يهرب السوريون من منازل يمتلكونها في مدن وبلدات سورية على امتداد مساحتها ومعاناتها، ويخرجون من ديارهم تحت وطأة القصف الذي تتعرض له تلك المنازل وساكنيها، طمعاً بالعيش تحت سقف آمن في أية بقعة من العالم، تاركين خلفهم بيوتاً كلفتهم نصف أعمارهم من التعب والعمل وتوفير المال حتى استطاعوا بناءها.
أبو محمود رجل بسيط من ريف حلب ترك منزله في بلدته الواقعة في الشمال السوري وجاء للعيش في أنطاكية أملاً بالنجاة من الموت، حيث استأجر الرجل منزلاً في حي فقير في أنطاكيا القديمة يدعى (قويولو) بالقرب من جامع حبيب النجار المعروف لدى سكان المدينة جميعاً.
ورغم فقره وضعف إمكاناته المادية إلا انه تمكن بعد عناء طويل من إيجاد بيت مناسب له ولأسرته الفقرة، واستأجره بمبلغ 250 ليرة تركية أي ما يقارب 120 دولاراً.
وعلى الرغم من المعاملة الحسنة التي يلقاها السوريون من قبل الحكومة التركية وذلك عبر تسهيل تنقلاتهم وأعمالهم ودخولهم إلى تركية، إلا أن الحظ العاثر لحق بالعائلة بعد إقامة لا تتجاوز الشهرين في المنزل المهترئ غير الصالح للسكن أصلاً، فجأة وفي هذا اليوم الرمضاني سقط سقف المنزل الخشبي على الأسرة الفقرة لتكسر يدا أم محمود وتصاب ابنتها بالعديد من الجروح فضلاً عن الرعب الذي تعرضت له السيدة وابنتها.
يحدثنا أبو محمود قائلاً: "الحمد لله على كل حال، فعادة عندما تسقط السقوف في سورية يموت كل من يقيم تحتها، لكن الله رحمنا هنا أن السقف خشبي وليس اسمنتيا ربما هي النقمة وليست الرحمة، فلو كان السقف من الإسمنت لما سقط".
وأضاف: "يخبرنا جميع الأتراك هنا أن إيجار البيت الجيد قبل قدوم السوريين لم يكن يتجاوز ثلاثمائة ليرة تركية، إلا أن المواطن التركي اليوم يطلب مبلغاً يتجاوز سبعمائة ليرة في حين كان منزله مقبولاً، وأما البيوت التي يستأجرها الفقراء أمثالي هذه الأيام بأسعار المائتين والثلاثمائة ليرة فقد كانت بيوتاً مهجورة، وكثير منها كان اسطبلات للحيوانات لا أكثر، لكن أصحاب هذه المنتجعات السياحية (قالها ساخراً) جعلوها مأوى لنا نحن السوريون المطرودون من بلادنا، وبدأوا يطلبوا منا أسعاراً مرتفعة مقابل الإقامة فيها (واللي ما عجبه الله معه) هذا ما نسمعه كثيراً منهم".
أم محمود بيدين مربوطتين بالجبائر قالت: "منذ أيام وأنا أشعر أن السقف المهترئ قد يسقط، لانه يتحرك كلما اشتدت الرياح وسقطت بالأمس قطعة صغيرة منه وكنت أفكر أننا يجب أن نغير هذا المكان لكنني اعتقدت أنه بإمكاننا الاستمرار بالعيش فيه حتى نهاية فصل الصيف، وقبل بدء الشتاء نبحث عن غيره ونستأجره، لكنني فيما يبدو أخطأت في تقديراتي أن هذا البيت سيصمد حتى ذلك الوقت".
وتضيف: "لقد كسرت يداي الاثنتان وتعرضت طفلتي لجروح مختلفة متوسطة، والحمد لله أننا انتبهنا قبل ثوان من سقوطه وحاولنا الخروج عبر الباب وإلا لكانت الإصابات أخطر لو كنا في الطرف الذي التصق لدى سقوطه بالأرض، والآن لا بد لنا من البحث عن منزل وهو كما تعلمون ليس بالأمر السهل الحدوث إذ أننا عندما نجد بيتاً مناسباً لن يكون سعره مناسباً لكنني مع ذلك لن أسكن في بيت إلا أن يكون سقفه بيتونياً بعد اليوم".
تقول أم محمود ساخرة: "هربنا من براميل بشار وخوفاً من أن يسقط سقف بيتنا فوق رؤوسنا في قريتنا، لكن بيتنا في القرية بقي صامداً حتى اللحظة، وسقط سقف هذه الزريبة (البيت) فوقنا.. ايه .. نصيبنا".
بينما الطفلة سمر التي كانت مع أمها في المنزل لدى سقوط سقفه قالت: "كل ما حدث أنني شاهدت السقف يسقط وصحت (يا ماما) وركضت لكنني لم أصل للباب قبل سقوطه واصطدمت بجسدي بعض القطع الخشبية التي أدت للجروح التي ترونها".
حوادث غريبة عجيبة تصيب أولئك السوريين يومياً في مناطق لجوئهم، ومن مآسي القصص السورية هنا في أنطاكية سقوط طفل لا يتجاوز عاماً واحداً من نافذة فندق رخيص في الصيف الماضي ما أدى لوفاته مباشرة، دون أن يتنبه المجتمع الدولي حتى اللحظة أن هنالك سوريين يموتون كل يوم في الداخل والخارج، ودون أن يستيقظ أي ضمير لوقف مأساة الشعب السوري الذي بات يعتبر مهدداً بالانقراض.