كلاكيت ثاني مرة لسيناريو الفريق عبد الفتاح السيسي بمصر، لكن هذه المرة في
ليبيا بعد أن فشل قبل ذلك في تونس.
ليست هذه المرة الأولى التي يسعى فيها اللواء المتقاعد خليفة بلقاسم
حفتر إلى الإطاحة بالسلطات الحاكمة في بلاده ليبيا، فقد سبق أن فعلها إبان حكم معمر القذافي وكررها، قبل أشهر، في عهد حكومة علي زيدان، قبل أن يعيد المحاولة أخيرا بسيناريو آخر تشتم من خلفه رائحة المال السياسي العربي.
اختارته الثورة الليبية لقيادة جيش المعارضة بسبب خبرته العسكرية، وقيل آنذاك إن الدافع الرئيسي لعودته إلى ليبيا والمشاركة في الحرب ضد القذافي هو بغضه الشخصي للقذافي، ورغبته الدائمة للانتقام منه بسبب رفضه مساعدته في الحرب التشادية ما أدى إلى أسره هو وآخرين ثم إقامته في أميركا لعقدين من الزمن.
فترة المنفى الاختياري التي أمضاها حفتر في أميركا كانت فترة غامضة لا توجد تفاصيل أو أية معلومات حولها وتغلفها علامات السؤال والاستفهام، إذ من غير المفهوم ما العمل الذي كان يمارسه حفتر هناك وما هو مصدر رزقه، ويتهمه منافسوه بأنه، كان مجندا من قبل الاستخبارات الأمريكية "السي أي إيه"، وهو ما لم يتأكد حتى الآن.
يتهم حفتر، المولود عام 1949، وينتمي إلى قبيلة الفرجاني الليبية، بأنه ينفذ أجندة خارجية، وبأنه يسعى إلى استنساخ السيناريو المصري، والنتيجة النهائية لتحركاته العسكرية هي إقصاء الإسلاميين وتحديدا الإخوان المسلمين من المشهد السياسي الليبي، تحت ستار محاربة "الجماعات الإرهابية" المنفلتة في ليبيا.
أمضى حفتر، خريج الأكاديمية العسكرية ببنغازي والذي تدرب في الاتحاد السوفياتي السابق، العشرين سنة الأخيرة من عمره بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن انشق عن القذافي في التسعينيات من القرن الماضي، وعاد إلى ليبيا للمشاركة في الثورة الليبية ضد القذافي.
كان حفتر في السابق قائدا عسكريا قريبا من القذافي، وكان عضوا في مجلس قيادة الثورة بعد انقلاب عام 1969 الذي أطاح بنظام الملك إدريس السنوسي، وكان معروفا آنذاك بميوله الناصرية مثل أغلب مجموعة الضباط الوحدويين الأحرار التي شكلها القذافي عام 1964. وتذكر بعض المصادر أن حفتر شارك في الحرب العربية ـ الإسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 ضمن مساهمة
الجيش الليبي فيها.
شهر العسل بين حفتر والقذافي لم يدم طويلا، إذ ما لبث أن انقلب حفتر على القذافي بعد اشتعال الحرب في تشاد جنوب ليبيا في أواخر الثمانينيات، واندلع النزاع الليبي مع تشاد بداية بسبب قطعة من الأرض تقع في شمال تشاد تسمى "قطاع أوزو" والغنية باليورانيوم والثروات المعدنية، وكان القذافي قد شكل تحالفا مع حكومة جوكوني عويدي التي سمحت لليبيا بالسيطرة على القطاع، ثم أطاحت بها قوات حسين حبري الذي كان مدعوما من قبل "السي أي إيه" والقوات الفرنسية.
ووفقا لتقارير دولية، فقد دعمت واشنطن حبري من خلال "السي أي إيه" في تحد واضح للقذافي، وشهدت الفترة التي أعقبت انقلاب حبري اشتباكات متكررة بين الجيش الليبي وقوات الحكومة التشادية والقوات التابعة للاستخبارات الأمريكية والفرنسية.
وفي آذار/ مارس عام 1987، تم اعتقال مجموعة مكونة من 600- 700 جندي ليبي وقائدهم حفتر، وقد تخلى القذافي عن حفتر بعد أسره، وقيل إن سبب تخلي القذافي عنه هو خشيته من انتصار حفتر وعودته إلى ليبيا منتصرا ما يهدد مستقبله. على أثر ذلك انشق حفتر عن القذافي وشكل كيانا معارضا هو "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا"، ثم "الجيش الوطني الليبي" الذي مثل الجناح العسكري للمعارضة.
وكان حفتر قد بدأ في التجهيز لغزو ليبيا قبل نفيه إلى الولايات المتحدة مع الكثير من أعضاء جيشه.
ففي عام 1990، ساعدت القوات الفرنسية في الإطاحة بحبري وجاءت بإدريس ديبري خليفة له، وقد عارض الفرنسيون سياسات حبري الوحشية، ولم يكن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مهتما كسابقه الرئيس رونالد ريجان باستخدام تشاد ذريعة لتدمير القذافي، على الرغم من تحالف القذافي مع ديبري.
