نشرت صحيفة الإندبندنت اللندنية مقالا لمراسلتها المختصة بشؤون الإتحاد الأوروبي، تشارلوت ماكدونالد-غيبسون حول مواجهة الدول الأوروبية للأزمة
الاقتصادية ببيع بعض ما يعتبره الكثير إرثا تاريخيا وثقافيا، تقول في مطلعه: "تعتبر
أوروبا التقشف للبعض أرضا للفرص .. قلاع وجزر وجنسيات معروضة للبيع، ولكن ليس كل أهل هذه البلاد راضين بهذا الوضع".
وتضيف الكاتبة "يشكل عام 2014 فرصة لحياة مترفة للمواطن غير الأوروبي الذي يملك بعض الملايين في حسابة البنكي. إبتداء عليه أن يشتري جواز سفر مالطي يكلفه 1.15 مليون يورو (960 ألف جنيه استرليني)، فيصبح حاملا لجنسية دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. وليتفاخر بعد ذلك بشراء فيلا كاردينال في إيطاليا ويجعلها سكنه الرئيسي ولقضاء إجازة شتوية من عالم الأحلام يمكنه شراء قلعة بولندية بسعر زهيد. وأي منتجع هادئ للعطلة الصيفية أحسن من أرخبيل يوناني يكلف فقط 8.5 مليون يورو؟!".
إن تنزيلات "ما بعد الحريق" الأوربية والتي بدأت عندما اضطرت الحكومات إلى سد الثغرات في ميزانياتها المترنحة بابتكار طرق جديدة؛ وصلت اليوم إلى مستويات متقدمة حيث بدأت الحكومات بعرض الممتلكات الحكومية الأكثر غرابة.
ولكن ردة فعل بدأت تتكون ضد هذه السياسة، ومن المحتمل أن تؤدي إلى صدام بين الحكومات والمواطنين حول من يملك الحق بأن يتصرف بتاريخ وثقافة البلد.
وعلى سبيل المثال، فإن بيع الجوازات المالطية والتي كان من المتوقع أن تعود بثروة على الحكومة تسببت باحتجاج شعبي أجبرت الحكومة لإعادة النظر في الخطة. كما أن غضب السكان المحليين عطل صفقة بيع جزيرة إيطالية لرجل أعمال من نيوزيلاندا. وحتى لو استطاعت الحكومات تجاوز المعارضة السياسية الداخلية لبيع "إرث العائلة"؛ فإن خبير الخصخصة البريفيسور وليام ميغنسون يرى أن هناك عددا من العقبات التي ستواجه الحكومات تتراوج ما بين قلة رغبة في شراء ممتلكات حكومية غير جذابة إلى حقوق ملكية غير واضحة المعالم.
ويقول الدكتور ميغنسون، الذي يدرس مادة الموارد المادية في جامعة أوكلاهوما والمستشار السابق للجنة الخصخصة في الحكومة الإيطالية: "في حالة اليونان كان هناك عدد من المبيعات ولكن عندهم مشاكل أساسية في الممتلكات التي يستطيعون بيعها منطقيا - الأرض- حيث أنهم يفتقرون إلى سجل عقاري دقيق، وليس من الواضح من يملك الأرض ليبيعها. ظاهريا تبدو الفكرة رائعة ولكن هناك مشاكلة سياسية مرتبطة ببيع أجزاء من البلد."
ومع أن موجة من الخصخصة لم تجتح أوروبا بعد
الأزمة، إلا أنه كان هناك مبيعات حازت على العناوين الرئيسية وبالذات في اليونان الأكثر تضررا. ففي أيار/ مايو وقبل شهر من تنازله عن الإمارة لإبنه قام أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني بشراء ستة جزر في البحر الأيوني، كانت مملوكة ملكية خاصة بـ 8.5 مليون يورو.
ولكن السلطات الإيطالية لم تجد من السهل بيع جزيرة أو اثنتين للحصول على بعض المال؛ ففي تشرين أول/ أكتوبر أنفق رجل الأعمال النيوزيلاندي، مايكل هارتي، 2.9 مليون يورو على جزيرة بوديلي وهي عبارة عن حديقة وطنية محاطة بالرمل الوردي بالقرب من سردينيا. وقال بأنه سيحافظ عليها، ولكن نشطاء البيئة كانوا غاضبين وجمعوا 85000 توقيعا تطالب بالعودة عن بيع الجزيرة والحكومة تفكر الآن في إعادة الجزيرة لملكيتها.
ولكن الحكومة الإيطالية لا تزال تنوي بيع أماكن أخرى أقل شهرة، فحسب تقرير في صحيفة (ذي لوكال) الإلكترونية هناك 50 عقارا معروضة في المزاد للحصول على مبلغ 500 مليون يورو لتساعد في تسديد ديون إيطاليا. من بين هذه العقارات القلعة التي أقام توم كروز وكاتي هولمز حفل زواجهما فيها وسجن سابق وفيلة ميرابيلينو التي كانت سكنا لكاردينال لومباردي في القرن الثامن عشر.
ومع أن الحكومة تقول بأن هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على البنايات التاريخية المتداعية، إلا أن الكثيرين مذعورين من وقوع ما يعتبرونه كنوزا وطنية في أيدي أشخاص، كما بدأ مجموعة من المواطنين حملة تهدف إلى منع بيع فيلة ميرابيلينو.
وإذا نجحت هذه الحملة فما على الأثرياء إلا التوجه إلى بولندا حيث تعرض 30 قلعة تملكها الحكومة للبيع، وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن وزارة الزراعة البولندية تحضر لعرض 140 قلعة أخرى للبيع، ولكن شراءها سيكون أسهل بامتلاك جواز سفر أوروبي وهنا يأتي دور مالطا لمنح مثل هذا الجواز.
هناك عدد من الدول الأوروبية التي تمنح الجنسية للمستثمرين الأجانب، ولكن معظمها يشترط الإقامة لعدة سنوات أولا؛ أما مالطا فقد تجاوزت موضوع الإقامة في حالة استثمار مبلغ 650 ألف يورو حيث يأمل رئيس الوزراء الماطي، جوزيف مسقط أن يدخل للخزينة حوالي 30 مليون يورو في العام عن هذا الطريق.
ولكن هذا المشروع أثار ضجة في الأوساط السياسية ولذلك فقد وضع جانبا بشكل مؤقت، قبل أن يتم إحياؤه مرة أخرى منذ أيام بأسعار جديدة حيث وصل السعر إلى 1.15 مليون يورو، على أن يستثمر 500 ألف منها في العقارات والأسهم والسندات في الجزيرة. وتنهي الكاتبة مقالها بتحذير: "حتى لو تم اعتماد القانون المثير للجدل فعلى من يأمل الحصول على جنسية أوروبية أن يفكر مرتين قبل شراء الحلم الأوروبي؛ لأن المعارضة في الحزب القومي تتوعد إلغاء القانون إذا ما عادت إلى سدة الحكم."