يقول الطالب
المصري أحمد حسين الذي فقد عددا من أصدقائه في هجوم قوات الأمن على ميدان
رابعة، ونجا من حجيم رابعة " حتى هذا اليوم لا أصدق أنها حدثت، ووصلت نقطة لم أعد استطيع الحديث عنها لأحد ولا حتى عائلتي وعندما يتحدث معي الناس، أحرك رأسي فقط".
عانى أحمد حسين منذ
المذبحة من مشاكل نفسية وكآبة وذهب للطبيب النفسي لعدة أشهر ولكن جلسات العلاج لم تساعد، وفي الشهر الماضي فسخ خطبته لاعتقاده أن خطيبته لا تفهم فظاعة ما حدث في ذلك اليوم وما يمر به من أزمة نفسية.
باتريك كينغزلي مراسل صحيفة "
الغارديان" البريطانية قابل بعض الضحايا الذين نجوا من جحيم ذلك اليوم وكتب تقريرا غريبا وفيه تشويه ولكنه حاول تقديم صورة حيادية.
يتابع كينغرلي "فالصور تلاحقه، ويتذكر كيف خرجت أحشاء يقول رجل أصيب ببطنه"، وكان الطبيب الذي يتعامل مع الرجل "ليست حاجة كبيرة، فقط أرجع احشاءه لمكانها".
ويكتب مرسي عن المتظاهرين الذين كانت غالبيتهم من مؤيدي الإخوان المسلمين التي كانت حتى قبل أسابيع من المجزرة من أقوى الجماعات السياسية في البلاد، "وجاء اعتصام المتظاهرين في ميدان رابعة ردا على التظاهرات التي خرجت ضد مرسي وتطالب برحيله وتدخل الجيش حيث جاء المعتصمون من كل مكان كي يظهروا أن الرئيس مرسي يتمتع بقاعدة دعم واسعة. وتحول ميدان رابعة إلى مدينة جديدة كل شخص كان يعرف أنه يجب إخلاء المكان لأن وجود مدينة كهذه كان إهانة لسلطة الدولة، والسؤال إن كان الإخوان المسلمون سيقبلون بتفكيك مخيم رابعة طوعا مقابل تنازلات سياسية" أم لا؟
وبحلول ليلة 13 آب/ أغسطس كان واضحا فشل المفاوضات، وغادر قادة الإخوان المعسكر وبدأ إطلاق النار في حوالي السابعة صباحا، وبعد ساعة من الهجوم سقط 20 قتيلا، وفي نهاية اليوم كانت حصيلة القتلى 627 وهو الرقم الرسمي الصادر عن حكومة الانقلاب، ولكن منظمة هيومان رايتس قامت بتوثيق مقتل 817 من القتلى، مشيرة إلى أن العدد قد يصل الألف في تقرير صدر قبل أيام. ولم يتم التعرف على هوية العديد من الجثث وانتهى اليوم بحرق الجثث حتى تحولت لكتل متفحمة.
ويقول كينغزلي إن عددا من المصريين رأوا في الهجوم على رابعة ومنهم الروائي المعروف علاء الأسواني الذي نقلت عنه الغارديان قوله بعد أسابيع " اعتقد المعتصمون أنهم يعتصمون من أجل الديمقراطية وحكم القانون أما من هم خارج المخيم فنظروا إليهم كمتطرفين وخطرا على الأمن القومي المصري، وكانوا جماعة من الإرهابيين والفاشيين".
لكن كينغزلي يقول "في الحقيقة كانت غالبية المعتصمين في رابعة غير مسلحة، ولكن جماعة صغيرة منهم قامت بقتل ثمانية رجال أمن عندما كانت تدافع عن المخيم ذلك اليوم".
وتحدث هنا عن العمليات الانتقامية التي جرت ضد الكنائس في محافظات مصر عندما بدأت أخبار رابعة تنتشر في مصر، وهو لا يشير لمن نفذها لكنه قال إن شعارين ذا بعد طائفي حرضت على مهاجمة الكنائس وهو خطاب ألقاه المتشدد السابق عاصم عبد الماجد ألقاه من منصة أقيمت خارج مسجد رابعة.
ويزعم الكاتب إن هذه الحوادث عززت مواقف من أن الإخوان الذين يصورون في الغرب كمعتدلين ما هم إلا حاضنة لجماعات متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش.
