هل اكتملت
الثورة المضادة في
مصر؟ سؤال طرحه مراسل صحيفة "
أوبزيرفر" البريطانية باتريك كينغزلي تحت عنوان "ربيع مصري 2014: هل اكتملت الثورة المضادة؟" ويقول فيه إن أفراح ثورة يناير 2011 قد تبددت وحل محلها نوع من الحكم الشمولي، وتساءل في ظل الوضع الحالي الذي يؤكد فيه فوز المشير عبد الفتاح السيسي إن قرر الترشح للرئاسة عن طبيعة السلطة التي يرغب بأن يراكمها في يديه حالة انتخابه.
وبدأ كينغزلي تقريره بالحديث عن رسالة الناشط
علاء عبد الفتاح الذي يقول فيها إنه واحد من بين 16 ألفا يقبعون في سجون النظام الجديد.
وكتب في الأسبوع الماضي رسالة من زنزانته جاء فيها "الكل يعرف أن معظم السجناء هم من الشباب حيث يستهدف القمع جيلا بأكمله لإخضاعه للنظام الذي يعرف أنه منفصل عنه ولا يريد ولا يستطيع التعايش معهم أو شملهم" في منظومة حكمه.
ويعلق كينغزلي أن الرسالة التي كتبها الناشط تقدم تقييما قاتما عن مصر المعاصرة بعد ثلاثة أعوام وشهرين من ثورة كان يفترض أنها عززت قوة عبدالفتاح وغيره ممن سجنوا معه.
وفي رسالته يشير عبد الفتاح للطبيعة العشوائية في عملية اعتقال الشباب والتعذيب الذي يتعرض له الآلاف وعدم الاهتمام الذي يبديه الرأي العام من هذه الممارسات.
ويلاحظ مراسل الصحيفة أنه لم يعد أمرا غريبا الحديث بين الثوريين المصريين ودعاة حقوق الإنسان والمحامين، والقول بأن مصر عادت لعصر مبارك من جديد أو أسوأ منه.
وبالنسبة لعبد الفتاح فصورة الثورة قلبت رأسا على عقب، فيما يضيف آخرون الكثير من الانتقادات؛ عنف الشرطة اللامحدود، سجن صحافيين، حظر أي نوع من أنواع الاحتجاجات التي قادت مسيرة الثورة عام 2011 وأطاحت بنظام مبارك، نفي محمد البرادعي (سياسي) ووائل غنيم (ناشط) ويضاف لهذه القائمة إمكانية انتخاب المشير السيسي قائد الجيش كرئيس للجمهورية في الانتخابات القادمة والذي أكد حضوره العودة لأسلوب نظام مبارك الديكتاتوري في الحكم.
وفي الحكومة الحالية في مصر يكتب وزير سابق في حكومة الرئيس محمد مرسي الذي انقلب عليه في 3 تموز/ يوليو العام الماضي "لم يبق هناك من له صلة بثورة يناير 2011". وفي الوقت الذي يناقش فيه الكاتب هذه المقولة التي وردت في مقال ليحيى حامد نشره الأسبوع الماضي في "الغارديان" بناء على طريقة حكم مرسي ودور الإخوان في الثورة حيث يزعم أعداؤهم أنهم جاءوا للثورة متأخرين.
المهم كما يقول كينغزلي أن مفهوم حامد العام صحيح، فالتعديل الحكومي الأخير أدى لرحيل معظم الأصوات المعتدلة -من العلمانيين والليبراليين- الذين دعموا الانقلاب، ليس لأنهم كانوا يرغبون بعودة الشمولية ولكن لأنهم كانوا يريدون جرعة أقل منها.
وتظل عودة الديكتاتورية وكونها مشابهة لنظام مبارك أمرا مفتوحا للنقاش. ويقول إن هناك الكثير الذي يقال عن سيطرة السيسي الكاملة على السلطة. ولكن ما هي حجم السلطة الحقيقية التي يتمتع بها وما هي طبيعة العلاقة بين الجيش والشرطة والأمن والحكومة والقضاء؟ وهذا أمر غير معروف، صحيح أن لدى السيسي أتباعا متملقين يتذللون له وهم كثر في مصر اليوم.
ويرى مايكل هانا المحلل في شؤون مصر أن "أبرز ما يميز اللحظة الحالية في مصر أن لا أحد فيها يملك السلطة"، مضيفاً "في الحقيقة الجيش لا يسيطر ولا يقوم باتخاذ قرارات منظمة"، وحتى لو كان السيسي مع القمع في مصر إلا أنه قد لا يقوم بتنسيقه وربما قامت به جماعات أخرى في داخل النظام استغلت الفوضى لتعزيز سلطتها، وعليه فالامتحان الحقيقي سيحصل في مرحلة ما بعد الانتخابات.
