يطل المواطن
الفلسطيني موسى دراغمة من شرفة منزله في مدينة طوباس شمال شرق الضفة الغربية، على أكثر من 200 دونم ( 200 ألف متر مربع) من الأراضي الزراعية التي يملكها، ويستغلها في زراعة نحو 30 صنفا من
الأعشاب الطبية، لأغراض التصدير إلى الخارج.
موسى الذي بدأ مهنته من الصفر كما يقول قبل نحو 20 عاماً، يملك اليوم استثمارات تفوق قيمتها 4 ملايين دولار، (غير قيمة الأراضي التي يملكها)، وغيره مئات المزارعين الذين يملكون أكثر من 30 ألف دونم (30 ألف متر مربع ) في مناطق طوباس والأغوار الشمالية شمال شرق الضفة الغربية على الحدود مع الأردن.
وتعد مناطق طوباس والأغوار الشمالية، من أكثر أراضي الضفة الغربية خصوبة، وملائمة لزراعة غالبية أصناف الخضار والأعشاب الطبية، بسبب طبيعة طقوسها على مدار العام، وهي تلقب بـ (السلة الغذائية الفلسطينية)، لذا فإنها تعد سبباً رئيسياً في تعقد المفاوضات السياسية الجارية حالياً.
يقول دراغمة، وهو يرتب صناديق مليئة بعشبة النعنع المعدة للتصدير، إنه يمثل نموذجاً لمئات المزارعين الذين نجحوا في زراعة أعشاب طبية ذات مواصفات عالمية، "تفوقت وبجدارة على تلك المزروعة في إسرائيل والمستوطنات".
ويضيف، "على الرغم من أن بعض بذور الأعشاب الطبية نستوردها من إسرائيل، إلا أن هنالك بذوراً نستوردها من إيران وإسبانيا وإيطاليا (...)، لكن السماد العضوي، ودرجات الحرارة، ونوعية التربة جعلت من جودة الأعشاب المنتجة عالية جداً".
وتستهدف الأعشاب الطبية بشكل رئيسي أسواق الولايات المتحدة وكندا، كما أن السوق المصري يعد من أكبر الأسواق العربية لصادرات الأعشاب الفلسطينية.
ومنذ مطلع العام الجاري، نجح مزارعو الأعشاب الفلسطينيون من فتح أسواق الاتحاد الأوروبي أمام منتجاتهم، خاصة فرنسا والسويد والدنمارك، وفرنسا، وأوكرانيا، ليستفيدوا من اتفاقية الإعفاء الجمركي الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وبين الحكومة الفلسطينية.
ويعزو موسى ومزارعون آخرون، سبب فتح السوق الأوروبي حديثاً، إلى بدء دول الاتحاد تنفيذ قرار يقضي بمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، من خلال وسمها وتمييزها أمام المستهلك الأوروبي، ما أدى إلى تراجع حجم مبيعاتها، "كما أن أعشابنا طابقت المواصفات والمقاييس العالمية".
ويبلغ حجم الصادرات الشهرية لـ دراغمة نحو 20 - 25 طنا من الأعشاب الطبية شهرياً، "كل عام تقريباً أصدر ما مجموعه 250 طنا"، متوقعاً ارتفاع حجم الطلب في أعقاب المقاطعة الأوروبية لإسرائيل، "نأمل أن نحقق مكاسب من هذه المقاطعة".
وتعاني الزراعة في فلسطين من تراجع حاد في نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي، والتي لا تزيد عن 4.8? حتى نهاية العام 2012 (آخر الإحصاءات المتوفرة)، بينما لم تتجاوز حصتها من موازنة العام الماضي 130 مليون دولار، وفق وزير الزراعة في الحكومة الفلسطينية وليد عساف.
وقال عساف، إن الصادرات الزراعية في فلسطين ضئيلة مقارنة مع دول الجوار، "وهذا مرتبط بأسباب تبدأ من صعوبة توفير المياه بسبب سيطرة إسرائيل عليها، ولا تنتهي بتراجع أعداد المزارعين، الذين وجدوا من الزراعة مهنة لا تحقق الربح المأمول".
يذكر أن نسبة الزراعة من الناتج المحلي كانت تشكل في العام 1994 نحو 22?، وتواصل تراجعها إلى أن بلغت 4.8 % حتى نهاية العام 2012، وفق أرقام وزير الزراعة.رياضياً، فإن حصة الزراعة بلغت 500 مليون دولار في 2012، من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني خلال العام قبل الماضي، والذي بلغ 10.3 مليار دولار, بحسب مؤسسة "the united state confrance of mayors"، وهي مؤسسة أمريكية مستقلة، تعنى بدراسة حركة التذبذبات الاقتصادية والمالية للدول والبلديات حول العام.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، حققت الزراعة في الضفة الغربية، قفزة نوعية تتمثل في الانتقال من أساليب الزراعة البدائية إلى الزراعة المتطورة، والتي تعتمد على التقدم التكنولوجي في هذا المجال، وهو الأمر الذي يعتمد عليه الكثير من المزارعين.
يقول المزارع دراغمة، الذي أسس لبنية تحتية في المزارع التي يملكها، لتعمل على الأجهزة الالكترونية خلال وقت لاحق من العام الجاري، إن غالبية المزارع التي أقيمت خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تعمل من خلال التحكم عن بعد، سواء اختيار درجات الحرارة، أو الري، أو نسبة النمو في الأعشاب.
وما زاد من صعوبة تحقيق الزراعة أرقاما أفضل من السنوات الماضية، وفق للمزارع دراغمة وزملائه، ما يتعلق بالإجراءات الرسمية، التي تعقد من استكمال إجراءات التصدير. واضطر المزارعون خلال الفترة الماضية، لتوقيع عقد مع أحد الخريجين الجامعيين، ليتولى موضوع استكمال الإجراءات القانونية والرسمية، لدى وزارة الزراعة والاقتصاد والمالية، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، والواقعة جميعها في رام الله وسط الضفة الغربية، ما يبين حجم الصعوبات التي تواجههم قبيل تصدير أية شحنة.
في حين يرى الوزير عساف، أن الوزارة تعمل بكل جهدها لتخفيف الإجراءات البيروقراطية التي يعاني منها المزارعون، "وفعلاً بدأنا بإجراءات الربط الالكتروني الموحد بين المؤسسات المعنية، لتوفير الجهد والوقت على المصدرين".