ما زلنا نحاول أن نلتمس الطريق للوصول لغايتنا المنشودة التي عنونا لها بهذا العنوان "الربيع الإسلامي" التي نحاول فيها تصحيح مسار ثورات
الربيع العربي التي وأدت في مهدها وجرفت تربتها.
كان لابد من وضع حجر أساس للربيع الإسلامي حتى لا تتكرر الأخطاء وتفشل التجربة، فكان لابد من توضيح أن هناك ثوابت للمسلم ينطلق من خلالها حتى تكون الرؤية واضحة.
هذه الثوابت يمكن إجمالها الآن في كلمة جامعة مانعة وهي "الإسلام"، قد توجه الانتقادات فورا عند قراءة هذا اللفظ، لكن إذا تريثنا قليلا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يوجهنا لهذا المسلك حينما قال: "توشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: من قلة نحن يومئذ؟ قال: لا بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله: وما هو الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت."
إذن المسلمون كثر لكن هل يحملون هم الإسلام؟ هذا هو السؤال.
هذا المشهد الذي صوره لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم، شاءت أقدار الله سبحانه أن نراه بأعيننا، رأيناه بمصر واضحا جليا،
نوشك أن نراه بليبيا وتونس ونرجو ألا يتمه الله على أعداء دينه.
ما الذي جعل كثير من المسلمين ينجرفون وراء الباطل ويدعمونه ويفوضونه؟
ما الذي جعل الكثير يتباهون بالباطل ليل نهار وصباح مساء كأنهم يجاهدون في الله حق جهاده بل ولا يخافون في باطلهم لومة لائم؟
الجواب بكل بساطة عدم وضوح الرؤية، ونقصد بالرؤية هنا رسوخ مفهوم الإسلام ليس في العقول فقط بل في القلوب أيضا.
عند كثير من المسلمين الإسلام يعني الصلاة والصيام والحج والعبادات فقط. وهذا يتنافى مع صريح القرآن حيث يقول ربنا سبحانه: " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين."
وقوله تعالى "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ."
قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في ظلاله حول هذه الآية: "والأمة في النظام الإسلامي هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله; ولكنها ليست هي مصدر الحاكمية التي تعطي القانون شرعيته. إنما مصدر الحاكمية هو الله. وكثيرون حتى من الباحثين المسلمين يخلطون بين مزاولة السلطة وبين مصدر السلطة. فالناس بجملتهم لا يملكون حق الحاكمية إنما يملكه الله وحده. والناس إنما يزاولون تطبيق ما شرعه الله بسلطانه، أما ما لم يشرعه الله فلا سلطان له ولا شرعية، وما أنزل الله به من سلطان. ."
ثم يمضي بنا الأستاذ رحمه الله في بيان هذا الأمر العظيم فقال: "ويقرر يوسف عليه السلام أن اختصاص الله سبحانه بالحكم تحقيقا لاختصاصه بالعبادة هو وحده الدين القيم: (ذلك الدين القيم)، وهو تعبير يفيد القصر. فلا دين قيما سوى هذا الدين، الذي يتحقق فيه اختصاص الله بالحكم، تحقيقا لاختصاصه بالعبادة"
وعلق الشهيد بإذن الله على هذه الآيات البينات بقوله: "لقد رسم يوسف عليه السلام بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة كل معالم هذا الدين، وكل مقومات هذه العقيدة ; كما هز بها كل قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية هزا شديدا. ."
تلك إذن القضية الجوهرية التي كانت علامة فارقة في الصراع بين الحق والباطل، وستظل هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
القضية هي أنك تكلم كما شئت في أحكام الحيض والنفاس وفى شرك القبور، وهذا أمر لا أعيب عليه بل هو من صميم ديننا لتصح به عبادتنا لله سبحانه وتعالى، أما إذا اقتربت من المنطقة الخطرة الحساسة وهي "توحيد الحاكمية" وشرك القصور فأنت بذلك من المغضوب عليهم، الموصوف بالإرهاب والتطرف.
أما إذا كان التيار شديدا جدا واستطعت أن تصل إلى القصور وسدة الحكم رافعا راية التوحيد وإقامة شرع الله المجيد فسوف يتم اقصاءك آجلا أو عاجلا بأيدينا ومن وراءنا "غثاء السيل".
أختم هذا المقال بما قاله الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي قبل عدة سنوات: "وفي هذا التحدي العالمي الكبير، والغزو الفكري الخطير، نجد رحى الإسلام ومواقعه دائرة. ونحن مطالبون أن نكون مع الإسلام، في رحاه ومعاركه ومواقعه، وأن نثبت عليه، وأن ندور معه حيث دار."
ويبشرنا الدكتور صلاح حفظه الله في النهاية بهذه البشرى العظيمة، التي ليست كبشرة خيرهم التي شبعوا رقصا عليها في مسرحيتهم الهزلية بل هي بشرة خير بحق فيقول: "إننا لا نجتاز هذه المرحلة، ولا نتجاوز هذه المحنة، ولا ننجح في هذا التحدي، إلا بالثوابت، بمعرفتها وملاحظتها ومعايشتها والثبات عليها والانطلاق منها.
وسوف نجتاز هذه المحنة الخطيرة بإذن الله كما اجتاز أسلافنا المحن السابقة، وسيخرج الإسلام بإذن الله من هذه المحنة أصيلا صافياً طافراً منتصراً، كما حصل في السابق!
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.