وكان ريغان قد تبنى عام 1991 ، قوات حفتر التي تم تدريبها من قبل الاستخبارات الأمريكية على التدمير ومهارات حرب الشوارع في قاعدة بالقرب من العاصمة التشادية، وكانت تسعى إستراتيجية ريغان للإطاحة بالقذافي.
حاول القذافي بعد سقوط حبري، استعادة رجال حفتر، لكن ديبري سمح للأمريكان بنقلهم جوا إلى زائير، وهناك تم السماح للمسؤولين الليبيين بالتواصل مع المجموعة، واقتنع بعضهم بالعودة إلى ليبيا، ولكنّ آخرين رفضوا خوفا على حياتهم. وعندما فشلت مساعي إرسال دعم مادي أمريكي للحكومة الزائيرية في مقابل استضافتها للمنشقين الليبيين تم نفيهم إلى كينيا.
ثم نقلوا إلى الولايات المتحدة حيث التحقوا هناك ببرنامج للاجئين، وتلقوا مساعدات مالية وطبية ودروسا في اللغة الإنجليزية، وتم توزيعهم على الولايات الأمريكية المختلفة.
في آذار/ مارس من عام 1996، عاد حفتر إلى ليبيا وشارك في انتفاضة مسلحة ضد القذافي، انتفاضة لا يتوفر الكثير حول تفاصيلها، وذكرت تقارير صحافية آنذاك أن اضطرابات وقعت في جبل الأخضر شرق ليبيا، وأن قوات معارضة مسلحة انضمت إلى السجناء الهاربين في انتفاضة ضد الحكومة، وأن قائدهم هو اللواء حفتر.
واختفى حفتر عن المشهد كليا ليعود مع الثورة الليبية ضد القذافي ضمن "الربيع العربي". وبعد انتصار الثورة، عين حفتر قائدا لسلاح البر من قبل المجلس الوطني الانتقالي الذراع السياسي للثوار، وأصبح تحت إمرته الكثير من الضباط السابقين الذين انشقوا عن جيش النظامي الليبي.
لكن السلطات الليبية الانتقالية لم تكن تثق به ثقة تامة حيث ترى فيه عسكريا طموحا وطامعا في السلطة، ويخشون أن يقيم في النهاية نظاما عسكريا مستبدا جديدا، وكانت بين حفتر واللواء السابق عبد الفتاح يونس منافسة محمومة، واغتيل يونس، الذي انشق عن القذافي في تموز/ يوليو عام 2011، في ظروف لم تتضح ملابساتها حتى الآن.
وبقي حفتر يحظى بدعم تام من الجنود السابقين في الجيش الليبي.
بعد أن أقصي لفترة قصيرة عاد حفتر إلى المشهد الليبي في صباح الرابع عشر من شباط/ فبراير عام ،2014 فقد ترددت أنباء حول قيامه بتحرك عسكري أعلن من خلاله إيقاف عمل المؤتمر الوطني، كما انتشر فيديو على "اليوتيوب" يشرح فيه حفتر طبيعة هذا التحرك الذي لا يمكن وصفه حسب تعبيره بـ"
الانقلاب العسكري" وإنما هو "استجابة لمطلب شعبي شغل الشارع الليبي من أسابيع بإيقاف تمديد عمل المؤتمر الوطني".
ومنذ أيام، تعيش مدينة بنغازي حالة من التأهب والاستعداد لمواجهة بين قوات من الجيش مدعومة بمسلحين من المدينة، وبين قوات حفتر، في الوقت الذي استنكرت فيه الحكومة الليبية المؤقتة اللجوء للسلاح لحل المشاكل السياسية.
وطالبت الحكومة الجميع بالتوقف فورا عن استخدام الترسانة العسكرية التي يمتلكها الشعب الليبي للاقتتال، ودعت كل الأطراف للعمل تحت غطاء الشرعية، واتباع نهج "التعقل والحوار والمصالحة الوطنية والتمسك بأهداف ثورة 17 فبراير".
وفي الوقت الذي شكل فيه رئيس الوزراء الجديد أحمد معيتيق حكومة جديدة، كان حفتر يعيد تنظيم قواته لاستئناف حملته على مجموعات إسلامية في بنغازي يصفها بأنها "إرهابية".
في حين أعلن عقيد موالٍ لحفتر تجميد عمل المؤتمر الوطني العام "وكف يده عن ممارسة أي أعمال أو تصرفات تتعلق بسيادة الدولة وتشريعاتها وإداراتها". وأضاف أنه تقرر تكليف لجنة الستين لصياغة الدستور "بالقيام بالمهام والاختصاصات التشريعية في أضيق نطاق ممكن"، وذلك إلى جانب الاختصاصات الرقابية.
وتشبه هذه الخطوة ما قام به الجنرال السيسي بمصر، حين أوقف العمل بالدستور وقام بصياغة دستور جديد، وأوقف أعمال مجلس الشعب المنتخب انتخابا ديمرقراطيا، وأسقط الحكومة الشرعية.
هل عاد الوطن العربي إلى عصر الجنرالات الذي ساد في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؟! ربما، فالزمن العربي يتدحرج إلى الخلف عكس حركة التاريخ.