خاضت
الجزائر في العام 2025 معارك دبلوماسية على عدة جبهات، من أروقة مجلس الأمن الدولي، إلى المواجهة الدبلوماسية المحتدمة في صراعها مع
فرنسا، وصولا الأزمة المتصاعدة مع دول كونفدرالية الساحل الأفريقي.
ومثل العام 2025 منعطفا استراتيجيا، تعاملت فيه الجزائر مع جبهات متعددة لإدارة أزماتها الحدودية، وعلاقاتها الدولية، في ظل وضع إقليمي هو الأكثر اضطرابا منذ سنوات، بفعل الصراع الدولي المحتدم بمنطقة الساحل الأفريقي المحاذية للجزائر.
وتستعد الجزائر العام المقبل لانتخابات تشريعية ينظر إليها على أنها بالغة الأهمية على الصعيد الداخلي، حيث يُرتقب أن تشهد الساحة السياسية مراجعةً جوهرية لقانون الأحزاب السياسية، إلى جانب تعديل قانون الانتخابات لضمان أوسع مشاركة ممكنة وتحصين العملية الانتخابية.
معارك في أروقة مجلس الأمن
وعلى مدى عام كامل خاضت الجزائر معارك دبلوماسية قوية في أروقة مجلس الأمن الدولي لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
فمنذ تسلمت الجزائر مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن، سعت إلى العمل لمساعدة قطاع غزة الذي واجه إبادة جماعية وسط صمت عالمي.
وفي هذا الإطار تقدمت الجزائر بأكثر من 4 مشاريع قرارات تطالب بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، واجهت الولايات بعضها بـ"الفيتو".
اظهار أخبار متعلقة
وعملت الجزائر على محاولة تأمين استمرارية عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، محذرة من العواقب الكارثية لتفكيكها، وعملت على إدراج فقرات صريحة ترفض أي محاولة للتهجير القسري لسكان غزة، معتبرة ذلك "خطاً أحمر" لا يمكن تجاوزه.
كما عملت في أروقة مجلس الأمن على محاولة سحب "المرتزقة" من ليبيا، والوصول إلى مسار انتخابي سيادي، وتفعيل القرار الأممي لتمويل عمليات السلام التي يقودها الاتحاد الإفريقي، من ميزانية الأمم المتحدة.
أزمة دبلوماسية مع فرنسا
وعلى مدى العام 2025 عرفت علاقات الجزائر مع فرنسا توترا وصف بغير المسبوق، وذلك على خلفية جملة من الأحداث، بينها أزمة ترحيل جزائريين من فرنسا واعتقال الكاتب المزدوج الجنسية بوعلام صنصال، والجدل حول ملكيات فرنسا العقارية في الجزائر، وتلويح فرنسا أكثر من مرة بالنظر مجددا في اتفاقيات عام 1968، التي تتيح للجزائريين تسهيلات في الإقامة والتنقل والعمل داخل الأراضي الفرنسية.
ثم تلا ذلك ما بات يعرف بأزمة "الحقائب الدبلوماسية" بعد نشر الجريدة الرسمية في فرنسا إشعارا يخص تعليق الاتفاق الجزائري-الفرنسي لسنة 2013 الخاص بالإعفاء من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية وجوازات السفر "لمهمة"، حيث أشار الإشعار الفرنسي إلى أن الجزائر توقفت عن تطبيق الاتفاق منذ 11 مايو 2025.
ورغم مؤشرات الانفراج المحدودة، إلا أن الأزمة بين الجزائر وباريس لا تزال قائمة بملفاتها المعقدة.
جلسة تاريخية لتجريم الاستعمار
وفيما يبدو أنه تداعيات للأزمة مع فرنسا، بدأ البرلمان الجزائري قبل أيام جلسات لنقاش مسودة قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر الذي يتضمن بنوداً تشريعية تثبت على نحوٍ قاطع مطالب باتجاه الدولة الفرنسية بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم الاستعمار والمجازر والتفجيرات النووية، واسترجاع الأرشيف والمنقولات المنهوبة.
وجرت مناقشة المقترح باعتباره نصا تشريعيا يوفر غطاء قانونيا للدولة الجزائرية، ويعزز موقف ممثليها في مخاطبة الدولة الفرنسية بشأن القضايا المرتبطة بالذاكرة الوطنية.
وقال رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، إن مقترح القانون لا يقتصر على كونه نصا تشريعيا فحسب، بل يشكل، في نظره، لحظة وعي ووفاء ومحطة فارقة في مسار الجزائر الحديثة، تجدد فيها الدولة، عبر مؤسساتها التشريعية، عهدها مع الذاكرة الوطنية ومع ضمير التاريخ.
