علوم وتكنولوجيا

هل يمكن للإنسان استعادة السيطرة؟.. تحذير من تغول الذكاء الاصطناعي

الذكاء العام بين الوعد والتهويل.. قراءة نقدية في خطاب الشركات العملاقة - cc0
الذكاء العام بين الوعد والتهويل.. قراءة نقدية في خطاب الشركات العملاقة - cc0
شارك الخبر
في مقال تحليلي بصحيفة "الغارديان" البريطانية، يطرح الكاتب رافايل بيهر ٬ سؤالا وجوديا متزايد الإلحاح: كيف يمكن للإنسان أن يسترد السيطرة على حياته بعد أن توغل الذكاء الاصطناعي في أعماقها وأصبح مكونا أساسيا في كل جوانبها؟، محذرا من أن هذه التكنولوجيا لم تعد مجرد أداة، بل تحولت إلى قوة تعيد تشكيل الاقتصاد والسياسة والوعي الإنساني.

ويؤكد بيهر أن من لم يشعر بعد بتأثير الذكاء الاصطناعي في حياته خلال عام 2025، فسيختبره حتما في 2026، مشيرا إلى أن الضجة المحيطة بهذه التكنولوجيا، والمدفوعة بتمويل ضخم من وادي السيليكون، باتت تشوه الاقتصاد العالمي وتغذي التنافسات الجيوسياسية بين القوى الكبرى.

"تشات جي بي تي".. النمو الأسرع في تاريخ
ويستعرض الكاتب صعود تطبيق “تشات جي بي تي”، الذي أطلق قبل أكثر من ثلاث سنوات، ليصبح أسرع التطبيقات نموا في التاريخ، مع نحو 800 مليون مستخدم أسبوعيا، فيما تقدر القيمة السوقية لشركته الأم “أوبن أيه آي” بنحو 500 مليار دولار.

ويضيف أن الرئيس التنفيذي للشركة، سام ألتمان، أبرم اتفاقيات معقدة لإنشاء بنية تحتية عملاقة للذكاء الاصطناعي تقدر كلفتها بنحو 1.5 تريليون دولار، في خطوة تعكس حجم الرهانات الاقتصادية على هذا القطاع.

وادي السيليكون يضخ 135 مليار دولار
وبحسب المقال، شاركت شركات تكنولوجية عملاقة مثل غوغل، أمازون، آبل، ميتا، ومايكروسوفت، بما مجموعه 135 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية التي تنفذها “أوبن أيه آي”، في إطار سباق محموم للتوسع في الذكاء الاصطناعي، تراهن فيه الشركات بمئات المليارات على مستقبله.

ويرى بعض الاقتصاديين أن هذه الاستثمارات أنقذت الاقتصاد الأمريكي من الدخول في ركود، بينما يعتقد آخرون أن الذكاء الاصطناعي ليس سوى “فقاعة” جديدة، وهو توصيف لا يرفضه سام ألتمان نفسه، إذ أقر بأن بعض أنشطة هذا القطاع تنطبق عليها بالفعل خصائص الفقاعة.

وفي السياق ذاته، نقل بيهر عن جيف بيزوس، مؤسس أمازون، وصفه للذكاء الاصطناعي بأنه “فقاعة جيدة”، لأنها تمول البنية التحتية وتوسع نطاق المعرفة البشرية.

“الذكاء العام”.. وعود كبرى ومبالغات خطيرة
ويتوقف الكاتب عند الخطاب التسويقي الذي يعد ببلوغ ما يعرف بـ“الذكاء العام”، أي نموذج قادر على الاستغناء عن البشر وتطوير نفسه ذاتيا، مشيرا إلى أن الشركة التي تحقق هذا الإنجاز ستكون قادرة على سداد ديونها بسهولة.

لكن بيهر يرى أن هناك مبالغة كبيرة في تصوير هذا السيناريو، معتبرا أن “المبشرين بالذكاء العام يعاملون كأنهم أنبياء لذكاء كلي المعرفة”، في حين أن الواقع أكثر تعقيدا وأقل يقينا.

اظهار أخبار متعلقة


سباق أمريكي-صيني بلا حوكمة
ويشير المقال إلى أن الولايات المتحدة تراهن على قفزة نوعية استثنائية في الذكاء الاصطناعي، بينما تركز الصين على تطبيق واسع النطاق للذكاء الاصطناعي “العادي”، مؤكدا أن الطرفين لا يوليان اهتماما كافيا للمخاطر أو للبروتوكولات الدولية المنظمة.

وفي ظل غياب الحوكمة العالمية، يحذر الكاتب من أن العالم بات “يعتمد على نزاهة أباطرة المال والبيروقراطيين السلطويين”، وهو رهان محفوف بالمخاطر.

انحيازات خطيرة وواقع زائف
ويتطرق بيهر إلى إعلان إيلون ماسك عن تطوير نسخة “بيبي غروك” المخصصة للأطفال من تطبيق “غروك” الذي تطوره شركة “إكس”، مشيرا إلى أن النسخة المخصصة للبالغين تنقل آراء متطرفة، ما يسلط الضوء على خطورة الانحيازات الكامنة في نماذج الذكاء الاصطناعي.

كما يحذر من أن جميع النماذج اللغوية الحالية عرضة لقدر كبير من عدم الدقة، موضحا أنها لا “تفكر” فعليا، بل تجمع إجابات محتملة قد تكون صحيحة أو مضللة، ومع تضخم المحتوى الاصطناعي يتراجع مستوى الجودة والمعرفة.

ويرى الكاتب أن هذا المسار قد يقود إلى “واقع زائف يصنعه وادي السيليكون”، وإن كان يؤكد أن هذا ليس المصير الحتمي، فالتفاؤل المفرط والجشع البشري ظاهرتان متكررتان في التاريخ.

“الفقاعة الحقيقية” وغرور الصناعة
ويخلص بيهر إلى أن “الفقاعة الحقيقية ليست التكنولوجيا نفسها، بل تضخم غرور الصناعة التي تظن أنها على بعد مركز بيانات واحد من الألوهية الحاسوبية”، محذرا من لحظة تصحيح قادمة لا محالة.

ويختتم مقاله بالتأكيد على أنه عند حلول تلك اللحظة، ستبرز الحاجة إلى أصوات جديدة تناقش المخاطر والتنظيم، ليصبح العالم أمام خيار مصيري لا ثالث له: هل يسخّر الذكاء الاصطناعي لخدمة البشر… أم يسخر البشر لخدمة الذكاء الاصطناعي؟
التعليقات (0)