مقابلات

خبير أمني: داعش تدفع المغرب للتشدد مع "مغاربة سوريا"

محمد مصباح - عربي21
محمد مصباح - عربي21
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن ملف المقاتلين المغاربة في سوريا، أو ما يعرف بـ"مغاربة سوريا"، الذين يقدرهم عددهم بحوالي 1500 مقاتل، وبات الرأي العام الوطني يتابع أخبار العائدين، على قلتهم، مع قرار الدولة بالتعامل بالحزم الشديد مع ملف العائدين من جبهات القتال، من خلال اعتماد المقاربة الأمنية.

ومع إقراره بحق الدولة في اعتماد المقاربة الأمنية، يرى محمد مصباح، زميل أبحاث في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين"، أن هذه المقاربة لن تكون وحدها كافية، مقترحا مقاربة قائمة على ثلاث ركائز، فكرية من خلال الحوار، واجتماعية من خلال تبني مبادرات للإدماج الاجتماعي، وأمنية في علاقة مع ذوي العقيدة الجهادية.

ويشرح محمد مصباح، في هذا الحوار الذي أجراه مع موقع "عربي21"، دواعي "الصحوة" المغربية المتأخرة نوعا في التعاطي مع ملف المقاتلين المغاربة، مشددا على أن أهم عامل مساهم في هذه الانتباهة، تمثل في تنامي نفوذ التنظيمات الجهادية وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، كما أنه يوضح أسباب الصمت المغربي عن هجرة المتطوعين المغاربة إلى سوريا الذي دام حوالي ثلاث سنوات.

وفي ما يأتي نص الحوار كاملا:

لماذا في نظركم هذه "الصحوة" من طرف الرسمي المغربي والحديث بهذا الشكل المكثف عن ملف "مغاربة سوريا"؟
 
يمكن إرجاع بداية الاهتمام الرسمي بموضوع المقاتلين المغاربة في سوريا إلى بداية هذه السنة في تزامن مع تطورات الأوضاع على الساحة هناك، خصوصا تنامي نفوذ التنظيمات الجهادية وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش".

فمع التحاق عدد كبير من الشباب بجماعات تُعتبر متشددة، برز خوف لدى الأجهزة الأمنية من رجوعهم إلى الوطن مُحملين بأيديولوجية متطرفة، وربما قد يفكرون في تنفيذ أعمال تخريبية.

فمن خلال تسليط الضوء الإعلامي عليها، تسعى الدولة إلى تهيئة الرأي العام لمرحلة جديدة للتعامل مع هذا الملف، لم تظهر معالمه بشكل واضح لحد الساعة.

لا يجب أن ننسى أيضا أن وتيرة الصراع المسلح ارتفعت بشكل أبرز خلال السنة الماضية، مقارنة مع السنتين الأولى من الثورة السورية، ومن ثم أصبحت تشكل ظاهرة اجتماعية، لها تداعيات سياسية واجتماعية وأمنية.
 
إذن لماذا هذا الصمت المغربي الذي عمر ثلاث سنوات؟
 

موقف المغرب من الثورة في سوريا كان مرتبطا بحسابات "جيو- سياسية"، إذ لم يكن الموقف الرسمي للمغرب مستقلا عن حلفائه الغربيين ودول الخليج.

في المراحل الأولى من الثورة، كان الموقف الأمريكي والسعودي متطابقا بخصوص المقاتلين الأجانب في سوريا، حيث كانت الحسابات آنذاك تقوم على تشجيع المواجهة بين الجهاديين من جهة وبين نظام الأسد وحلفائه؛ أي حزب الله وإيران من جهة ثانية، بحيث تؤدي المواجهة بينهما إلى إنهاك الطرفين، وهو ما يصب في مصلحة السعودية وأمريكا باعتبار أن العداء لكل من الجهاديين والنظام السوري على حد سواء، وهي وصفة قليلة الكلفة للتخلص من الجهاديين وفي الوقت نفسه إضعاف النظام السوري، وهذا سيناريو مشابه؛ مع بعض التعديلات؛ للتجربة الأفغانية، والذي يقتضي بموجبه دعم جماعات مسلحة لمواجهة عدو مشترك. المرحلة الثانية انطلقت منذ سنة تقريبا مع تنامي قوة "داعش" التي خلطت الأوراق بعد سيطرتها على عدد من الأراضي المحررة، ما دفع السعودية إلى إعادة تقييم تدخلها في سوريا عبر دعم جماعات "معتدلة" لمواجهة "داعش".

