كتاب عربي 21

الجاهل باللغة عدو نفسه

جعفر عباس
1300x600
1300x600
إنشاء قناة فضائية أمر في منتهى السهولة: تستأجر شقة صغيرة بها غرفتان وصالون/ مجلس، ويكون الأخير هو الستوديو، والغرفتان مكتبان للمدير وسكرتيرته، (سكرتيرة بتاء التأنيث)، ثم تحجز مقطعا فضائيا، ثم تحصل على كفيل يدفع قيمة المقطع الفضائي، وبهذا تكون العصمة في يده، وبعدها تتصل بعدد من مثقفي الصالونات، وتبلغهم صراحة انك لا تستطيع أن تدفع لهم مكافآت نظير ظهورهم في برامجك، وستفاجأ بأن معظمهم على استعداد لأن يدفعوا لك المبلغ الذي تطلبه كي يضمنوا الظهور على شاشات قناتك، متعللين بأن "كل شيء يهون في سبيل تنوير الرأي العام، وخدمة قضايا الأمة"، وتستعين بفتيات "اقتصاديات" من النوع الذي يستخدم الملابس البليغة ذات القدرة على "التعبير" بما قلّ ودلّ، ومن ثم يكتفي بربع متر من القماش من باب ضغط المنصرفات، وضغط أشياء أخرى (يقال ان المطربة XXXXX قررت ان تتحجب فلبست "شورت" يصل إلى الركبة!!)، ولا تحمل همّ رواتب أولئك الفتيات، لأن غيرك سيدفعها عن طيب خاطر!!! 

أجد متعة فائقة في قراءة اللافتات واللوحات التي تحمل أسماء المتاجر والإعلانات، فعلى كرهي للمتاجر والأسواق والتسوق والسوقة، إلا أن تلك اللافتات تشدني بسبب طرافة معظمها، وتبقى اللافتة الأثيرة عندي تلك التي كانت تعلو محلا لبيع ألواح الثلج في الخرطوم، ففي واجهته كان "الاسم": ثلاجة البشرية، وعلى الصندوق الضخم الذي كان يحوي الثلج جاءت عبارة: هوناء يوباع الثلج البارد، وبما أنني كنت أعرف مالك المحل، فقد رأيت أن ألفت انتباهه إلى بعض الأمور. ولم يكن هناك طائل من أن أشرح له موضعي الخطأ في كلمتي "هنا" و"يُباع"، ومن ثم حدثته عن أن اللافتة قد تنفِّر الزبائن منه، لأن "ثلاجة البشرية" اسم يليق فقط بغرفة حفظ جثث الموتى في المستشفيات، وأنه قد تؤدي (اللافتة) إلى رفع أصحاب محلات بيع الثلج الآخرين قضية تشهير ضده، لأن كونه يعلن عن أنه يبيع الثلج البارد، يعني ضمنا أن الآخرين يبيعون الثلج الحار/ الساخن/ المغلي، ولم يُجدِ كلامي معه لأن حركة شراء الثلج البارد من محله ظلت في ازدياد.

في السنوات الأخيرة دخلت سوق النقل الجوي العربي شركات تتولى نقل الركاب بسعر التكلفة، أو ما هو أقل منه، وقرأت مؤخرا إعلانا ترويجيا لإحدى تلك الشركات، وأدركت أن عمرها سيكون قصيرا لأنها لا تحسن مخاطبة الجمهور، فـ "شروط السفر" التي أسمتها "وثيقة"، مكتوبة بلغة ركيكة، ومليئة بالأخطاء النحوية والإملائية: ما معنى "الوزن الزائد لكل كيلو"؟ الكيلو نفسه "وزن" فكيف يكون الوزن المجرد زائدا أو ناقصا؟ طبعا المقصود "سعر كيلو الأمتعة الزائد عن الحد المسموح به"، و"عليك أن تتقدم للتذاكر المتاحة عند زمن الدفع". أتقدم للتذاكر لطلب يدها؟ ثم هل من جهة على وجه البسيطة تستطيع بيع تذاكر غير "متاحة"؟ وهناك "الأطفال الرضيع"! هل نجح علم الاستنساخ في دمج عدة أطفال في رضيع واحد؟ وتتكلم الوثيقة عن "غير مطلوب أي تذاكر سفر.." وبعدها بسطر واحد تقول "تذاكر الأطفال هي نفس تذاكر الكبار".. يا مثبت العقول يا رب، وهناك بند يقول: الطعام والشراب لن يتم تقديمه "مجاننا".. بنونين!! 

 ونستعرض بعض شروط السفر على متن طائرات الشركة: ليس من حقك استرداد أي مبلغ تدفعه نظير السفر على طائراتها، (ما عد) أي "ما عدا" في حالة الوفاة والمرض.. وفي كلا الحالتين عليك إبراز شهادة طبية بذلك، يعني عليك فور وفاتك التوجه الى المستشفى للحصول على شهادة وفاة، ولن يكون ذلك بالأمر السهل، لأن الطبيب الشرعي سيفقد قواه العقلية فور وقوفك أمامه، وحتى لو صمد واحتفظ ببعض قواه العقلية، فإنه سيتمسك باللوائح ويقول لك إنه ليس من حقك كـ "متوفى" أن تغادر الثلاجة أو القبر. ومن ميّزات السفر مع هذه الشركة انه يُسمح لكل مسافر اصطحاب رضيع واحد مجانا. وبالتالي إذا كنت والد توأم، يمكنك ان تسافر به مجانا بان تقول لأحد المسافرين: الله يخليك ممكن تتبنى وليدي هذا حتى نهاية الرحلة؟ ولو عندك طفل في الثالثة مثلا شجعه على أكل الحلويات حتى تتكسر أسنانه وتحمله على حجرك داخل الطائرة بعد ان تضع في فمه رضاعة اصطناعية تحوي عصيرا أو حليبا، وكي لا يفضحك أبو ثلاث سنوات ضع بضع قطرات من دواء سعال في زجاجة الرضاعة، وبذلك تضمن نومه وعدم انفضاح حالك!

 بالله عليكم كيف يمكن لشركة لا تستطيع إدارة حوار مع عملائها أن تدير طائرات تنقل أولئك العملاء "مجاننا" أو نظير مقابل نقدي؟
التعليقات (1)
ابن محمد علي
السبت، 18-01-2014 05:48 م
استمتعت وربي من مقالتك وليس ما يعانوه الكتاب: الخطأ في المبنى فقط بل الخطأ في المعنى ايضاً وقد اشرت في مقالتك إلى بعضها ذات مرة وانا اسير في احدى شوارع صنعاء وكالعادة اقرأ اسماء المحلات دون شعور أني اقرأها إلا استوقفتني لوحة اعلانية مكتوب عليها محلات أبو الداعر لبيع الهواتف فقلت سبحان الله ما اعظم جرم هذا الاب على ابنه وأنا اجزم أن الأب لا يدري عن ذلك