قد يسأل الناس بعد قراءة مذكرات وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت
غيتس، ذات الأسئلة المقلقة التي تخرج بها صحف الصباح هذه الأيام: كيف انهارت عملية السياسة الخارجية لإدارة
أوباما بهذه الطريقة، وكيف يمكن إصلاحها؟ لا شك أن كتاب غيتس يساعد على إجابة اللغز الأول.
بحسب رواية غيتس فإن «خطيئة أوبا الأصلية» كانت في ديسمبر (كانون الأول) 2009 عندما قرر إضافة 30 ألف جندي في أفغانستان مع تحديد مدة مهمتهم. وشعر الرئيس أنه مدفوع من المؤسسة العسكرية نحو سياسة نشر القوات الأميركية بأعداد كبيرة، ويبدو أن البيت الأبيض ندم على هذا منذ ذلك الوقت.
قال أوباما، دونما حاجة لقوله، في الاجتماع الأخير لغرفة الاجتماعات بالبيت الأبيض «إني أعطي أمرا»، عندما دعم استراتيجية مكافحة التمرد في منتصف الفترة، الواردة في قائمة خيارات اللواء ستانلي ماك كريستال. كتب غيتس بمرارة «كان ذلك غير ضروري ومهينا ودليلا إيجابيا على عمق ارتياب البيت الأبيض التابع لأوباما في القيادة العسكرية للأمة». وبحلول يونيو (حزيران) 2010 كان يسّر أوباما القول لغيتس «لا أشعر أن الأمور تسير على ما يرام في أفغانستان. فلا يبدو أنه (يعني ماك كريستال) يحقق نجاحا. قد لا تكون استراتيجيته تحقق غرضها».
إنه أكبر كابوس للقائد العام للقوات المسلحة الأميركية أن يتورط في حرب لم يعد مقتنعا بها. حطمت حرب فيتنام الرئيس الأسبق ليندون جونسون ووزير دفاعه روبرت ماكنمارا. وحرب أفغانستان أضرت كثيرا بأوباما وفريقه.
كان غيتس أمينا بدرجة قاسية فيما كتبه حول زملائه السابقين. لكن «هذا القارئ» تُرك وهو يتساءل لماذا واصل غيتس عمله في إدارة «مع أناس يتحدثون بسرور عن استخدام القوة وكأنها لعبة من ألعاب الفيديو». لماذا لم يستقل غيتس؟ ربما كانت الإجابة هي مثل إجابة لماذا تمسك أوباما بسياسة يشك فيها؟ لا تتيح الحرب أحيانا الخيارات النظيفة، فإما أن تأخذ كل شيء أو تترك كل شيء، فالناس يمضون في مهامهم بأحسن ما يستطيعون.
مسؤولو البيت الأبيض مستاءون من كتاب غيتس. لكن عليهم الاستفادة منه كفرصة لبحث السؤال الأعمق حول كيف اختلّت عملية السياسة الخارجية بذلك المستوى، وما الذي يمكن أن يفعلوه لإصلاحها.
إن كان هناك أي فرق فالوضع أسوأ الآن مما كان عليه عندما كان غيتس في البنتاغون: كان واحدا من «فريق الخصوم» الذي ضم قياديين أقوياء مثله، هيلاري كلينتون من وزارة الخارجية وليون بانيتا من وكالة الاستخبارات الأميركية ثم وزارة الدفاع والجنرال ديفيد باتريوس في كابل ووكالة الاستخبارات الأميركية. كان في قلب هذه العملية توم دونيلون مستشار الأمن القومي الذي لا يحبه غيتس كمفوض سياسي، لكنه كان فاعلا لحفظ النظام وسط فريق، كما أوضح غيتس، أفراده يغلون دائما.
استبدل فريق الأحلام (بكل خلله الوظيفي) بمجموعة أقرب إلى خط أوباما الضجر من الحرب، الرئيس الذي يريد الخروج من أفغانستان ويقاوم التورط في سوريا. وأجمع المسؤولون الذين تحدثت إليهم أن هذه المجموعة باستثناء وزير الخارجية جون كيري، أضعف وأقل ثقة بالنفس من سابقتها. ظلت مستشارة الأمن القومي سوزان رايس شبه مختفية في وقتٍ كان فيه حلفاء الولايات المتحدة في أشد الحاجة للتواصل. أما وزير الدفاع تشاك هيغل الذي كان محبوبا للغاية عندما كان نائبا سابقا في مجلس الشيوخ، فقد رأى الشعب أنه أربكته بعض الخيارات السياسية التي تواجه البنتاغون.
كانت إشارة سيئة عندما كان هيغل يبحث عن نائب لوزير الدفاع ليحل محل أشتون كارتر ولم يبد عدد من قمة المرشحين للمنصب تحمسهم مثل وكيلة وزارة الدفاع الأميركية السابقة ميشيل فلورنوي. ويقال: إن الأمر استقر بهيغل على روبرت ويرك وكيل الوزارة للبحرية الأميركية، الذي حصل على درجات جيدة من زملائه السابقين، ولكنه ليس معروفا جيدا لا داخل الولايات المتحدة ولا خارجها.
الواقع أن أوباما يحتاج إلى الاعتراف بسياسته الخارجية وأن يكون أكثر استراتيجيا وأقل سياسيا. يحتاج إلى وضع رؤية وربطها بالحلفاء والخصوم. وعلى مستشارته للأمن القومي مساعدته ليركز على قراراته المتعلقة بالسياسة وعلى تبليغها. كانت هذه الانتقادات صحيحة بالنسبة للفترة التي وصفها غيتس، عندما كان الرئيس محاطا بشخصياتٍ قوية. وهي أكثر صحة الآن والمجموعة أقل خبرة.
أحد الأمثلة على كيفية مقدرة أوباما على دفع السياسة هو أسلوبه مع إيران. فقد كان أوباما استراتيجيا ومنضبطا في تعامله مع طهران، ففتح الباب أمام المفاوضات حول القضية النووية وكون أيضا ائتلافا مع الأمم المتحدة من أجل عقوبات أشد للضغط على إيران لقبول الحوار.
(الشرق الأوسط)
يعترف غيتس: «ترك (فريقنا من الخصوم) المشاعر الشخصية وعدم الثقة يشوب إدراكنا وتوصياتنا». ذلك صحيح ولا يمكن إصلاح الخلل إلا بواسطة الرئيس.