كتاب عربي 21

الائتلاف وقرار الذهاب إلى جنيف

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600
نتفهم تماما حجج المعترضين على مشاركة الائتلاف السوري في مؤتمر جنيف-2، لاسيما أولئك الذي ينطلقون من منطلقات خوف حقيقية، وليس بعض المزايدين الذين يعتقدون أن التشدد يفيدهم أكثر من ناحية الجماهيرية، مع أن ذلك ليس صحيحا بالضرورة، ويعتمد على معنويات الناس وقناعتهم بإمكانية الانتصار، الأمر الذي أخذ يتراجع دون شك، أقله القناعة بانتصار قريب كما كان عليه الحال نهاية 2011، وربما مطلع 2012.

السياسة والحروب ليست أمنيات وحسب، وقد ثبت عمليا أن قدرة النظام على البقاء لا تزال كبيرة، ليس بسبب قوته الذاتية التي ما كان لها أن تمنحه فرصة الصمود حتى هذا الوقت، ولكن بسب المدد الهائل الذي يأتيه من إيران وحلفائها، وبالتأكيد من روسيا أيضا، فضلا عن استناده إلى حالة التفكك التي تعيشها جبهة الثوار وداعميهم.

لولا تدخل حزب الله والكتائب الشيعية الأخرى، وبالطبع بإشراف مباشر من الحرس الثوري، لما كان بوسع النظام أن يصمد كل هذا الوقت، فضلا عن أن يحقق بعض التقدم ويستعيد عددا من المناطق التي فقدها، بخاصة في ريف دمشق.

أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في حقيقة أن النظام لم يكن ليصمد من ناحية اقتصادية لولا التبني الإيراني الكامل لكلفة الحرب.

وحين تنتهي مسألة الانشقاقات في جبهة النظام ولا يتقدم الثوار ويحققوا نقاطا لافتة، فهذا يعني أن الحرب قد دخلت حالة من المراوحة؛ لا النظام يمكنه حسمها، ولا الثوار أيضا، فيما أدت هذه الحالة إلى إشكالية كبيرة في جبهة الثوار تتمثل في الاشتباكات التي جرت بين فصائلها لأجل السيطرة على بعض المناطق المحررة، وهي الاشتبكات التي تلقي بظلال كئبية على المشهد برمته.

سياسيا، يبدو وضع النظام أفضل بكثير من أي وقت مضى منذ اندلاع الثورة، ليس فقط لأنه سلّم السلاح الكيماوي، ويتعاون بسخاء مع اللجان المكلفة بتسلمه وتدميره، بل أيضا لأن البضاعة التي باعها لبعض الوقت قد أصبحت رائجة في الأوساط الدولية ممثلة في الحرب على الإرهاب، وها إن الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام تثبت ذلك، ومعها التعاون الأمني الأوروبي مع النظام لتتبع بعض المواطنين المسلمين من سكان القارة ممن جاؤوا للقتال في سوريا.

من المؤكد أن أحدا في المشهد الدولي لم يعد حريصا على رحيل الأسد إذا كان البديل هو انتصار الثورة، كما أن استمرار الحرب أصبح عبئا على الجميع، إن كانوا في جبهة النظام، أم في الجبهة الأخرى، فضلا عما ينطوي عليه من مخاوف فوضى وتقسيم، وبذلك أصبح الإبقاء على النظام مطلبا، وبما أن الإصرار على بقائه يعني إطالة أمد الحرب إلى زمن لا يعرف مداه، فقد توافق الجميع ضمنيا على الحل السياسي.

جنيف- 2 هو تعبير عن قناعة المجتمع الدولي، وسائر القوى العربية والإقليمية بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة، ولأن سؤال ماهية ذلك الحل هو محور النقاش، فإن حضور الائتلاف للمؤتمر كان ضرورة، لأن البديل هو تثبيت النظرية التي سادت دوليا ممثلة في الإبقاء على النظام، بل حمايته من السقوط، ولم يكن أحد ليفرح بقرار الائتلاف رفض المشاركة كما هو حال بشار الأسد.

نفهم قرار رفض مؤتمر كهذا لو أنه جاء قبل عام ونيف حين كان النظام يتقهقر، في ذات الوقت الذي كان التأييد السياسي للثورة أكبر، وللنظام أقل، ولكن المشهد اليوم تغير كثيرا، فالمشهد العسكري للنظام صار أفضل رغم بؤسه في ظل فقدانه السيطرة على نصف مساحة البلد، فيما وضعه السياسي أفضل بكثير كما أشير من قبل، بينما باتت الثورة أقرب إلى تهمة الإرهاب، منها إلى صفة الثورة الشعبية.

حالة كهذه تستدعي المناورة، والمناورة تقول إن الذهاب إلى جنيف سيحشر النظام في الزاوية، ويفضح نظرته للحل السياسي، وما إذا كان سيقبل بالفعل تشكيل هيئة انتقالية كاملة  الصلاحيات، أم أنه يريد تحولا شكليا لا يغير شيئا في جوهر النظام.
لن يخسر الائتلاف، بل لن تخسر الثورة، بما فيها رافضي جنيف شيئا في حال لم يكن العرض ملبيا للشروط، لكن ميزان القوى (سياسيا وعسكريا) يفرض نفسه في نهاية المطاف، وهو للأسف في غير صالح الثورة، من دون أن يعني ذلك أن فرص النظام في الانتصار متوفرة، إذا أنه انتصار لن يحدث، ولو استمرت المعركة 10 أعوام أخرى.

سيشمت شبيحة النظام ونبيحته بنا وبهذا الكلام، وهؤلاء قوم لا صلة لهم بالأخلاق ولا بالقيم، فمن يساند مجرما يقتل شعبه، يمكننا أن نتوقع منه أي شيء (بالمناسبة أين هي المؤامرة على النظام الآن؟!)، أما تأييدنا للثورة فكان أخلاقيا قبل أي شيء، لكن الحقيقة التي سينكرونها هي أن الوضع لن يعود بحال إلى سابق عهده، وصاحبهم بشار لا مستقبل له في سوريا، وبنية النظام لن تبقى على ما هي عليه بأي حال، وإلا فهي الحرب الطويلة، وهي النتيجة المحتومة بهزيمة النظام، ولكن بعد أن يكون الدمار قد أتى على كل شيء، وبعد أن تكون أقليته الملتفة من حوله قد خسرت نسبة كبيرة من رجالها، فيما سيكون النزيف الهائل من نصيب إيران وحلفائها؛ أعني النزيف المالي، على اعتبار أن النزيف السياسي قد وقع، لأن خسارة غالبية الأمة هي أكبر خسارة، بل هي أكبر من خسارة بشار الأسد ونظامه لو انتصر العقل.
التعليقات (1)
الميثاق
الثلاثاء، 21-01-2014 08:57 م
انت كاتب مميز جدا وواقعي