مقالات مختارة

فضيحة "جزائرية - سعودية"

عبد العالي رزاقي
1300x600
1300x600
من يقرأ كتاب زعيم خنشلاوي (التصوير الروحاني في الفلكلور الجزائري) الذي كتبت مقدمته وزيرة الثقافة يجد نفسه أمام سؤالين جوهريين: هل المطلوب أن تتحول مدينة تلمسان التي توفي بها عبد القادر الجيلاني إلى قطب شيعي يضاف إلى النجف وقم؟ وهل هناك حرب خفية بين الشيعة والوهابية في الجزائر من جهة وبين الشيعة والسنة من جهة أخرى؟
هل كانت الجزائر شيعية؟

احتوى الإصدار الخامس للمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ الذي مولت طباعته وزارة الثقافة عام 2008م على دراسة بعنوان "وقفة أبو مدين الغوث في مدينة القدس" من توقيع محمد ماجد صلاح الدين الحزماوي بجامعة القدس بدولة فلسطين، وأعيد نشرها حرفيا باسم زعيم خنشلاوي وتوثيق محمد محمد الحزماوي عام 2009م في كتاب بعنوان (وقف سيدي أبو مدين في القدس الشريف) والتوضيح الذي قدمه الدكتور الحزماوي (الخبر 28 نوفمبر 2013) بوجود خطأ في الغلاف لا يوجد في النص الأصلي ما يؤكد ذلك.
يحاول كتاب زعيم خنشلاوي إعطاء الانطباع بأن المذهب المالكي هو المذهب الرسمي للجزائر أما الشعب فما يزال معتقده شيعيا منذ الدولة الفاطمية حتى الآن ويستند إلى أن "الوجوه الأقرب للعاطفة الروحية التي يجري تكريمها شعبيا مثل آل النبي تعرف تمجيدا عظيما في الجزائر ... ويمكن القول أن الأمر يشتم منه رائحة التشيع المبطن العائد بلا شك الى الحقبة الفاطمية بالرغم من الحضور الشرعي للخليفتين أبي بكر وعمر وهما وجهان ضعيفان في بلد لم يحظ لا هذا ولا ذاك بهالة القداسة التي يتمتع بها إلى اليوم سيدنا علي وفاطمة والحسن والحسين . ص ص 58 - 59".

يوهم الكتاب قارءه بأنه يدرس الرسوم الدينية الشعبية التي يسميها تصاوير، مركزا فيها بالرسم والدراسة على عبد القادر الجيلاني المعروف شعبيا بالجيلالي انطلاقا من مقولته: "قدمي هذه فوق رقبة كل ولي" وهي عبارة قالها قبل ثلاث ساعات من وفاته في مدينة تلمسان، ويضفي عليه في الكتاب صفة "سلطان الأولياء" و"بوعلام" في "ديوان الصالحين" ويذهب إلى القول بأنه "لا أحد في الجزائر يجرؤ على نطق اسم الجيلاني دون مرافقته بعبارة التقريظ مثل: شيء لله ـ شاهد الله ـ سيف الله ـ أمر الله ـ برهان الله ـ أية الله ـ غوث الله ـ فضل الله ـ أمان الله ـ نور الله ـ قطب الله الخ...ص 46" ومثل هذه الأوصاف لا تحتاج إلى تعليق.

الملفت للانتباه أن بعض مراجع المؤلف استشراقية ولو اطلع على كتابات شيخ المؤرخين الجزائريين أبي القاسم سعد الله لتدارك الكثير من الأخطاء، فسعد الله يقسم الزوايا إلى قسمين: زوايا الدولة العثمانية وزوايا العهد الاستعماري التي تباينت في مواقفها، فالتيجانية في عهد أحمد عمار التيجاني (حفيد مؤسسها) تراجع دورها بسبب زوجته الفرنسية أوريلي ديكارت التي كانت ابنة سجانه وأنجبت له ثلاثة أطفال، والزاوية العمارية التي أسسها سيدي عمار بوسنة كان أغلب مريديها من قدماء المحاربين في الجيش الفرنسي، أما الزاوية الرحمانية فقد أعدم أحد شيوخها سنة 1936م بسبب علاقته بعمر المختار بطل المقاومة الليبية.

