كتب مراسل صحيفة "أوبزيرفر" مارتن شولوف تقريرا، عن حظوظ السياسي
العراقي المثير للجدل
أحمد الجلبي، الذي يقول إنه بدأ يخرج من حالة النبذ وله حظوظ بتولي الحكومة العراقية حال تم التخلص من نوري
المالكي المسؤول عن الأزمة الحالية بعد سقوط عدد من المدن العراقية بيد قوات داعش والتحالف السني الشهر الماضي.
وجاء في التقرير أن الجلبي "كان عرابا للرئيس ثم أصبح منبوذا، ومخادعا.. ربته الولايات المتحدة وأغرته.. ليكون الرجل الذي يمكن أن ينقذ العراق".
وأضاف الكاتب أن حياة وعمل الجلبي السياسي كانا متلونين، وأنه لعب دورا مركزيا في الاضطرابات التي مر بها العراق خلال الـ 20 عاما الماضية.. زعيم عصابة مقاتلين في المنفى في كردستان، شمال العراق، والصبي الذي حضرت صورته في كل خطط
البنتاغون الحربية. وأكثر من أي عراقي آخر، كان الجلبي مسؤولا عن الإطاحة بالرئيس صدام حسين قبل عقد من الزمان".
وأشار تقرير "الأبزيرفر" إلى الدور الذي لعبه
المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه الجلبي في تغذية الولايات المتحدة بالمعلومات الخاطئة والكاذبة، عن علاقة صدام حسين بالقاعدة وأسلحة الدمار الشامل التي لم توجد أبدا. وقبل الغزو دعمت الحكومة الأمريكية جهود الحزب التخريبية ولسنوات عدة.
ويقول كاتب التقرير إن "أعداء الجلبي يقولون إنه كان محوريا في سنوات الفوضى التي شهدها العراق، وغير موقعه بعد عام من الغزو الأمريكي، واتجه نحو إيران التي طور معها علاقات قوية على حساب الحكومة التي أعادته للعراق. وفي الطريق قاد جهود اجتثاث البعث وهمّش السنة، وناور بشكل مستمر في أروقة السياسة العراقية وجدلها العقيم.. ورغم كل هذا فقد برز كرجل يمكن أن يقود البلد خارج هذا الامتحان الكبير".
ويكتب شولوف قائلا: "برز اسم الجلبي وبشكل مستمر خلال الشهر الماضي كشخص مرشح لكي يكون رئيس الوزراء المحتمل تعيينه بدلا من نوري المالكي. فمع سقوط كل مدينة أو قرية بيد الجهاديين من (داعش) وسقوط كركوك بيد البيشمركة يصبح وضع المالكي لا يمكن الدفاع عنه. في الوقت نفسه تم طرح اسم المالكي بمثابة الشخص الذي يمكن أن يحل محله ويمكن أن يوقف البلد من الإنزلاق نحو التفكك".
ويبدو أن العراق يعيش حالة من الارتحال عبر الزمن وكأنه عاد للمستقبل، خاصة بعد احتلال الجهاديين، حيث عادت الوجوه القديمة والمألوفة للساحة من جديد، ولا تزال الحلول بعيدة. وينقل الكاتب عن مسؤول في الحكومة العراقية قوله: "لا أحد منا يحب هذا الرجل" و"لكنني اكتشفت مثل بقية أصدقائي أن لديه الكفاءة أكثر منا".
ويقول شولوف إن عمار الحكيم، زعيم المجلس الإسلامي الأعلى الذي فاز الجلبي بمقعده في البرلمان في انتخابات 30 نيسان/ إبريل الماضي يعترف بأن السياسي البالغ من العمر 69 عاما على قائمة مرشحيه لتولي رئاسة الوزراء "نريد رجالا مثله". وأضاف: "لا يمكن للبلاد خسارة الرجال الجيدين". ويدعم رجل الدين المتشدد، مقتدى الصدر الجلبي وكذا الأكراد الذين وطد علاقاته معهم في العامين الماضيين.
