كتب مصطفى فحص: يتجه الرئيس الإيراني حسن
روحاني خلال الشهرين المقبلين إلى رفع
الدعم عن المشتقات
النفطية، من أجل تأمين بعض حاجات إيران من السيولة النقدية الضرورية، وذلك ليتمكن بعدها من البدء في إعادة تأهيل بعض البنى التحتية المتهرئة في البلاد، الأمر الذي سوف يسبب ارتفاعا في أسعار المشتقات النفطية، مما سينعكس سلبا على أغلب الجوانب الاقتصادية، خصوصا المعيشية منها. ومن المتوقع أن يؤدي رفع الدعم إلى ازدياد نسبة التضخم لتصل إلى ما فوق 40 في المائة، بعدما لامست 30 في المائة، بعد توقيع اتفاقية جنيف المؤقتة بين طهران ومجموعة دول «5+1» حول الملف النووي.
رد فعل الشارع الإيراني الاعتراضي على هذه الإجراءات الحكومية لم يعد مستبعدا، خصوصا أن الناخب الإيراني صوت لروحاني في وجه مرشحي السلطة بكثافة، وراهن على أن يؤدي وصوله إلى الرئاسة إلى التخفيف من حدة التوتر مع الغرب، فيحصد بالتالي انفراجا اقتصاديا، يترجم إلى تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة نتيجة لسياسات النظام الخاطئة وفشل الحكومات المتعاقبة في الالتفاف عليها، إضافة إلى التزامات خارجية مرتفعة التكاليف، يقدمها النظام حماية لنفوذه وتطلعاته الإقليمية.
في هذه الأثناء تشهد العلاقة بين الرئيس روحاني والمحافظين القابضين على السلطة في طهران مزيدا من التأزم؛ فقد هدد فريق منهم، ينتمي بغالبيته للحرس الثوري، الرئيس روحاني، باستخدام الشارع بغية إسقاطه أو محاصرته سياسيا وشعبيا، واستغلال الأوضاع الاقتصادية المتردية لتقليب الرأي العام ضد سياسات الحكومة، بوصفها لم تفِ بالوعود التي قطعتها للإيرانيين بعد تشكيلها، وأن روحاني فشل أيضا في تحسين ظروف الإيرانيين الحياتية، خصوصا الذين صوتوا له وراهنوا على نجاح سياساته وتوقعوا منه الكثير، وكذلك بعد الدعم الذي تلقاه في الأشهر الستة الأولى من بداية ولايته، التي بدا فيها مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي، كأنه قدم له فرصة، وحماية أيضا من انتقادات
الحرس الثوري.
إلا أن روحاني يبدو كأنه قد خسر ثقة المرشد، ولم يفلح في إقناع الغرب بالتخفيف من العقوبات الاقتصادية، رغم توقيع إيران الاتفاق النووي المبدئي في جنيف، وقبول الحرس الثوري مرغما بهذه الاتفاقية تحت ضغط المرشد.
بالنسبة للحرس، يبدو كأن روحاني استنفد أيضا المدة التي منحت له، وأصبح بالتالي مطالبا بالتشدد أمام مطالب الغرب، الذي لم يقم بدوره ببادرة حسن نية تجاه إيران، بل ضاعف من شروطه التعجيزية، وطالب بتقديم تنازلات كبيرة من دون مقابل جدي وملموس.
من المؤكد أن الرئيس روحاني مضطر للبدء في عملية إصلاح اقتصادي أصبحت ملحة من أجل إنقاذ إيران مما آلت إليه أوضاعها الاقتصادية، جراء ثماني سنوات من حكم أحمدي نجاد الريعي، وفشل حلفائه في السلطة، أي الحرس الثوري، في التعويض عن خروج الشركات الصناعية الكبرى من الأسواق الإيرانية، التي استبدلت بها شركات إيرانية، لم تفلح في إتمام أي مشروع أوكل إليها، خصوصا في قطاع الطاقة، أكبر المتضررين جراء العقوبات الدولية. ومن المؤكد أيضا أن لهذه الإصلاحات تداعيات مؤلمة ستؤثر مباشرة على حياة المواطنين، قد تطول لسنوات وهي غير مضمونة النتائج، نظرا لمراهنة روحاني وفريقه الاقتصادي على إمكانية التوصل إلى حل مقبول بين إيران والدول الكبرى، يسمح برفع مزيد من العقوبات، وبتدفق الاستثمارات الخارجية على الأسواق الإيرانية.
روحاني المدعوم بقرابة 55 في المائة من أصوات الناخبين، مقابل الحرس الثوري الذي يمتلك معظم أدوات السلطة والإدارة ومفاصل الدولة، يراهن كل منهما على
الشعب؛ فالأول سيحيل فشله إلى عرقلات الثاني له، وسيطلب من ناخبيه حماية أصواتهم التي منحوها إياه، بينما سيحرك الثاني مراكز القوة التابعة له والمنظمة في مختلف المجالات، وشارعه العقائدي بحجج اقتصادية وآيديولوجية، من أجل تطويق روحاني وإخضاعه وقطع الطريق عليه وعلى مشروعه الإصلاحي.
(الشرق الأوسط)