نساء "الهامش" بالمغرب خارج حسابات الميزانية.. واقع يفضح الأرقام الحكومية
المغرب- عربي21 - سعيدة مليح24-Nov-2511:22 AM
0
شارك
بين الفقر والعنف وغياب الخدمات.. تقرير يكشف معاناة مغرب النساء المنسيات - جيتي
بينما تنشغل الحكومة المغربية بإبراز الأرقام الإيجابية لمشروع قانون المالية لسنة 2026، تكشف الوقائع المتلاحقة في القرى والجبال والأحياء الفقيرة عن مفارقة صارخة، وهي أن فئات نسائية واسعة تبقى خارج دائرة الاستفادة، في ظل استمرار غياب رؤية مالية للنوع الاجتماعي، وذلك على الرغم من تصاعد الاحتجاجات النسائية خلال الأشهر الماضية.
في هذا التقرير، تبرز "عربي21" كيف أن نساء الهامش تبدو أول الخاسرات من مقاربة مالية تضع النمو والمؤشرات التقنية في المقدمة، وتؤجل مطالب العدالة الاجتماعية.
احتجاجات نسائية واسعة شهدت مجموعة من المناطق القروية والجبلية خلال الصيف الماضي مسيرات نسائية ضخمة، كان أبرزها مسيرة نساء بلدة تلحيانت في أعالي جبال خنيفرة. المسيرة بدأت تحت محاولات المنع، قبل أن تنجح النساء في الوصول إلى مقر الإقليم٬ في مشهد لافت حمل فيه نساء القرية أطفالهن على الظهر، ورفعن جملة من المطالب، على رأسها: طرق سالكة، ماء صالح للشرب، مستوصف يليق بكرامة الإنسان، وتخفيف العزلة الجغرافية.
وتم الاتفاق في النهاية على تشكيل لجنة مكونة من عشر نساء من أجل تولّي تمثيلهن في لقاء رسمي مع عامل الإقليم، في خطوة وصفت بكونها انفراجه تمهد لفتح حوار جاد حول مطلب ظل معلقا لسنوات. غير أن الوضع الحالي لا يزال على حاله، فيما يشار إلى أن هذه الاحتجاجات قد كشفت عن واقع آخر يعيش خارج الأرقام الرسمية.
ورغم حضور هذه الدينامية النسائية غير المسبوقة، إلا أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 لم يعكس هذا التحول الاجتماعي، بل حافظ –بحسب الجمعيات النسائية– على مقاربة ضيقة تقدم مؤشرات النمو والتحكم في التضخم على حساب الاحتياجات الملحة للفئات الأكثر هشاشة.
الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب اعتبرت في بلاغ لها، وصل "عربي21" نسخة منه، أن: "اللحظة كانت تستدعي إصلاحا جذريا يترجم غضب الشارع"، لكن المشروع بقي سجين "منطق الأرقام": نمو بـ4.8 في المئة، تضخم بـ1 في المئة، وعجز بـ3 في المئة، دون رؤية اجتماعية حقيقية تستجيب لمطالب النساء في المناطق الهشة.
ودعت الجمعية نفسها، إلى: "تعزيز الحماية الاجتماعية للنساء ربات ومعيلات الأسر، ومساعدات الأسر، والنساء الراعات للأشخاص في وضعية إعاقة، والمسنات، والنساء اللواتي لا يتوفرن على أية حماية اجتماعية، إضافة إلى النساء اللواتي يشتغلن في القطاع الفلاحي وفي النسيج وقطاع الألبسة".
اظهار أخبار متعلقة
ميزانيات أكبر للصحة والتعليم في خطوة حاولت من خلالها الحكومة المغربية التي يرأسها، عزيز أخنوش، طمأنة الرأي العام، رفع مشروع قانون المالية ميزانيتي الصحة والتعليم إلى حوالي 140 مليار درهم، بزيادة 21 مليار درهم مقارنة بالعام المالي الماضي.