وأوضح أن النص يقوم على تعداد جرائم الاستعمار الفرنسي، وتحديد مسؤولية الدولة الفرنسية عن ماضيها الاستعماري، ووضع آليات للمطالبة بالاعتراف والاعتذار، إلى جانب إقرار تدابير جزائية لتجريم تمجيد الاستعمار أو الترويج له.
وشدد رئيس المجلس على أن المقترح لا يستهدف أي شعب ولا يسعى إلى الانتقام أو تأجيج الأحقاد، بل ينطلق من مبدأ مفاده أن الجرائم ضد الإنسانية لا تمحى بالتقادم ولا تبرر بالقوة ولا تغلق ملفاتها بالصمت. واعتبر أن النص يمثل فعل وفاء للدفاع عن الحقيقة قبل أن يكون موقفا سياسيا، ورسالة إلى الداخل والخارج بأن الذاكرة الوطنية الجزائرية غير قابلة للمحو أو المساومة.
تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين الجزائر وفرنسا مثقلة بالماضي الاستعماري والمجازر التي ارتكبتها فرنسا، ومن بينها المجزرة التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية بحق متظاهرين جزائريين خرجوا في باريس للمطالبة باستقلال بلادهم عن الاستعمار الفرنسي.
ففي 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1961، هاجمت الشرطة الفرنسية، بأمر من قائد شرطة باريس، موريس بابون، مظاهرة سلمية لآلاف الجزائريين، خرجوا للمطالبة باستقلال البلاد.
وقتلت الشرطة الفرنسية حينها عشرات الجزائريين، بشكل متعمد في الشوارع ومحطات المترو، في حين ألقت بعدد من المصابين من الجسور في نهر السين، وهو ما بات يعرف بمجزرة باريس عام 1961.
وتشير روايات مؤرخين جزائريين عايشوا تلك الأحداث إلى أن الشرطة الفرنسية اعتقلت نحو 12 ألف جزائري، تعرضوا للتعذيب والقتل.
يذكر أن فرنسا احتلت الجزائر في 1830، واستغرقت السيطرة على عموم البلاد نحو 70 سنة. فيما استقلت الجزائر عن فرنسا في 1962، بعد ثورة تحريرية انطلقت في 1954، وخلّفت 1.5 مليون شهيد وفق أرقام رسمية.
وشهدت مرحلة السيطرة على عموم الجزائر عمليات تهجير للسكان، ومصادرة أراضيهم الزراعية الخصبة، وحرمانهم من أبسط الحقوق، بحسب مؤرخين.
أزمة الساحل
وكانت الأزمة بين الجزائر وبلدان الساحل الإفريقي (مالي، بوركينافاسو، النيجر) أبرز الأحداث التي شغلت الرأي العام في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة من 2025.
واندلعت الأزمة عقب إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسيرة تابعة للقوات المسلحة المالية، بالقرب من مدينة تين زاوتين الحدودية.
وبالرغم من أن التوتر طبع علاقات الجزائر والبلدان الثلاثة منذ بداية العام 2025 إلا أن إسقاط الطائرة المسيرة كان سببا مباشرا للأزمة التي كانت لها تداعيات كبيرة على سكان المنطقة، خصوصا المناطق الحدودية مع مالي.
فقدت تسببت الأزمة في استدعاء متبادل للسفراء، وإغلاق المجال الجوي والبري، وتقدم شكاوى لدى الهيئات الدولية.
وأسفرت الأزمة عن توقف تام لعبور الشاحنات بين الجزائر والدول الثلاث، حيث كان سكان الشمال المالي يعتمدون بشكل أساسي على السلع والمنتجات التي تدخل إلى المنطقة من الجزائر سواء بالطرق القانونية أو عبر شبكات التهريب التي تنشط في المنطقة.
"مشروع القرن"
وعلى الصعيد الداخلي أصدر الرئيس الجزائري مؤخرا تعليمات بالشروع في الاستخدام والاستغلال المحلي لخام الحديد المستخرج من منجم غارا جبيلات.
وينظر الجزائريون إلى هذا المشروع على أنه "مشروع القرن الذي يعيد رسم المشهد الاقتصادي للجزائر" حيث ظل هذا الموقع الضخم، الذي يحتوي على أكثر من 3.3 مليار طن من خام الحديد، بمثابة كنز أسطوري مدفون تحت الرمال لعقود من الزمن.
اظهار أخبار متعلقة
وتقول الحكومة الجزائرية إن استغلال منجم غارا جبيلات يجسد "الطموح الوطني لتنويع مصادر الدخل، وتعزيز السيادة الاقتصادية، وبناء صناعة حديدية متكاملة وتنافسية قادرة على تلبية الحاجيات الداخلية ومواجهة متطلبات الأسواق الخارجية في نفس الوقت".
وتنظر الجزائر إلى هذا المشروع على أنه "رمز للسيادة وقاطرة لطموح تنموي مستدام، مرن ومتوازن ومتجذر".