ملفات وتقارير

تزايد التحريض ضد جنين.. ما قصة 75 ساعة من شرب "الويسكي" وتجريف المخيم؟

شركة كاتربيلر تصنع جرافات D9 وفقا للمواصفات العسكرية وتبيعها لـ "إسرائيل"- جيتي
شركة كاتربيلر تصنع جرافات D9 وفقا للمواصفات العسكرية وتبيعها لـ "إسرائيل"- جيتي
جاءت دعوات القائد السابق للذراع البرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي يفتاح رون تال، لتدمير مخيم جنين باستخدام جرافات "D9" العسكرية، لتكون الأحدث في دعوات تحريضية عديدة ضد المنطقة الواقعة شمال الضفة الغربية.

وسبق هذه الدعوة التحريضية، تصريحات لوزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، جاء فيها أن "مخيم جنين للاجئين لن يعود إلى ما كان عليه بعد انتهاء العملية، سيبقى الجيش الإسرائيلي في المخيم للتأكد من عدم عودة الإرهاب"، على حد وصفه.

وضمن مسعى القضاء على الانتفاضة الثانية بشكل نهائي عام 2002، نفذ جيش الاحتلال "مجزرة جنين" بعد عملية توغل واسعة في الفترة ما بين 1 إلى 11 أبريل/ نيسان 2002، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 فلسطيني، رغم أن تقرير الأمم المتحدة حينها قصر عدد الشهداء على  58 فقط.

وفي ذلك الوقت، أكدت منظمات حقوق الإنسان ومنظمات دولية أن جيش الاحتلال أثناء الاجتياح قام بارتكاب أعمال قتل عشوائية واستخدام دروع بشرية واستخدام غير متناسب للقوة، كما أنه نفذ عمليات اعتقال تعسفي وتعذيب ومنع العلاج الطبي والمساعدة الطبية. 

وجاء توثيق بعض هذه الجرائم باعتراف إسرائيلي كشف عنه موشيه نيسيم وهو أحد جنود الاحتياط في وحدة الجرافات الذين تم تجنيدهم خلال عملية "السور الواقي"، وهو المسمى الإسرائيلي لاجتياح الضفة الغربية عام 2002.

"دوبي"
في ذروة العمليات الإسرائيلية في ذلك الوقت، دخل نيسيم الملقب حينها بـ"الدب الكردي" إلى جرافة من طراز "دي9" ومعه "زجاجة ويسكي ومفرقعات وبدأ بتسوية جنين بالأرض"، وهو ما أكد أنه يشتاق إليه ولا يندم عليه، وذلك في مقابلة أجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 2019، للحديث عن شهادته التي نشرت بعد العملية وأحدثت صدمة عالمية.

وأثارت شهادة "دوبي" صدمة لدى منظمات حقوق الإنسان وردود فعل في مختلف أنحاء العالم، واستهلها بالتبرير بأن ذلك حدث خلال "فترة من اليأس الشديد في حياته، بعد أن تم إيقافه عن العمل في قسم التفتيش في بلدية القدس بسبب شبهات الرشوة، وطرد زوجته من وظيفتها، وكان هناك أربعة أطفال ينتظرون في المنزل".

اظهار أخبار متعلقة


وقال في المقابلة: "في تلك اللحظة تلقيت أمرا بالخضوع للخدمة العسكرية وركبت جرافة D9، التي تعلمت قيادتها في ذلك اليوم.. علّقت علما كبيرا لفريق بيتار القدس بداخلها (أحد أكثر الأندية العنصرية في إسرائيل)، وصنعت لهم ملعب تيدي في وسط المخيم" (ملعب كرة قدم كبير في القدس المحتلة).


وأضاف: "أتذكر جيدا تلك المعركة التي دارت في جنين عند الجدار العازل، أخذونا مباشرة إلى الداخل، وكانت هناك شائعات تقول: إن رئيس الأركان قُتل، ونائب رئيس الأركان، وجنوداً ذُبِحوا، كان علينا أن نوصل الطعام والشراب إلى الجنود بالداخل.. العبوات الناسفة تنفجر هنا وهناك، من كل اتجاه، لقد حاصروا كل شيء هناك، ورأيت منازل، وبدأت بتدميرها، لا أطرح أسئلة، أنا واحد من هؤلاء الذين لا يسألون، لا أحب أن أسأل. جنودنا أولا.. أهتم بشعرة واحدة من جنودنا أكثر من مائة ألف منهم، لذا قمت بتدمير المنازل، ولم أكن مهتما".