في السياق نفسه، كشف النقاش البرلماني وفق الجمعيات النسائية والحقوقية، عن غياب تصور إصلاحي متكامل يعالج الفوارق الترابية الحادة، هشاشة النساء، ضعف الخدمات الصحية، وتراجع شروط الولوج للمدرسة العمومية، خصوصا في الأقاليم الجبلية. كما ترى المنظمات النسائية أن: "رفع الميزانية دون إصلاحات عميقة يبقى إجراء شكليا وغير قادر على تغيير الواقع".
وجاء في الرسالة الموجهة من رئيس الحكومة، إلى الوزراء والوزراء المنتدبون وكتاب الدولة والمندوبين الساميان والمندوب العام تحت موضوع: "إعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2026، أنه: "تعالج خارطة الطريق الاختلالات البنيوية لسوق الشغل، من خلال استهداف القطاعات والفئات الأكثر عرضة للهشاشة".
وتابعت الرسالة التي اطلعت "عربي21" على نسخة منها: "خصوصا الشباب غير الحاصلين على شهادات والنساء، ومواكبتها عبر إرساء مسار مندمج للوساطة في التشغيل، لاسيما من خلال تحسين التنسيق بين مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، وكذا القطاعات والمقاولات"، غير أنها لم تشر بشكل صريح إلى نساء القرى والمناطق النائية.
من الأكثر تضررا؟ تقرير الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، يسلط الضوء على الفئات التي بقيت خارج دائرة الاستفادة من الخدمات العمومية رغم الميزانيات الجديدة، وهي: نساء القرى والجبال، والعاملات الزراعيات، والعاملات في النسيج والألبسة، ومعيلات الأسر، بالإضافة إلى النساء المسنات بدون أي حماية اجتماعية.
هذه الفئات، وفقا للجمعية النسائية، هي الأكثر تأثرا بغياب بنية صحية متكاملة، ضعف النقل العمومي، غياب الحماية في العمل، وارتفاع تكاليف المعيشة. وما تزال أغلبهن يواجهن يوميا تعب التنقل الطويل، قسوة الظروف المناخية، وانعدام الخدمات الأساسية.
وفي حديثه لـ"عربي21" قال الباحث في التدبير الإداري والمالي، منير الزينبي، إن: "ما يعاب على حكومة أخنوش في كثير من الإجراءات التي اتخذتها أو مشاريعها القانونية ومنها مشروع قانون المالية لسنة 2026، أنها لا تستجيب لنبض وحاجيات المجتمع".
"خصوصا الفئة الأكثر هشاشة، أبرزهم الاحتجاجات التي قادتها النساء في المناطق النائية الفقيرة، والبعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى، ونخص بالذكر مناطق المتواجدة في إقليم أزيلال والحوز، الذي لا زالت ساكنته تئن جراء ظروف العيش والإيواء الصعبة جدا، وغير الإنسانية، الناتجة عن الإهمال والتقصير الذي لحقها بعد الزلزال" أوضح الزينبي.
أما فيما يخص الأسباب التي جعلت حكومة أخنوش تتهاون في تلبية حاجيات النساء في المناطق القروية بالخصوص، فسر الباحث في التدبير الإداري والمالي، ذلك بـ"التفكير التيكنوقراطي الضيق الذي يطبع عملها الذي يستحضر فيه تقليل الكلفة الاجتماعية، مقابل توجهيها إلى قطاعات ومناطق في نظرهم أكثر إنتاجية من القطاعات الاجتماعية الأساسية والمناطق النائية".
بين العنف والفقر.. للهشاشة قصص في مدشر بويدمومة، قرب جبال أغبالة ببني ملال، تعيش حياة لوݣانا، وهي شابة ذات 24 عاما من ذوي الإعاقة الذهنية، في منزل طيني بدون أبواب آمنة ولا حمام. حياة تعرضت بحسب أسرتها لاعتداءات متكررة لسنوات، آخرها اتهام أربعة رجال باستغلال وضعها الصحي الصعب.
