لا تكاد تمر بشارع
مصري إلا وتسمع كلمة
"معلم" أو "أسطى" أو "باشمهندس"، في معان لها
خصوصية شعبية وتاريخية تكشف عن وجود فني بارع ذائع الصيت صاحب خبرة طويلة يفوق
نظرائه، وتسعى دول الخليج العربية منذ سبعينيات القرن الماضي الحصول على خدماته
بمقابل أعلى بكثير من الأجر المحلي.
ودفع قرار سعودي بإلغاء رسوم العمالة
الوافدة للمنشآت الصناعية للتفاؤل بزيادة فرص استقدام فنيين مصريين متخصصين وبأجور
أعلى من السابق، في وقت يعانون فيه من التهميش الحكومي وتراجع الأجور محليا.
ما علاقة مصر؟
ورأت منصات اقتصادية مصرية في قرار إلغاء رسوم
العمالة الوافدة -9600 ريال سنويا للعامل- انتقالا للمنافسة بين القاهرة والرياض
من جذب الاستثمارات إلى "صراع المواهب، حيث تعتقد نشرة "إنتربرايز"
المصرية، أنه "يمنح مصانع
السعودية وفرة مالية يمكن إعادة توجيهها لتقديم
مكافآت تعاقد ورواتب أعلى للفنيين المصريين".
اظهار أخبار متعلقة
كما أن القرار الذي يأتي تزامنا مع وصول
تحويلات المصريين بالخارج بالشهور العشر الأولى من 2025، لنحو 33.9 مليار دولار،
يرى فيه مصريون فرصة لسفر آلاف الفنيين الذين يعانون إهمالا حكوميا وتراجعا
بالأجور في المصانع والشركات العامة، وانتقاصا لحقوقهم القانونية لدى القطاع
الخاص، وفرصة لدعم تدفقات العاملين بالخارج وانعاش اقتصاد يعاني الأزمات.
وبعد أن ركزت السعودية بالعامين الماضيين على
استقطاب الموظفين بمجالات التمويل والبنوك والتسويق والتعليم، والإنتاج الفني
(سينما مسرح دراما) والموسيقى، تثار التساؤلات حول العوائد المحتملة على اقتصاد
الرياض من الفنيين المصريين مع تخفيف تكاليف الاستقدام، وحول ما إذا كان هذا
التوجه يدفع أصحاب المصانع المصريين لتحسين بيئة العمل والأجور للفنيين المصريين،
بالداخل.
وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر
الخريف، أكد أن القرار يعزز تنافسية الصناعة السعودية عالميا، معلنا زيادة المنشآت
بين 2019 و2024، من 8822 لأكثر من 12 ألف مصنعا، ورفع الاستثمارات 35 بالمئة من
908 مليارات ريال (242 مليار دولار) إلى 1.22 تريليون ريال (325.3 مليار دولار).
وفي رؤيتها لفتت نشرة "إنتربرايز"،
الثلاثاء، إلى أن "المصانع المصرية تواجه الآن تحدي الحفاظ على رأس المال
البشري، علاوة على ضغوط ارتفاع تكاليف المواد الخام"، موضحة أن "اقتناص
العامل المصري ذي الخبرة تميل لصالح المنافس السعودي"، مع انخفاض تكلفة
استقدام الكفاءات الأجنبية.
وأشار عضو مجلس إدارة اتحاد
الصناعات محمد
البهي، إلى أن "حقبة اعتماد الصناعة المصرية على الأجور المنخفضة وحدها
بوصفها ميزة تنافسية تشارف على الانتهاء"، مؤكدا لـ"إنتربرايز"،
أنه "سيتعين على أصحاب العمل المصريين تحسين بيئات العمل وهياكل الأجور، وإلا
سيواجهون خطر تفريغ شركاتهم من الكفاءات"، مشيرا إلى ما اعتبره "نقطة
مضيئة" بـ"زيادة تدفقات أعلى من التحويلات".
وضمن "رؤية 2030"، فإن الفنيين في
مجالات "التحكم الرقمي"، و"ميكانيكا التوربينات" مطلوبون بشدة
في السعودية ورواتبهم تتجاوز نظرائهم من الفنيين في مصر بمراحل.
لكن مراقبون يرون أن "معوقات نظام الكفيل،
وضعف إجراءات الحماية الرسمية، وبيئات عمل لا تلتزم بقواعد منظمة العمل الدولية،
تظل عوائق مزمنة يضجر منها العامل المصري سريعا، ويقرر المغادرة".
فرصة واعدة للبلدين
وفي رؤيته، لمكاسب مصر والسعودية المحتملة، قال
الباحث في الملف الاقتصادي والعمالي حسن بربري، "بحسب التصريحات الحكومية
والجهاز المركزي للمحاسبات هناك حوالي 1.47 مليون عامل مصري بالسعودية ما يجعل
العمالة المصرية الرابعة بعد البنغالية والهندية والباكستانية، حيث تشكل العمالة
الأجنبية حوالي ثلاثة أرباع قوة العمل بالمملكة والاقتصاد قائم على العمالة
الوافدة".