المغرب تأثر بموقف حلفائه وقام بدوره بإعادة النظر في موقفه من موضوع مواطنيه المشاركين في القتال في سوريا عبر تبني سياسة أكثر تشددا، ومن ثمة تم تفكيك عدد من الخلايا التي كانت تستقطب الشباب للسفر إلى سوريا، وتم إيداع السجن كل العائدين من هناك، كما أنه تم التنسيق بين المخابرات المغربية ونظيراتها الأوربية، لا سيما الإسبانية للتصدي لشبكات التجنيد الناشطة في أوروبا.
 
في تقديركم، هل يندرج هذا الأمر في إطار ترتيبات سياسية تخص إنهاء الثورة السورية؟
 
لا أعتقد أن الترتيبات الجارية تهدف إلى القضاء على الثورة السورية بشكل نهائي، بل تسعى ربما إلى إطالة أمد الصراع، ومحاولة إعادة التوازن والبحث عن بدائل غير دعم التيارات الجهادية، فالخوف من تنامي قوتها دفع بعض دول الخليج إلى تغيير سياستها في سوريا، وهناك حديث أفادته بعض التقارير عن رغبة السعودية في تدريب آلاف المقاتلين بأيديولوجية إسلامية معتدلة لمواجهة كل من نظام بشار الأسد وكذا التيارات الجهادية، مع الإشارة إلى أن الصراع في سوريا سيبقى مستمرا لسنوات أخرى، بسبب عدم القدرة على الحسم العسكري لفائدة أحد الأطراف.
 
كيف تقيمون السياسة المغربية عموما لملف المقاتلين المغاربة في سوريا؟
 
من الناحية السياسية، مسألة المقاتلين المغاربة في سوريا ملف أمني بامتياز، يتم تدبيره بشكل حصري من طرف الأجهزة الأمنية –المخابرات الداخلية والخارجية- والتي تقع خارج دائرة سلطة الحكومة المنتخبة. اعتمدت الدولة في تعاملها مع هذا الملف مقاربة أمنية صرفة، وهذا أمر مفهوم نسبيا، نظرا للخطر "المُفترض" الذي يشكله بعض المتطرفين الذين تدربوا على استعمال السلاح، وقد تكون لدى بعضهم رغبة انتقامية لدى رجوعهم، رغم إنكار بعض العائدين لهذه الدعاوى.

ومع ذلك، يمكن التمييز بين مرحلتين في تعامل الدولة مع هذا الملف: ففي مرحلة أولى تم غض الطرف عن سفر عدد من الشباب إلى سوريا، وهذا تم إلى نهاية السنة الماضية.

المرحلة الثانية انطلقت بعدها وتميزت بتشديد الخناق على الذاهبين والعائدين، وهو أمر راجع للأسباب السابقة الذكر.

من الناحية القانونية، هناك فراغ بخصوص مشاركة مواطنين مغاربة في العمل المسلح خارج أرض الوطن، إذ يتم اعتقال كل العائدين ومحاكمتهم بناء على تأويل واسع لقانون الإرهاب.

المشكلة تكمن على مستويين: أولا، هل يمكن التمييز بين الاختلافات الموجودة بين هؤلاء المقاتلين.. لا سيما بين الشباب المتحمس والذي هاجر إلى سوريا بهدف نصرة الشعب السوري، وليست له أجندة سياسية ولم يتورط في جرائم ضد الإنسانية، وبين المؤدلجين والدمويين؟

وثانيا: ليست كل التنظيمات المسلحة في سوريا مصنفة على أساس جماعات إرهابية، فما عدا "جبهة النصرة" و"داعش"؛ المصنفتين من طرف الخارجية الأمريكية كجماعات إرهابية، لا تدخل باقي الفصائل الأخرى في هذه الخانة، بل بعضها يستفيد من الدعم الغربي والسعودي، كالجيش الحر وفصائل في الجبهة الإسلامية.
 