ومشكلة الجلبي تظل حسابات لها علاقة بقدرة داعميه؛ فالصدر والحكيم لا يستطيعان تجميع سوى 63 مقعدا أقل من مقاعد دولة القانون التي يتزعمها المالكي التي تحتفظ بـ 92 مقعدا، ويطالب حزب الدعوة الذي ينتمي إليه المالكي بأن من يقود البلد يجب أن يكون من ائتلافهم، وهم يرون في الجلبي شخصية مزيفة.
وينقل عن أحد النواب البارزين قوله: "التقيت برئيس الوزراء يوم أمس وجاء ذكر الجلبي"، وعندها قال المالكي: "لا تتحدثوا عن الرجل بالسروال الأحمر"، في إشارة إلى أن الجلبي يسبح في معظم الأحيان مرتديا سروال سباحة أحمر.
ومع أن الأرقام هي ضد الجلبي، إلا إن عودته جلبت انتباه اللاعبين الإقليميين والدوليين. حتى الولايات المتحدة تراقب باهتمام. وكان السفير الأمريكي في بغداد قد التقى الجلبي في شهر حزيران/ يونيو. وكان اللقاء كما يعتقد هو أول نقاش يعقد بين مسؤولين في وزارة الخارجية ورجل دعموه قبل أن يخونهم في عام 2004.
وفي تلك الفترة اتهم الأمريكيون، رئيس الأمن لدى الجلبي أراس حبيب، بتقديم معلومات سرية عن تفكيك الولايات المتحدة شيفرة اتصالات إيرانية. وقالوا إن الجلبي حصل على المعلومة من مسؤول أمريكي كان في حالة سكر. وعندما أخبروا الرئيس الأمريكي جورج بوش، فإنه طلب من البنتاغون شطب اسم الجلبي من قائمة الذين يتلقون رواتب. وخلال أيام تم إلغاء مبلغ 330 ألف دولار أمريكي كانت وكالة الاستخبارات الدفاعية تقدمها للمؤتمر الوطني. وكان ذلك قد كلف الخزانة الأمريكية مبلغ 33 مليون دولار دفعت مباشرة للمجلس الوطني.
وقبل أيام من الانقلاب على الجلبي كانت لورا بوش، حرم الرئيس قد أعدت مأدبة احتفال للجلبي في حين كان زوجها يلقي خطاب حالة الاتحاد لعام 2004.
ومع ذلك، فإن هذا الرجل يجد دائما رعاة أقوياء؛ ففي بداية الانتفاضة السورية كان من المترددين الدائمين على دمشق ومدير مخابراتها محمد ناصيف، كما أنه قدم الاستشارة لجماعة الوفاق البحرينية في الانتفاضة ضد السلطات.
ويقول الكاتب إن الداعم أو السيد الجديد للجلبي، كان الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذي يعتبر محرك الدمى في بغداد ودمشق وجنوب لبنان. وقد زاره بعد لقاء الجلبي في السفارة الأمريكية.
وينتمي الجلبي لعائلة ارتبطت بالمؤسسة الحاكمة، وترك بغداد وهو صغير عام 1956، وقضى حياته متنقلا بين أمريكا وبريطانيا. ودرس في بيروت، وحاز على الدكتوراه في الرياضيات، وأنشأ بنك البتراء في عمّان الذي فشل بعد فضيحة كبيرة.
ويقول رزي مارديني، الذي يعمل مع مركز المجلس الأطلنطي: "في العراق لا أحد يعرف كيفية ضرب من هو أكبر من وزنه أو لعب لعبة معقدة أفضل من الجلبي". ويضيف أن علاقة الجلبي مع إيران تؤمن ترشيحه على خلاف علاوي، "ففي حالة وضعت إيران خطا أحمر على مرشح فلن يستطيع النجاح".
في الشهر المقبل سيتم القرار حول ما إذا كان داعمو الجلبي لديهم القدرة على رمي ثقلهم وراءه، أم لا. ويبدو المالكي في وضع جيد، خاصة بعد لقاء خاص تم في مكتب آية الله علي السيستاني، حيث أعلن بعد ذلك رفضه التنحي عن السلطة.