وأردف: "لم أكن وحدي، كان هناك عشر آليات من طراز دي9، وكان الرجال يعملون بجد، وبعد ذلك حصلت الفصيلة على ميدالية، كان هناك مؤتمر، فصعدت إليهم على المسرح، وقلت: نحن لا نستحق الميدالية، لا تثيروا ضجة، إنها من أجل لواء غولاني، أولئك الذين حموني، دخلنا في مركبة آلية محميين وهم دخلوا سيرا على الأقدام".

وقال: "الحقيقة أنني لم أكن أعتقد أن المقال سوف يسبب مثل هذه الفوضى (شهادته المنشورة لأول مرة بعد اجتياح جنين) لقد كانت هناك الكثير من ردود الفعل من إسرائيل والعالم. كانت هناك دعوات لتشكيل لجان تحقيق، ولكن لم يحدث شيء، كان هناك الكثير من الاحتيال، لقد اتصل اليابانيون ومحطات تلفزيونية من مختلف أنحاء العالم لإجراء مقابلة، لم أجب أحدًا ولم أرد هذه الفوضى، أنا لا ألوم أحدا".


وأضاف: "دخلت إلى مخيم جنين كالمسعور يغمرني اليأس، لم ألق بالًا لإماكنية موتي، لا يوجد لدي ما أخسره، في السنة والنصف الأخيرة تدمرت حياتي بعد اعتقالي من قبل الشرطة واتهامي بتلقي رشوة أثناء عملي كمراقب عام في بلدية القدس بعد 17 عاما.. لقبوني بـ’دوبي’ على اسم الجرافة من نوع دي 9 التي كنت أقودها ودمرت فيها بيوت المخيم واحدا بعد الآخر، كنت أكبر مدمر في الوحدة وفي كل الوحدات التي دخلت مخيم جنين".

وقال: "عملت على تدمير المخيم مدة 75 ساعة، كانت القنابل تنفجر من حولي والجرافة العملاقة تصد الرصاص والانفجارات، لكن أول عمليات الهدم كانت عندما اجتحنا نابلس، بعد إثبات كفاءتي هناك اختاروني لاجتياح مخيم جنين".

وأضاف: "وضعت راية بيتار القدس على الجرافة العملاقة وقلت لعائلتي عندما تشاهدونها في التلفاز ستعرفون أنه أنا، ولو كنت صاحب القرار، لرفعت راية بيتار القدس على المسجد في المخيم، لكن القائد منعني وقال إنهم سيردونني بالرصاص إذا ما خرجت إلى هناك، ولو أنهم سمحوا لنا بالدخول مبكرًا، لما خسرنا 24 جنديًا هناك".

 وقال: "مهمتي الأولى كانت توصيل الطعام للجنود في المخيم، قالوا لي أنه فقط من خلال الـ دي 9 يمكن إيصال الطعام وفتح طريق لإمدادهم، دمرت كل شيء في طريقي لباب المكان الذي تحصنوا فيه (الجنود)، لم أسمح لهم بالخروج لمتر واحد".


وتابع: "كان المخيم مفخخًا بالكامل، الأرض والأسوار وجدران المنازل، يكفي أن تلمس أي شيء حتى ينفجر، أو يطلق عليك الرصاص من كل جانب، كانت جرافة دي 9 محصنة، حتى عبوة من 80 كيلو لم تكن لتؤثر لأكثر من ارتجافة في الكفين على المقود، طريقة إيقافها الوحيدة كانت صواريخ آر بي جي أو 50 كيلو متفجرات على سطحها".

وقال: "كنت أرجو قادة العمليات من أجل منحي فرصة تدمير منزل آخر أو شق طريق لتأمين الجنود، صنعت ملعب كرة القدم في المخيم من البيوت التي سويت بها الأرض.. هل تعلم كيف صمدت لمدة 75 ساعة لم أترجل بها عن الجرافة؟ كنت أشرب الويسكي طوال الوقت حتى لا أشعر بالتعب".