هل الحل الأمني الذي يتبناه المغرب كاف وحده لحل مشكلة مغاربة سوريا؟
 
طبعا ليس كافيا، وهناك إدراك من طرف المسؤولين بمحدوديته. ومع ذلك، فيبدو أن هناك توجها جديدا لدى الأجهزة الأمنية من أجل القيام بتشخيص الوضع هناك، عبر إحصاء للمقاتلين المغاربة في سوريا وحصر توجهاتهم الأيديولوجية، ثم بعد ذلك قد تُتخذ إجراءات في هذا المجال.
 
من هم "مغاربة سوريا" وماهي التنظيمات التي ينشطون داخلها؟
 

يوجد حاليا حوالي 1500 مقاتل مغربي في سوريا منضوين تحت مختلف الفصائل المسلحة. خلال صيف 2013 حصلت طفرة نوعية بعد تدفق عشرات المغاربة بشكل لافت إلى سوريا، وهو ما تزامن مع استقبال المغرب لمؤتمر أصدقاء سوريا في مراكش، وكذا مؤتمر القاهرة بحضور عدد من العلماء المسلمين السُّنة الذي دعا إلى وجوب الجهاد في سوريا. 

خلال تلك الفترة تم تأسيس فصيل مغربي اسمه "حركة شام الإسلام" من طرف المعتقل السابق في سجن غوانتانامو إبراهيم بنشقرون، والتي تضم في عضويتها حوالي نصف المقاتلين المغاربة. تأتي بعد ذلك "داعش" و"جبهة النصرة"، ثم بدرجة أقل الفصائل المسلحة الأخرى.

ويتمركز عدد من المغاربة في الساحل الغربي وريف اللاذقية، وفي محيط حلب، وهي مناطق قريبة نسبيا مع الحدود التركية، التي ولج منها أغلب هؤلاء في رحلتهم نحو سوريا.
 
من خلال متابعتكم، ماهي الحلول الناجعة لحل هذه المعضلة سياسيا  واجتماعيا وأمنيا؟
 

ليس هناك وصفة جاهزة لعلاج هذا المشكل. الأساس أن يتم التعامل مع هذه الظاهرة بشكل شمولي، وهذا يحتاج إلى قرارات سياسية شجاعة مرتكزة على رؤية مُتَبصرة تأخذ بعين الاعتبار المآلات وتوازن بين الحرية والأمن، ومقاربة "تفهمية" و"إدماجية" وإجراءات عملية تعالج مشكلة التطرف من جذوره.

أولا؛ هناك حاجة إلى الوقاية عبر تشجيع خطاب إسلامي معتدل وتعزيز العملية الديمقراطية والإدماجية لكل القوى السياسية والمدنية التي تنبذ العنف.

وثانيا، إعادة تأهيل العائدين، عبر نزع الانخراط النفسي والأيديولوجي مع الأفكار المتشددة، ورعاية نفسية واجتماعية للمصابين بصدمات نتيجة المشاركة في الصراع بسوريا.

وثالثا، عبر إعادة إدماج اجتماعي وفكري للعائدين غير المتورطين في جرائم ضد الإنسانية، ومساعدة عائلاتهم على تجاوز مخلفات المرحلة السابقة. لكن يبدو أن هناك تلكأ في اتخاذ قرارات من هذا القبيل لحد الساعة، وهو ما قد يرفع كلفة العلاج مستقبلا.
 
*يشار إلى أن محمد مصباح، هو زميل أبحاث في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، يعمل على مشروع "التغيير النخبوي والتعبئة الاجتماعية الجديدة في العالم العربي". عمل سابقاً باحثاً زائراً لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن. تركّز بحوثه حالياً على تحوّل الحركات السلفية، والإسلاميين في السلطة، والأنظمة السلطوية، والتغيير السياسي في المغرب.
 
التعليقات (1)
سليم
الأربعاء، 17-09-2014 07:29 م
الحل برئي هو ان تترك الحكومة الشيوخ ان يعملو دروس وخطب لناس. والذين رجوع من سوريا يكون لهم انضار مايدخلهم لسجن لان دخولهم لسجن لربما يجني على المغرب يصبحوا يدخلو تهريب ومن خوفهم يجتمعو وعلى العلم انهم مدربين على السلاح ان ارا ان نترك كل واحد يريد الرجوع يرجع ونحسسه بالامان