الأسرة التي تنتمي إليها حياة قد أنهكها الفقر وغياب أي حماية مؤسساتية، في وقت طالبت فيه جمعيات حقوقية بفتح تحقيق وتفعيل منظومة لحماية النساء والفتيات ذوات الإعاقة. غير أن القصة، كما تؤكد منظمات حقوقية، ليست معزولة، بل جزء من واقع تواجه فيه مئات النساء اللواتي يُتركن في مواجهة العنف والفقر دون حماية قانونية أو اجتماعية.
ردا على الحادثة، رفعت هيئات حقوقية وفعاليات مدنية مطالبها للسلطات المختصة من أجل تطبيق القانون ومعاقبة المتورطين، مطالبة وزارة التضامن بتفعيل منظومة حماية فعالة للنساء والفتيات ذوات الإعاقة، وتوفير آليات التبليغ والتكفل والدعم النفسي والقانوني.
اظهار أخبار متعلقة
موت على الطريق… فاجعة زاكورة في إقليم زاكورة، توفيت سيدة ورضيعها على الطريق بين المستشفى الإقليمي والمستشفى الجهوي بورزازات جراء غياب طبيب التخدير وافتقار البنية الصحية الأساسية. حادثة مأساوية تلخص المعاناة اليومية لنساء مناطق "مغرب العميق"، إذ يصبح الوصول إلى الرعاية الصحية "رحلة خطرة"، وقد يكون الموت نهاية الطريق.
ورأت فعاليات حقوقية في الحادث "نتيجة منطقية لسنوات من الإهمال"، فيما وصف نشطاء المستشفى بأنه "هيكل إسمنتي بلا روح". أعادت القضية الجدل بخصوص العدالة الصحية وموقع المرأة القروية داخل السياسات العمومية.
مونديال 2030.. بين الطموح والتفاوتات تزامنا مع استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم 2030، تتصاعد تساؤلات حول استفادة المناطق الهامشية من الاستثمارات الضخمة الموجهة للبنيات الرياضية والمدنية. الاحتجاجات الجبلية خلال الصيف الماضي، ومسيرات "العطش" و"الطريق"، قد أعادت التذكير بأن نساء القرى لا يطلبن ملاعب دولية، بل مستوصفات وطرقات ومدارس.
محللون يرون أن العائدات الاقتصادية للمونديال لن تصل مباشرة إلى القرى والجبال، في ظل استمرار تركيز الاستثمارات على الحواضر الكبرى، وهو ما تقول النساء في القرى أنه: "يعمق الهوة المجالية بين مغرب صاعد ومغرب ينتظر الأساسيات".
وكان الملك محمد السادس قد أبرز في خطاب العرش الأخير إلى تفاوت وتيرة التنمية بين مناطق المملكة، بالقول: "ما تزال هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية، وهو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية، فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين".
أي مطالب للحركة النسائية؟ الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، دعت، إلى: إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في كل مراحل إعداد الميزانية، وتعزيز الحماية الاجتماعية للنساء المعيلات والعاملات، مع إصلاح شامل لمدونة الأسرة.
كذلك طالبت الجمعية ذاتها، بـ"ضمان الشفافية في تنفيذ الميزانيات، وإصلاح جبائي أكثر عدلا للفئات ذات الدخل المحدود، وبناء منظومة حماية فعالة للفتيات ذوات الإعاقة".
إلى ذلك، ترى الجمعية أن أي إصلاح مالي لا يضع النساء في صلب القرار يبقى ناقصا وغير قادر على مواجهة الفقر. ورغم الرفع من ميزانيات الصحة والتعليم، ورغم الخطابات الرسمية حول التنمية، ما تزال نساء الهامش في القرى والجبال والأحياء الفقيرة أكبر المتضررات من غياب رؤية اجتماعية حقيقية داخل السياسة المالية.
وتبقى سنة 2026، وفق الفاعلات النسائيات، أنفسهن، مجرد محطة أخرى يتواصل فيها غياب العدالة الاجتماعية والإنصاف الترابي، ما لم تتحول الميزانية إلى أداة لإصلاح شامل يعيد الثقة للنساء اللواتي حملن أصوات الهامش إلى مراكز المدن، بحثا عن حق بسيط: حياة كريمة.