"كيف أزوجه ابنتي وأنا أدرك أنه معرض للموت في أية لحظة؟" يجيب الوالد الكهل على سؤال بآخر، لعله كان محقاً بطرح ما سبق، إذ أن تزويج فتاة لمقاتل في الجيش السوري الحر يعني وجود استعداد تام لدى ذويها لرؤيتها أرملة دون العشرين في أي وقت، هاجس يقلق الأهل كما يقلق المقاتل الذي عرف أن المعركة طويلة الأمد، وأنه لا بد له من أن يتزوج وأن يعيش حياته الطبيعية رغم استمرار القتال، والذي أصبح بحد ذاته أحد فقرات الحياة اليومية لعشرات آلاف الشباب السوريين.
الحاج عبد الله أحد النازحين في مخيم حدودي داخل الأراضي السورية، وجد أن تأجيل موضوع زواج ابنته ذات التسعة عشر عاماً هو الأفضل في المرحلة الراهنة، بعد أن تقدم لها العديد من الشبان معظمهم مقاتلين في فصائل
الجيش الحر.
يقول الحاج عبد الله: "إن الأمر محير جداً، ففي مجتمعنا سن
الزواج المناسب هو سن ابنتي، وبعد عدة أعوام قد تدخل مرحلة العنوسة، خاصة أن بيئتنا تعتبر الفتاة عانساً إن بلغت الخامسة والعشرين دون زواج، من جهة أخرى كيف أزوج ابنتي لشاب من الممكن أن يفقد حياته اليوم أو غداً، في إحدى المعارك الشرسة التي يخوضها مع قوات النظام".
يضيف: "إن شاباً كهذا هو موضع احترام وتقدير بالنسبة لي، فهو يمتلك الشجاعة والنخوة والشعور بالكرامة، لكن القرار في نفس الوقت ليس سهلاً، وأي أب سيجد صعوبة في اتخاذ قرار كهذا".
جيل كامل من السوريين على حافة الخطر، فالعزوف عن الزواج الذي بدوره سيؤدي إلى ارتفاع السن المتعلق به، سيؤديان معاً إلى تأخر إنجاب الجيل القادم، والذي إن طال أمد المعركة، قد يتعرض للانقراض قبل أن يولد، ليتم الانتقال إلى الجيل ما بعد القادم إثر ذلك، ومن المعروف أن الشعب السوري شعب فتي، تزيد فيه نسبة الشباب والأطفال عن نسبة كبار السن والكهول، لكن يخشى مع امتداد الزمن أن تتغير هذه النسب لتحدث خللاً في البنية العمرية للسوريين، لاسيما أن مئات آلاف الذي فقدوا حياتهم خلال سنوات الثورة السورية معظمهم من الأطفال والشباب.
رغم ظاهرة عدم رغبة الأهالي في تزويج بناتهم، تنمو ظاهرة أخرى وهي عدم رغبة الشبان بالزواج، ولنفس الأسباب السابقة بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية للغالبية من السوريين، إذ يجد الشاب أن الظرف لا يسمح بالزواج الآن، وأن زواجه لن يكون سعيداً بل لن يكون زواجاً طبيعياً، فأي زواج والزوج يغيب عن بيته لأيام طويلة أحياناً وكيف ينجب أطفالاً يتوقع موتهم بالقصف وهم مازالوا رضعاً؟.
الشاب خالد قائد مجموعة صغيرة مقاتلة تعمل في ريف إدلب يقول: "ليس لدي وقت للزواج وليس الظرف ملائماً أبداً، يجب أن نمضي في معركتنا من أجل الحرية حتى نيلها، ومن ثم سنتزوج وننجب، ثم كيف أتزوج وأنجب أطفالاً وبلداتنا وقرانا تقصف كل يوم بالمدفعية والصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة؟
ثم يضيف خالد: برأيي إنها جريمة أن أنجب طفلاً لأراه شهيداً بعد أيام، قلوبنا تتمزق عندما نشاهد الشهداء الأطفال، فما بالكم أن أشاهد طفلي يوماً كيف مزقه برميل متفجر ألقاه طيار تابع للنظام وهو يبتسم".
بينما يؤجل متزوجون موضوع الإنجاب، يعتبر آخرون أن ظروف الحرب في
سوريا غير مناسبة للزواج، أو تكوين أسرة، أو إنجاب المزيد من الأطفال، حتى أن بعضهم ممن لم ينجب أي طفل قد أجّل الموضوع حتى انتهاء الحرب، ويجد مازن الشاب الحلبي أن تأجيل الإنجاب أفضل، ويقول: "كلنا أمل أن تنتهي الحرب في سورية لننجب بعدها أطفالاً، أما الآن فقد قررنا أنا و زوجتى تأجيل الموضوع، فكل الخبراء والسياسيين يتحدثون أن الحرب مستمرة لعشر سنوات قادمة على الأقل، ترى ما هذه الطفولة التي سيحظى بها ابني إن أنجبته، تأجيل الموضوع يوفر علي وعلى والدته وعليه كل المعاناة التي قد يتعرض ونتعرض لها.