القيادي بحزب "التحالف الشعبي"، وفي
حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنه "بالقطاع الصناعي السعودي نحو
12.589 منشأة صناعية بنهاية 2024 بحسب وزارة الصناعة والثروة المعدنية،
بقطاعات الصناعات الغذائية، والبتروكيماويات، والبلاستيك، والبناء والتشييد الذي
تتركز فيه العمالة بشكل كبير".
وأكد أن "تكلفة العمالة المصرية وأجورها
بالنسبة للجاليات الآسيوية أقل مما جعل السعودية لديها نهم عليها"، موضحا أن
"القرار أعطى ميزة تقليل تكلفة السفر والرسوم على العمالة نفسها، كما سيرتفع
بند الأجور للعمالة بشكل عام نتيجة للقرار وبينهم المصريين".
ويرى بربري، أن "القرار السعودي رسميا
يحمل فرصة اقتصادية للبلدين، بالحالة المصرية تحاول بشكل مباشر جعل العمالة
المصرية من السلع المصدرة للخارج لزيادة التحويلات المالية في معضلة إنسانية
واستغلال للعامل المصري من الطرفين المصري والسعودي الذي استفاد عمالة رخيصة تزيد
أرباح مصانعها".
هنا الأزمة
واستدرك الناشط العمالي: "لكن تبقى مشكلة
أن السعودية لا تطبق فكرة معايير منظمة العمل الدولية، رغم أنها أخذت شوطا في طريق
الإصلاحات حول وضع العمالة في ظل نظام الكفالة؛ كما تظل مشكلة العمل النقابي بين
منظمة العمل الدولية والرياض قائمة".
ولفت إلى "مشكلة زيادة ساعات العمل، وعدم
وجود ضمانة لسداد الأجور أو حماية حقيقية للعامل، فهو يحصل على أجره وفقا لالتزام
أخلاقي فقط وليس عبر إلزام قانوني وحماية قانونية، ما يصنع بيئة عمل لا تتطابق
ومعايير العمل الدولية".
وعلى الجانب الآخر، أوضح بربري أن "هناك
فجوة واسعة جدا في الأجور بين مصر والسعودية، كما أن بيئة العمل بالمصانع المصرية
تعاني مشاكل عديدة ولدينا أزمة اقتصادية ومشكلة في الأجور محليا، ما يقابله رغبة
سعودية لجلب عمالة مصرية كلفتها قليلة، ومع قبول العامل المصري بوضع عمل أدني في
السعودية قد لا يقبل به في بلده، مقابل أجر أفضل".
وأكد أن "العمالة المصرية تعاني مشاكل
كبيرة بالسعودية؛ بينها تأخير سداد الأجور، وتغيير صيغ العقود المبرمة ببعض
الحالات، مع ضعف قدرة العامل على الشكوى ضد صاحب العمل، حتى لا يقع تحت بعض أشكال
الاستغلال المرتبطة بغياب الرقابة الفعلية داخل منظومة العمل هناك".
فرص يقابلها تسريح وسعودة
المهندس المصري المقيم في الرياض "ربيع.
أ"، أكد أن "القرار ليس جديدا وما جرى فقط تجديده بصيغة تبدو وأنه لأول
مرة"، موضحا أن "حكومة الرياض منحت المنشآت الصناعية استثناء من مبالغ
بين 9 و12 ألف ريال من قيمة استقدام العامل الفني، لصالح منشآتها بالأساس
وبمواصفات معينة وبأعداد محددة لكل منشأة، بهدف تشجيع قدوم العمالة الفنية".
ويوضح لـ"عربي21"، أن العمالة
المصرية قد يصل راتبها بين 1500 و2000 ريال شهريا (الريال 12.69 جنيه)، لكن رواتب
المتخصصين بالميكانيكا والهيدروليك والخراطة واللحام والكهرباء وغيرها، قد تصل
ببعض المصانع من 4 إلى 5 و6 آلاف ريال، بينما يتحصل المهنيون على ما بين 3 إلى 4
آلاف ريال من العمل الحر".
ويلفت إلى أنه في "مقابل هذا القرار يعاني
المصريون من دفع مبالغ طائلة للحصول على فرصة عمل بالسعودية، وأنه ليحصل مدرس مصري
على عقد بمدرسة يتكلف نحو 12 ألف ريال، وحال استقدام أسرته يدفع على الفرد 400
ريال".
وتابع: "كما يحق للمنشآت الصغيرة استقدام
عدة أفراد، وتتكلف الفيزة الحرة ورسوم الاستقدام وما يحصل عليه صاحب المنشاة بين
15 و20 ألف ريال من العامل، الذي يعمل حرا بالمخالفة للقانون مقابل أن يحصل منه
صاحب المنشأة على 500 ريال شهريا".