وعندها "هل سيبدأ السيسي بدعم من الجيش وبتفويض انتخابي باتخاذ القرارات" كما يقول هانا.
ويشير الكاتب إلى أن السيسي إن تصرف في مرحلة ما بعد الانتخابات فلن يتصرف كممثل لنخبة مبارك، صحيح أنه عمل مديرا للاستخبارات العسكرية في عهد الرئيس المخلوع، وصحيح أن رئيس الحكومة كان عضوا في الحزب الوطني، لكن ما هو معروف أن الجيش ونخبة مبارك في الأيام الأخيرة من حكمه كانوا على خلاف شديد، حيث هددت النخبة هذه إمبراطورية الجيش الاقتصادية، وعندما سقط مبارك كان أول من تعرض للعقاب والانتقام هم أعضاء الحزب الوطني بمن فيهم نجل مبارك، جمال وليس الجيش.
وينقل كينغزلي عن ضابط في الجيش حرصه على تصوير الجيش بالمنقذ للبلاد بقوله إن "الحزب الوطني أهمل المجتمع" وكان "فساد أعضائه سببا في استمرار معاناة السكان، ولن يعودوا أبدا للسلطة ولن يعود عهد مبارك أبدا، عهد جديد قادم".
وسواء كان عهدا جديدا أم يمت بصلة لمبارك ورجاله فكما تظهر رسالة علاء عبد الفتاح، فإن العهد الجديد لن يخلو من ملامح قمعية تشبه القديم.
وفي الوقت نفسه يقول آخرون إن الأزمة الاقتصادية الخانقة لن تسمح للحكومة بمواصلة قمع الناس لأمد لا نهاية له. وكما تظهر إضرابات العمال فلا يوجد لدى الحكومة ما تقدمه للمواطنين مقابل حرمانهم من حقوقهم السياسية.
وحتى في ظل هذا التقييم القاتم فما حققته الثورة وما بقي منه سيستمر، وبحسب سمير رضوان، وزير المالية في مرحلة ما بعد مبارك "لا أعتقد أنه سيكون باستطاعتك القضاء على المبادئ الديمقراطية التي تحققت في السنوات الأخيرة"، ويرى رضوان أن المجتمع المدني المصري في حالة جيدة أحسن مما كان عليه قبل ثورة 25 يناير.
كما يشير الكاتب إلى أن هناك العديد من الناشطين الذين يعتقلون ويرسلون لمراكز الاعتقال منهم ناشطون عارضوا الدستور الجديد الذي يحتوي كما يقول الصحافي على بعض المواد التي حظيت بدعم من الكثيرين.
ويتوقع الناشطون عندما يلقى القبض عليهم التعذيب والضرب لكن دخول السجن ليس باتجاه واحد، هو يشير إلى بعض الأحكام التي صدرت على رجال شرطة منهم الضابط المتهم بخنق 37 معتقلا في عربة شرطة في آب/ أغسطس حيث تشير هذه الأحكام لاستقلالية القضاء، مع أنه -أي كينغزلي- يعترف أن الحكم الذي صدر على الضابط وغيره يعتبر مهزلة مقارنة بالأحكام الصادرة على مؤيدي مرسي.
ويضيف أيضا انتقادات هشام جنينة المحاسب القانوني العام الذي انتقد الشرطة التي عوقت عمل الموظفين التابعين لمكتبه والسماح لهم بمراجعة حساباتهم.
وكشف جنينة لأوبزيرفر أن المحاسبين الذي يقومون بمراجعة حسابات الشرطة يتلقون أموالا من الضباط لضبطها بالطريقة التي يريدونها.
لكن وبالنسبة للآلاف من مؤيدي مرسي ممن ألقى بهم النظام الحالي في السجن، أو الشباب الإسلامي المحبط وتظاهراته في الشوارع، فهناك القليل من التفاؤل أمام حملة واسعة من القمع.
ففي رسالته قال علاء عبد الفتاح إن المصريين خدعوا أو سمحوا لأنفسهم بهذا وأن عملية تحول ديمقراطي مزيفة وعرض تجري "فالعرض يساعد على توطيد الأوضاع" ويحرف أنظار الناس إلى أمور لا قيمة لها "تفاوض، نصيحة، وتمثيل قانوني، جهود مع الإعلام وحتى نصل لوضع ثبت إدانة كل متهم، وهذا الأمر يعود للثوريين لتجنب السجن أو القتل".
ويختم بالقول "كل شخص يعرف أن لا أمل لنا ممن في السجن إلا من خلالكم فماذا أنتم فاعلون".