يحاول الإعلام
المصري المؤيد للانقلاب تصيد الخلافات بين العلماء من رافضي الانقلاب، بهدف الوقيعة بينهم، وبث الخلافات داخل المعسكر الإسلامي، الذي هو الآن على قلب رجل واحد، ضد الانقلاب الدموي، وبلغ ذروته بالتوافق الفعلي بين جميع فصائله على مقاطعة الاستفتاء على الوثيقة الدستورية لسلطات الانقلاب، على الرغم من الموقف الشاذ لبعض قيادات حزب "النور"، التي اختارت الاصطفاف إلى جانب الانقلاب.
أحدث ما لجأ إليه هذا الإعلام هو محاولة الوقيعة بين أنصار العالمين الجليلين الشيخ "أبو إسحاق
الحويني" عضو مجلس شورى العلماء السلفي، والدكتور يوسف
القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وذلك عبر بث تسجيل فيديو للأول يهاجم فيه الثاني واصفا فتاواه بالمتناقضة، داعيا المسلمين -في الوقت نفسه- إلى عدم الأخذ عنه، في الفقه، وأمورالدين.
وكان جاذبا أن جريدة "المصري اليوم" نشرت تقريرا بصفحتها الثالثة في عددها الصادر السبت 18كانون الثاني/ يناير 2014 بعنوان: "الحوينى" يهاجم "القرضاوى": لا تأخذوا عنه فقهاً".
وجاء فيه: "شنّ الداعية السلفى، أبو إسحاق الحوينى، عضو مجلس شورى العلماء السلفى، هجوماً حاداً، ضد الدكتور يوسف القرضاوى، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، واصفاً فتاواه بـ"المتناقضة" التى لا قيمة لها، داعياً المسلمين إلى عدم الأخذ منه فى الفقه وأمور الدين.
وقال "الحوينى"، فى فيديو تم تداوله عبر "فيس بوك"، ومنشور على الموقع السلفى الشهير "طريق السنة"، إن "علم الحديث لا يؤخذ إلا عن أهله، وإذا كان أحدكم يريد أن يأخذ عن الدكتور يوسف القرضاوى فأنا أرى ألا تأخذ عنه فقهاً أو حديثاً". وأضاف: "أنا ما رأيت فقيهاً يمكن أن يفتى فيقول ليل نهار وبتشدد: (قاطعوا المنتجات الأمريكية)، وإحنا لا نعارض، وبنقولك قاطع المنتجات الأمريكية واليهودية، لا بأس، لكن لما القرضاوى وهو متشدد فى هذه المسألة سئل عن الجندى الأمريكى المسلم إذا تلقى الأوامر بضرب إخوانه فى أفغانستان؟ قال: يضرب"، معقباً: "أنا والله ما أنا فاهم الحكاية دى". يذكر أن القرضاوى تغيب عن خطبة الجمعة بمسجد عمر بن الخطاب، بالعاصمة القطرية الدوحة، وحل مكانه الداعية السعودى محمد العريفى".(انتهى الخبر).
ولم تكن "المصري اليوم" -المعروفة بأنها ذراع إعلامية للانقلاب- الجريدة المصرية الوحيدة التي تناولت الموضوع إذ تعرض للنشر الواسع على مواقع الانترنت، والفضائيات المختلفة، ونشرته مواقع "العربية.نت"، و"المصريون"، و"اليوم السابع"، ومواقع أخرى كثيرة.
فيديو قديم
وباستقصاء حقيقة هذا الفيديو تبين أنه قديم، ويعود تاريخه إلى ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وأن تاريخ رفعه على موقع "يوتيوب" هو الثاني من فبراير عام 2011، وأن الجهة التي بثته شبكة "طريق السنة"، وأن مدته 9 دقائق و23 ثانية.. كما هو رابطه
هنا.
وفي الفيديو يعلق الشيخ الحويني على ما بلغه من إفتاء الدكتور القرضاوي للجندي الأمريكي المسلم إذا تلقى الأوامر بضرب إخوانه في أفغانستان أنه قال: يضرب". وهذا كلام لم يصدر أبدا عن الشيخ القرضاوي، وإنما الثابت عكسه تماما، إذ طالب القرضاوي الجندي الأمريكي المسلم بألا يضرب أخاه المسلم، سواء في العرق أو في أفغانستان، أو في غيرهما، تحت أي مبرر كان. وهذا هو المشهور عن الشيخ، وقد أعلنه مرارا وتكرارا، لا سيما في برنامجه الشهير "الشريعة والحياة"، مع الإعلامي أحمد منصور، على قناة الجزيرة القطرية.
توظيف الفيديو لصالح الانقلاب
لكن السؤال: لماذا يتم توظيف هذا الفيديو في هذه الفترة الآن؟ ولماذا يتم ربطه بغياب الدكتور القرضاوي عن خطبة الجمعة الماضية بمسجده "عمر بن الخطاب" في الدوحة؟
الواقع أن الهدف هو ضرب العالمين (الحويني والقرضاوي) أحدهما بالآخر، وتشويه سمعتهما معا، بجرهما إلى هذه المعركة الفرعية المصطنعة بين أنصارهما، خدمة لسلطات الانقلاب، التي توحد الرجلان في رفض الاعتراف بها، ودعا كل منهما إلى مقاطعة المشاركة في الاستفتاء على وثيقتها الدستورية مؤخرا.
علما بأن الهجوم على القرضاوي ليس جديدا في الإعلام المصري، وإنما الجديد هذه المرة محاولة النيل من "الحويني" بعد أن رشحت عنه مواقف ترفض الانقلاب، ومنتقدة لحزب "النور"، فضلا عن فتواه قبل أيام بمقاطعة دستور الانقلاب، نافيا تراجعه عن هذا الموقف، ومكذبا إعلام الانقلاب.
هذه حقيقة الأكذوبة الجديدة بمهاجمة الحويني للقرضاوي..وذلك بإخراج فيديوهات قديمة، وتلك حيلة مخابراتية معروفة، للوقيعة بين أقطاب التيار الإسلامي بشقيه: السلفي والإخواني؛ من أجل تشويه صورة الطرفين معا، وتحسين صورة الانقلاب، وذلك بإتباع الطريقة الاستعمارية القديمة: "فرق تسد".