وفي مقابل الاستقدام المحتمل للعمالة الفنية
المصرية، يؤكد أنه "توجد عمليات تصفية واسعة للمصريين بسعودة قطاعات بينها
التعليم والصحة"، ملمحا إلى أنه "في المستشفيات أصبحت هناك شركة قابضة
تقوم بعمليات هيكلة واسعة لتقليل أعداد الأطباء والممرضين والفنيين المصريين، بخفض
الرواتب وتقليل الحوافز والاستبعاد حال الرفض، مع فرض الكشف الطبي السنوي".
الأقدم والأحدث
وفي مقارنة بين أجر العامل الفني المتخصص في
السعودية ومصر، تبرز المقارنة بين قوتين صناعيتين تعملان بظروف اقتصادية مختلفة
تماما، فإحداهما الأقدم بالمنطقة العربية والشرق الأوسط والأكثر خبرة فنية والأكبر
من حيث سوق العمل وتعاني من أزمات هيكلية وبنيوية خطيرة وعجز مالي مزمن، وثانيهما
والتي قد تكون الأحدث بالإقليم والأكثر قدرة من النواحي المالية والاستثمارية
واللوجستية والتكنولوجية.
وبناء على بيانات 2024 وتوقعات 2025، تتصدر
السعودية قائمة الدول العربية في الإنتاج الصناعي، تليها الإمارات ثم مصر، والمغرب
وقطر والجزائر.
اظهار أخبار متعلقة
وتتفوق السعودية في حجم الإنتاج الصناعي مدفوعا
بالقطاع النفطي، وتتركز صناعاتها في البتروكيماويات والمعادن، بينما تتميز مصر
بتنوع صناعي أكبر، وبصناعات غذائية وأقمشة، وتوظف نسبة كبيرة من العمالة، لكن
إنتاجها يواجه تحديات هائلة، بينها أزمة ندرة العملة الصعبة بالسنوات الماضية.
ويحصل العامل الفني المتخصص صاحب الخبرات
الأعلى وفي قطاعات مثل البترول والغاز والأدوية في مصر بين 15 و35 ألف جنيه، بينما
يحصل نفس العامل في السعودية على راتب بين 6 إلى 12 ألف ريال ما يعادل بين 80 إلى
160 ألف جنيه مصري.
وذلك إلى جانب بدلات السكن والانتقال والتأمين
الطبي الشامل وتذاكر الطيران ومكافآت نهاية الخدمة، فيما تقل تلك المميزات في مصر،
لكن هناك "بدل الإنتاج" و"الإضافي"، والتي تتوقف قيمتها على
ساعات العمل خارج الوقت الرسمي، فيما تكافح النقابات العملية للحصول على الحد
الأدنى للأجور في مصر 7 آلاف جنيه، ونيل بعض الأرباح السنوية.
ويمكن للعامل الفني في السعودية توفير مبلغ
يفوق راتب زميله في مصر بالكامل، نظرا لثبات العملة واستقرار الأعمال، بينما يواجه
العامل في مصر ضغوط التضخم وتراجع القيمة الشرائية للجنيه، مما يجعل الرواتب تحت
ضغط الاحتياجات الأساسية، فيظل تراجع الدعم الحكومي عن الوقود والكهرباء وزيادة
الأسعار.
بين الترحيب والرفض
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، يرى محلل
النمذجة والتقييم المالي المصري محمد البكر، أن "هناك ما بين 1.5 و1.8 مليون
خريج مصري جامعي ومن التعليم الفني سنويا، ولا يمكن للسوقين المصري والسعودي معا،
استيعاب كل هذه الأعداد سنويا"، منتقدا ما يثار عن وجود منافسة بين البلدين
حول العمالة الفنية.
وأشار إلى عوامل تدفع العامل المصري
للهروب للسعودية وأوروبا بينها "جشع أصحاب الأعمال وسوء الادارة وغياب
العدالة الاجتماعية وضعف هيكل الأجور"، مؤكدا أن "القرار السعودي فرصة
للعمالة المصرية الفنية لتحقيق دخل أفضل والعمل في بلد تعمل بتكنولوجيا صناعية
متقدمة".
وعلى الجانب الآخر، يرى الناشط رياض عزالدين،
أن "القرار السعودي، لا يصح أن يُنظر له من جانب تحويل العملات الأجنبية
فقط"، ملمحا إلى أنه "يضر بمشروع النظام المصري الصناعي".
ويرى أن "أصحاب الأعمال المصريين لهم
العذر في ضعف أجور العمال لديهم، مع تكلفة الإنتاج والضرائب والإيجارات المرتفعة
وانخفاض القوة الشرائية"، ملمحا إلى أن "الميزة التنافسية الوحيدة
للمصانع المصرية هي الأجور المنخفضة، وإذا فُرِض عليها زيادة الأجور ستفقد تلك
الميزة ما ينعكس بالسلب على الدولة والمصنّعين".