، وتشريعاتها، الحاضنة، والمشرفة، على التماسك الاجتماعي، وفسحة الحرية، وصون الذوق العام، وحفظ الضروريات الخمس التي رفعت لواءها شريعتنا الغراء. 

فنمنح أنفسنا بهذا آفاقا للتطور والممارسة الإعلامية، في دائرة حضارية أصيلة، مبدعة، بانية، فعالة. 
والله يقول الحق وهو الهادي لأقوم سبيل.

كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ــ جامعة قطر
التعليقات (0)

خبر عاجل