اظهار أخبار متعلقة


وتساءل وأجاب على نفسه: "ماذا يعني شق طريق؟ يعني تدمير منزلين من الجانب في البداية لأن الجرافة كانت أعرض من الأزقة في المخيم، لم يرف لي جفن وأنا أدمر منازلهم، ولم أرحم أحدا، كنت أمحو أي شيء بواسطة الجرافة، لم ألق بالًا لشيء سوى هدم بيوتهم، كنت أريد محو المخيم بالكامل، ولم يرفض أي جندي على جرافة أمر هدم منزل، بل كنا نستجيب للأمر بسعادة، وعندما يطلبون مني هدم منزل كنت أهدم عدة منازل".

وأكد أنه "لثلاثة أيام لم أفعل بها شيئا سوى الهدم والتجريف، كان الجيش يحذر بمكبر الصوت أهل أي منزل نريد هدمه ليخرجوا منه، لكني لم أرحم أحدا ولم أمهلهم أي لحظة، كنت أهدم المنزل على الفور بسرعة لأنتقل للمنزل التالي، وهناك منازل كنت أبدأ بهدمها وأصحابها بداخلها، لم أكترث لأي شيء سوى هدم المنازل، لم أر أي أحياء أو أموات، ولو رأيت ما كنت لأهتم، كنت واثقا بأن أناسا ماتوا في المنازل تحت الركام، لكن لا يهم".

وقال: "مع كل منزل يهدم كنت أشعر بسعادة كبيرة، كنت أعلم أنهم لا يهابون الموت ولا يكترثون له، لكنهم يكترثون لمنازلهم، دفنت 40 أو 50 شخصًا من أعمار مختلفة، وما يؤلمني حتى اليوم هو أننا لم نهدم المخيم بالكامل".

وختم بالقول: "شعرت بالكثير من المتعة والرضا والنشوة أحيانًا، وغضبت جدا عندما طلبوا منا الانسحاب خلال العمل على ملعب كرة القدم حتى لا يتمكن المصورون والصحافيون من توثيق ما نفعل، كنت أريد هدم مدخل المخيم".

"دي 9" 
تُعد شركة "كاتربيلر - Caterpillar Inc" لتصميم وتصنيع وتسويق وبيع المعدات الثقيلة والمحركات من الأكبر في هذا المجال حول العالم، كما أنها من أبرز الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وتواجه حملات مقاطعة عالمية. بسبب ذلك انطلقت منذ سنوات وتصاعدت خلال حرب الإبادة الحالية ضد قطاع غزة.

وظهر جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو يستخدم معدات الشركة وجرافاتها، في انتهاكاته ضد الفلسطينيين من بناء الجدار العنصري وهدم المنازل والبناء في المستوطنات وعمليات التجريف الواسعة في قطاع غزة خلال حرب الإبادة، وذلك باستخدام جرافات "D9" الشهيرة.


يذكر أن الشركة تقوم بتصنيع جرافات D9 وفقا للمواصفات العسكرية وتبيعها لـ"إسرائيل" كأسلحة بموجب برنامج المبيعات العسكرية الخارجية الأمريكي، وهو برنامج بين الحكومة لبيع معدات دفاعية أمريكية الصنع، وبمجرد تصديرها يتم تسليح الجرافات من قبل شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية المملوكة للدولة.

اظهار أخبار متعلقة


وقالت "رايتس ووتش" إن على شركة كاتربيلر أن تعلق فورا مبيعات جرافتها القوية من طراز D9 لجيش الاحتلال، بعدما وثقت أن الجيش يستخدمها كسلاح أساسي لهدم منازل الفلسطينيين وتدمير الزراعة وتمزيق الطرق في انتهاك لقوانين الحرب.

وأكدت المنظمة أن "كاتربيلر تخون قيمها المعلنة عندما تبيع الجرافات لـ "إسرائيل" وهي تعلم أنها تُستخدم بشكل غير قانوني لتدمير منازل الفلسطينيين، وإلى أن توقف إسرائيل هذه الممارسات، فإن استمرار مبيعات كاتربيلر سيجعل الشركة متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان".
التعليقات (0)

خبر عاجل