ذكرني يوم أمس بيوم لا ينسى من أيام الأحداث
العراقية عام 2007 وتحديدًا يوم الثامن والعشرين من كانون الثاني حين اتصل بي صديق قديم قائلاً:" أنقذ إخوانك زوار الحسين فهناك مؤامرة لقتلهم!" وكنت يومها أكتب لإحدى الوكالات وتتصل بي القنوات الفضائية لتغطية وتحليل الأحداث.
بعد استغراب شديد مني وأسئلة عديدة فهمت أن الحكومة العراقية ومن ورائها حوزة السيد علي السستاني في النجف حزمت أمرها لقمع مجموعة دينية لا تؤمن بسطوة مرجعية النجف ولها معتقات أخرى مخالفة وأن المتصل علم بأنهم تحت نيران القصف في منطقة الزركة (الزرقاء) قرب النجف.
أمس – الأول من تموز/يوليو 2014 – تكررت نفس الحالة ولكي أكون دقيقًا منذ يومين اتصلت بي زميلة من
كربلاء وهي في حالة هلع شديد قائلةً أن (
الداعشيين) في كربلاء وأن الطيران يهدر في سماء المدينة والنداءات تتعالى لحماية الحضرتين الحسينية والعباسية!
لم أستغرب أن يهدد قادة الأمن المنهار مواطنيهم بالسنة الدواعش لتمرير شيء ما أو ربما فقط للترهيب والحفاظ على صمت الشارع تجاه ما وقعت وتقع فيه حكومة بغداد لكن لم يمر وقت طويل حتى وصلت الأخبار: قوات أمنية مسنودة بأخرى قادمة من بغداد تداهم مقر ىية الله السيد محمود الحسني البغدادي المعروف بالصرخي!
هذا الرجل ذو الخطاب الوطني العروبي له أتباع في عموم العراق وهو قريب من حركات شيعية أخرى تناهض مرجعية النجف التي يسمونها بالفارسية ويدعون بالأحقية العربية للحوزة كما وقف السيد الصرخي ضد الاحتلال واختفى لفترة بسبب توجيه تهم له بقتل جنود أمريكان في 2004.
ولعل نداءاته الوطنية كانت هي التهمة الحقيقية فهو ظل مصدر تشويش على مشاريع اراد لها الاحتلال والنظام السياسي الجديد أن تمر ولعل أهمها التفرقة بين المواطنين على اساس طائفي فالسيد الصرخي ضد كل ما روج له الآخرون من هذه المشاريع.
عودة لموضوع زوار الزركة، فبعد استطلاعات عميقة من الناجين القلائل وبعض الشرطة والجنود تبين أن قوات بغداد خططت لقمع فئة شيعية بدهاء فلقد نجحت بإقناع القوات الأمريكية والبريطانية أن هؤلاء هم مقاتلو القاعدة وجاءوا لقتل علماء النجف! ولقد ابتلع الأمريكان والبريطانيون الطعم فقصفوا هؤلاء (الإرهابيين) بقسوة شديدة جعلت جثث نسائهم وأطفالهم المرافقين لهم بالزيارة تمتزج مع جثث الرجال المعارضين.
وفي 2014 عادت القصة بوجوه أخرى ومكان مختلف (بل أماكن متعددة) ونرجو أن تكون بدماء اقل فما أوهموا به زميلتي الشاعرة من وجود (دواعش) تبين أنه في الحقيقة حملة لاعتقال السيد الصرخي والتنكيل به وأتباعه عقابًا له على تصريحات خطيرة أدلى بها في العلن مهاجمًا حكومة بغداد ونظامه وعلى فتوى أصدرتها حوزة النجف متمثلة بالسيد علي السستاني تدعو إلى الانخراط في القتال ضد
الثوار السنة تحت مسمى الإرهاب وداعش.
ولقد كشف السيد الصرخي أقسى الحقائق التي يخشى غيره أن يظهرها حين قال "لقد خسر الجيش خسارة مهينة ومخزية لأسباب منها أنهم تربوا على تقديس الرموز البشرية الراحلة والتي هي على قيد الحياة فانظروا في الموصل والأنبار مثلاً لم يقاتلوا لأن هذا الرمز غير موجود".
وهذا القول ليس مجرد تسبيب لخسارة عسكرية وإنما معارضة صارخة لعمق التفكير الشيعي الإمامي الإثني عشري الذي يقول العروبيون من الشيعة أن الفرس قد حرفوه ليخدم اغراضهم القومية (الفارسية) بحجة الدين.
جنوب العراق اليوم مضطرب فهنالك إطلاق نار في مدن عدة ما إن يسكت هنا حتى يثور هناك ولعل أهم هذه المدن هي كربلاء (المقدسة عند الشيعة لأن فيها ضريحا الحسين والعباس ابنيْ علي ابن أبي طالب) وقبلة الشيعة في العالم. وفي حين سربت قوات أمن حكومية نبا اعتقال السيد الصرخي نفى مكتبه ذلك لكنه أكد مقتل العديد من أنصاره وحراسه ووردت أنباء عن إحراق عجلات ومدرعات حكومية. ويبقى الصراع السياسي – الديني مستمرًا في ظل أنظمة لا تعرف كيف توفق بين مواطنيها.