الكتاب الأكثر تداولا؟

تتداول شبكات التواصل الاجتماعي مذكرات مستر همفر الجاسوس البريطاني الذي بدأ مهمته عام 1710 في الأقطار العربية والإسلامية (اسطنبول ـ مصر ـ العراق ـ الحجاز ـ إيران) مع تسعة جواسيس آخرين، ومن  يقرأ هذه المذكرات يتساءل: هل  توسيع حلقات "أدعياء " التصوف وترويج الزهد ونشر الكتب التي تطعن في هذه الفئة أو تلك، وتسويق الرسوم (التصاوير) المنسوبة إلى الإسلام هو استمرار للمشروع البريطاني خاصة وأن مصادر كتاب (التصوير الروحاني في الفلكلورالجزائري) هي الترجمة العربية للكتب المقدسة التي نشرتها الجمعية البريطانية عام 1872؟.

كلفت وزارة المستعمرات البريطانية الجاسوس همفر الذي يتقن العربية والفارسية والتركية ومن معه بمهمة التسلل إلى شيوخ الدين في الوطن العربي والإسلامي  فتعرف على محمد بن عبد الوهاب الذي يحسن اللغات نفسها وزوّجه بامرأة اسمها صفية تعمل لصالح بريطانيا وأقنعه بأنه أهم من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب.
تمكنت بريطانيا من جلب محمد بن سعود إليها ليتحالف مع محمد بن عبد الوهاب لقيام الدولة السعودية فكونت بهما القوة العسكرية والدينية وزعم همفر أن "المحمدين" ينفذان مشروعا بريطانيا؟ .

والحق يقال إن الشيخ عبد الحميد بن باديس يقول عن محمد بن عبد الوهاب بأنه: "لم يدع إلى مذهب مستقل في الفقه"، وحتى مؤسس الدولة السعودية أعلن يومئذ "نحن لسنا أصحاب مذهب وعقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد" لكن همفر يؤكد أنه كان يحمل أفكارا ليست شيعية وإن كانت تقترب من السنة، ويسجل وجود 12 موطن ضعف في بلاد العرب والمسلمين طالب بضرورة استثمارها كالخلاف السني الشيعي بينما يؤكد على وجود 23 نقطة قوة دعا إلى هدمها منها عدم الاهتمام العربي الإسلامي بالقوميات والأقليات والتمسك بالعقيدة وتقديس القرآن والحديث واعتبار الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ويكشف عن مخطط بريطاني يعتمد على توسيع حلقات أدعياء التصوف ودعم استبداد الحكام تحت شعار "ظل الله في الأرض" والزعم بأن الإسلام يحتقر المرأة (الرجال قوامون على النساء) و(المرأة شر كلها) في بعض كتب السنة، ويتوقف عند وثيقة تعاون مع قياصرة روسيا وفرنسا للاستيلاء على المناطق الإسلامية والعربية وتوزيع المدن على أصحاب الديانات الأخرى، فالإسكندرية للمسيحيين ويثرب لليهود والموصل لليزيدية وطرابلس للدروز ومسقط للخوارج وغيرها، ويدعي بأن مهمة ذلك قد أوكلت للدعوة الوهابية فهل تشجيع السعودية للأحزاب السلفية لمحاربة الإخوان المسلمين وتهديم قبور الأولياء والصالحين وطمس آثار أهل البيت ليست جزءا من المخطط البريطاني؟ .

إن الفضيحة التي بدأت من الجزائر بمشروع حكم انتقالي إلى "عهدة سوداء" لتفكيك الدولة والتشكيك في قدرة الجزائر على قيادة الوطن العربي هي الفضيحة نفسها التي بدأت في السعودية في القرن 18 بإذكاء نار الفتنة بين الشيعة والسنة وهي التي نصت عليها المذكرات.
ومهما قيل عن هذه المذكرات فإنها ستبقى شهادة على وجود مشروع غربي لتدمير الوطن العربي ونشر الفتنة بين المذاهب والطوائف الدينية، فهل آن الأوان لكشف الوثائق السرية الموجودة في بريطانيا وفرنسا وروسيا لتدارك ما يجري الآن في الوطن العربي؟.
(الشروق الجزائرية 5 كانون أول 2013)
التعليقات (0)