وبناء على هذا الزعم من كينغزلي يقول إن من دعموا مذبحة رابعة بنوا رؤيتهم على هذا الفهم. وهو في النهاية موقف الحكومة المصرية المدعومة من العسكر التي أشرفت على العملية وخططت لها.
وهنا ينقل عن أحد معارضي الرئيس مرسي، خالد داوود والمتحدث السابق باسم المعارضة له " شعر الناس أنهم بين خيار التطرف الإسلامي أو إبقائها في يد النظام الشمولي" العسكر. وهذا موقف الليبراليين واليساريين وهو اعتقاد جاد لأنه عن مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تؤمن بالعنف مثل داعش".
ويذهب المراسل بعيدا في تحليله حيث يقول إن سكان حي رابعة العدوية شعروا بالضيق من استمرار المخيم في منطقتهم لأنه عوقهم عن الذهاب لأعمالهم، وينقل عن شخص اسمه وليد قوله إنه غير آسف على ما حدث في المخيم حيث قال إن العنف الحقيقي حصل أثناء الاعتصام لا أثناء فضه. وقال عندما يكون لك والد لا يستطيع الذهاب لجلسة العلاج الكيماوي فهذا انتهاك لحقوق الإنسان، وعندما لا تستطيع الذهاب للمتجر بعد الساعة الخامسة فهذا انتهاك لحقوق الإنسان.
ويمضي الكاتب هنا بالقول إن عددا مخيفا من الليبراليين المصريين دعموا المذبحة لكن ليس كلهم، مشيرا لمحمد البرادعي نائب الرئيس وخالد داوود.
ويزعم كينغزلي أن طريقة إخلاء ميدان رابعة بطريقة وحشية أدى لانهيار التحالف الهش بين العسكر بقيادة عبدالفتاح السيسي في حينه والليبراليين. وينقل عن داوود "كانت بالتأكيد نقطة طلاق ولا تزال لحظة مهمة"، ويضيف "لست آسفا على التخلص من مرسي ولكن هذا سيناريو لم نكن نريده". ويزعم داوود "شعرت لو بلعت ما حدث في رابعة لكنت تنازلت عن كل مبادئي في مجال حقوق الإنسان وأنه يجب تقبل ما سيأتي من قتل وسفك دم".
ويواصل كينغزلي "لا يزال الإخوان المسلمون أكبر جماعة فعل مدني في مصر بمئات الألوف من الأعضاء وشبكة واسعة من المتعاطفين، ولكن شكرا لرابعة وما بعدها فقد أضعف قيادتها وانتهى عملها الخيري. وغالبية قيادتها إما هربت من مصر أو اعتقلت.
وأصبحت القيادة الشابة اكثر استقلالية فيما تلعب المرأة دورا مهما في التظاهرات. وتقول سارة كمال "نحن ضد اعتقال قادتنا وبدون قيادة فلدينا مساحة للتفكير بعيدا عن الروتين القديم".
ورغم أنه تم منع الجماعة وحل حزبها وتجميد أموالها إلا أنها لن تكون النهاية لجماعة استطاعت تحمل قمع أكثر. ويزعم كينغزلي أن عودة الجماعة للحياة العامة وإحيائها رهن قدرتها على إقناع المصريين العاديين أنها جماعة غير متطرفة.
وبالنسبة لضحايا رابعة فهم يشعرون أن بلدهم رفضهم "وبلدي لا يحترم الإنسان"كما يقول أحمد حسين.
ويأتي تقرير كينغزلي الغريب رغم أن الباحث في هيومان رايتس ووتش عمر شاكر والذي قام بالبحث في التقرير الذي وصف المذبحة بأنها الأفظع في التاريخ الحديث.
وينقل عنه قوله "لم تكن هذه حالة قام بها الأمن بملاحقة مسلحين بين المتظاهرين وأدت لقتلى عرضيين"، ولكن الجريمة خطط لها وأطلق النار على عشرات الألاف من المتظاهرين لم يجدوا مخرجا آمنا"، وهي "جريمة ضد الإنسانية" وجزء من هجمات منظمة وواسعة على السكان المدنيين وسياسة حكومية وهو ما فعلته بالضبط في رابعة" حسب شاكر.