نشأت المطربة الموريتانية و"النائبة" بمجلس الشيوخ، المعلومة
منت الميداح، في أحضان أسرة فنية عريقة، ورثت منها وتعلمت فيها أصول الموسيقي الموريتانية قبل أن تشق طريقها الفني في أواخر ثمانينيات العقد الماضي، وهي في سن مبكرة من عمرها.
حرصت "المعلومة" على أن تتميز بمقاماتها الخاصة وبلونها المميز الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، لقناعتها بأن النمط الموسيقي القديم لابد من استخدامه بشكل يتناغم مع ذوق شعوب اليوم ومع إضفاء مسحة من العصرنة عليه.
كانت الموسيقى هي باب "المعلومة" إلى عالم السياسة فبعد أن خرجت ابنة الـ 16 عاما على المألوف بغنائها أول لحن عاطفي تغنيه موريتانية في هذا السن، انصرفت اهتماماتها الغنائية إلى قضايا المجتمع كالفوارق الطبقية والغبن، ما جعل جمهورها يلقبها بـ"مطربة الفقراء"، وتأثرت في صباها سياسيا بحركة الكادحين من "اليسار الموريتاني" قبل أن تتحول لاحقا إلى التيار الليبرالي.
ورغم اعتزالها النشاط الحزبي المعارض وتخليها عن "حزب تكتل القوى الديمقراطية" المعارض (ليبرالي) منذ نحو عام لتتحول إلى نائبة مستقلة بمجلس الشيوخ (غرفة البرلمان الثانية)، لا تزال "المعلومة" تعاني مما تصفه بالحصار الإعلامي الرسمي لها.
** هل ترين أن الأجيال الشابة من الفنانين المعاصرين قادرة على النهوض بالموسيقي الموريتانية؟
ليس هناك شيء مستحيل، لكن أرى أن الجيل الحالي من الفنانين الشباب بحاجة إلى تربية متأصلة في عالم الموسيقي المحلية، بالإضافة إلي تنشئة أخلاقية تتناغم مع القيم الأخلاقية للمجتمع الموريتاني مع وعي معاصر بالتحولات العالمية.
كما يجب على هذا الجيل أن يكون ملماً أيضا بالموسيقى العالمية الأخرى ومقارنتها وربطها بالموسيقي المحلية، صحيح أن الله يمنح المواهب لمن يشاء، لكن الموهبة إذا كانت مؤسسة على لبنة صلبة من الوعي والتربية يكون الأمر شيئاً في غاية الأهمية.
نحن في
موريتانيا الآن لدينا أزمة وجود فنان لديه ثقافة فكرية واسعة في مجال الموسيقي التراثية، يضاف إلى هذا التحدي كون هذه الموسيقى ليست مكتوبة ولا تدرس في المؤسسات وإنما يتم تعليمها في الأوساط الأسرية الفنية.
** إذا قمت بتأسيس مؤسسة "المعلومة للثقافة والفنون" قبل سنة من أجل سد هذه الثغرة؟
أنشأت هذه المؤسسة بسبب الإهمال الذي تعيشه الموسيقي الموريتانية حاليا، وأسعى من خلالها إلى تجميع التراث الموسيقي بالأرياف، وتأسيس أرشيف من الصوتيات والصور لكبار الفنانين الموريتانيين الذين تميزوا فنيا، كما تحاول المؤسسة حفظ الموسيقي الموريتانية من الاندثار.
** هل ترين أن المؤسسة هي تصالح بين "المعلومة" والفن، بعد أن اختطفك عالم السياسية لسنوات طويلة؟
أنا لم أتخل عن الفن يوما ما حتي أتصالح معه طيلة فترة نضالي السياسي، كما اعتبر أغاني السياسية أكثر طربا من الأغاني العادية، لأنني أجد في هذه الأغاني روحي الحماسية، روحي كمناضلة مهتمة بمعاناة الناس وهموم الفقراء.
** يأخذ البعض على الموسيقي الموريتانية أنها لازالت موسيقي محلية لم تستطع أن تخلق شهرة إقليمية عربية أو أفريقية، ما السر في ذلك؟
أنا أرى العكس، فعلى المستوى الشخصي لدي تجربة دولية وصلت حتى الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض إنتاجي الموسيقي مدرج في البلوز العالمي، كما أن لدي بعض الألبومات كألبوم "نور" حققت ترتيبا جيدا في التصنيف الموسيقي العالمي.
لكن أود أن الفت إلى أن الأغنية الموريتانية على المستوي المحلي محاصرة، لأن وزارة الثقافة لا تهتم بالموسيقي والتراث المحلي الموريتاني، كما أن الحكومة بمختلف قطاعاتها لا تهتم بتشجيع الموسيقي والفن بموريتانيا، كما لا يوجد منتجين محليين مهتمين بعالم الموسيقي الموريتانية.
** متى بدأ اهتمامك بعالم السياسة؟
عندما بدأ التحول الديمقراطي بالبلاد سنة 1992، انخرطت في المعارضة، التي رأيت في زعيمها السيد أحمد ولد داداه، رجلاً يسعى لتحرير هذا الشعب من الجهل والظلم ولحل المشاكل التعليمية والصحية، ولبناء دولة عصرية جديدة، خاصة أن الرجل مشهود له بالنزاهة، كما أنه من جيل ساهم في بناء موريتانيا.
** هل ترين أن انخراطك في المعارضة، جعل معظم معجبيك من هذا الطيف السياسي الخاص؟
لا أتفق البتة مع هذا التوصيف، فأنا عندما كنت أمارس السياسة، كان أبناء الرئيس السابق، معاوية ولد سيدي أحمد الطائع، يحضرون حفلاتي الخاصة، وذلك قبل أن يتوجس نظامه من خطر المعارضة السياسي على حكمه، فجمهوري من جميع الشباب الموريتاني، لكن فعلا هناك أطراف سياسية مقربة من السلطة في تلك الفترة تحفظت مني بسبب مواقفي المعارضة.
لقد تمت محاصرتي إعلاميا فلم يكن يسمح للإذاعة والتلفزيون الرسميين ببث أغاني ألبوماتي لمدة 15 عاما، وقد وصلت درجة مضايقاتي أنه كان يُطلب مني تقديم لائحة بالأغاني التي سأقدمها في حفلاتي الخاصة، ولا تمنحني السلطات الترخيص بإقامة الحفلات إلا قبل الحفل بوقت يسير الأمر الذي يتعذر معه الإعلان عن الحفل في الوقت المناسب وإعلام الجمهور.
لكنني اليوم لا ألوم الرئيس معاوية ولد سيدي احمد الطائع على تلك التجاوزات في حقي، لأنني اكتشفت لاحقا أن الرئيس معاوية لم يكن على علم بذلك، واعتذر لي الرجل قبل الإطاحة به في 2005، لكنني رفضت الإعلان عن هذا الاعتذار في تلك الفترة مخافة أن يوظف سياسيا أو أن يقرأه البعض على أنه تحول سياسي في موقفي المعارض لولد الطائع.
وللأسف رغم اعتزالي للعمل الحزبي المعارض قبل أكثر من عام، لازلت أجد صعوبة كبيرة في انفتاح التلفزيون الرسمي وتعامله معي وبثه لأعمالي الغنائية.
** أنت كنائبة بمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية بالبرلمان الموريتاني) كيف تقيمين أداء المرأة الموريتانية سياسياً؟
أرى أن أداء الرجل في موريتانيا ليس أحسن حالاً من أداء المرأة سواء تعلق الأمر بالسياسية أو مجال الإدارة، فالمرأة في المجتمع الموريتاني لديها مكانة خاصة ويراد لها دائما أن تبقي مصونة ومكرمة، لدرجة أن المرأة العربية والبربرية في موريتانيا ترفض أن تكون ضرة خلافا للمرأة الإفريقية بموريتانيا، فالمرأة بموريتانيا تتمتع بشخصية قوية و هو ما ينعكس دائما على أدائها السياسي و الوظيفي بالبلاد.
لكن ضعف حضور المرأة السياسي راجع حسب تقديري في المقام الأول إلي إحجامها عن التعلم، فمعلوم أن ممارسة العمل الوظيفي والإداري تتطلب مستوي علميا قد لا تتوفر عليه النساء عندنا بسبب إهمال تعليم البنات في المجتمع.
** يرتفع الحديث في الشارع الموريتاني منذ فترة عن رفع الظلم عن بعض الشرائح الاجتماعية كشريحة "لحراطين" (الأرقاء السابقين) وشريحة "لمعلمين" (الصناع التقليديين)، هل ترين أن شريحة "إكاون" (الفنانين التقليدين) التي تنتمين إليها، ستطالب يوما هي الأخرى برفع التهميش والنظرة الدونية عنها؟
أعتقد أن "إكاون" من حقهم المطالبة برفع التهميش والنظرة الدونية تجاههم، لأن شريحة "إكاون" أكثر تهميشا من هاتين الشريحتين برأيي، وأسباب تهميش "إكاون" تعود إلى عدم وجود ثورة مطالبة لرفع التهميش عنهم حتى الآن.