الإلقاء
والتلقين واعتبار أسلوب المحاضرة الإلقائيّة هو الأسلوب الأمثل لتلقّي العلوم؛
يعدّ من أكبر المشكلات التي يعاني منها تدريس العلوم الإنسانيّة في
الجامعات عموما
وفي الجامعات العربيّة على وجه الخصوص.
إنّ هيمنة
التلقين وأسلوب المحاضرة الإلقائيّة يقتل في الطّالب الدّافعيّة للتّعلم ويجعله
كماكينة التّسجيل التي يُلقى إليها وفيها ما يراد حفظه صمّا، كما أنّه يقتل فيه روح
الإبداع والابتكار والتّجديد.
ثمّ
إنّ الاعتماد بشكلٍ رئيسٍ على المحاضرة الإلقائيّة وغياب ورشات العمل التفاعليّة يقتل
في الطلّاب روح التّعاون لتحقيق الإنجازات المشتركة والإجابة عن الأسئلة الضاغطة
والقضايا المستجدة، وهذا التّعاون هو ما يحتاجه خريجو الكليّات الشرعيّة حين ينخرطون
في العمل المجتمعيّ.
الاعتماد بشكلٍ رئيسٍ على المحاضرة الإلقائيّة وغياب ورشات العمل التفاعليّة يقتل في الطلّاب روح التّعاون لتحقيق الإنجازات المشتركة والإجابة عن الأسئلة الضاغطة والقضايا المستجدة
إنّ التلقين
والمحاضرة الإلقائيّة أسلوبٌ يجعل من المدرّس محورا في عمليّة التّعليم والتّعلّم،
بينما ينبغي أن يكون الطّالب هو المحور في هذه العمليّة عموما، لا سيما في كليّات الشّريعة
إذا أردنا للمتخرّجين أن ينخرطوا في المجتمع ليكونوا أدوات تغيير وتأثير حقيقيّ،
ويكونوا قادرين على التّعامل مع شرائح المجتمع المختلفة وقضاياهم الشائكة.
إنَّ الانتقال
من أسلوب التّلقين والمحاضرة إلى أسلوب المشاركة مع الطلاب في الحوار التفاعليّ،
أو المشاركة بين الطلاب في ورشات عمل، وتمليكهم مهارات الإنجاز المشترك في العمليّة
التعليميّة؛ بحيث يشترك أطرافها كلّهم في تحضير المُدخلات وإنجاز المُخرجات
وتقييمها وتقويمها؛ يغدو مطلبا مُلحّا للخروج من حالة التّكديس المعرفي التي يعانيها
طلّاب العلوم الشرعيّة.
إنَّ الانتقال
إلى أسلوب المشاركة بين الطّالب وأستاذه ابتداء من التحضير إلى التفاعل الحواريّ
وصولا إلى التّقويم هو الذي يجعل خريج كلّية الشريعة قادرا على التّعامل الأمثل مع
النّص الشرعي والعلوم والمعارف الشرعيّة في مواقف مجتمعيّة خارج أسوار الجامعة.
مع
يقيننا أنّه لا يمكن لطالب العلوم الشرعيّة أن يستغني عن
الحفظ على الإطلاق، بل لا
يجوز له ذلك على الإطلاق، بل الحفظ ركيزة أساسيّة في
التعليم الشرعيّ، إذ إنّ التمكّن
من الحفظ والبراعة في الاستذكار والاستحضار هو البوّابة التي يلج منها طالب العلوم
الشرعيّة إلى ميادين الإبداع.
غير أنّ
الكارثة تكمن عند تخيّل أن الحفظ هو غاية ما على الطّالب الجامعيّ فعله؛ فيبقى الخرّيج
عالقا عند قنطرة حفظ المتون والشّروح والمنظومات والكتب والمؤلّفات لا يجاوزها إلى
غيرها لأنّه لا يملك أدوات المحاكمة والنّقد.
وهذا ما
عبّر عنه الشّيخ محمّد عبده حين قيل له: إنّ فلانا حفظ صحيح البخاريّ؛ فقال: زادت نسخة
من صحيح البخاري في البلد.
وكذلك
نُقل مثل ذلك عن الشّيخ علي الطّنطاوي حين قيل له: إنّ فلانا حفظ القاموس المحيط؛ فقال:
زادت نسخ القاموس المحيط نسخة.
بناء ملكة النقد والمحاكة المنهجيّة في رحاب الجامعة خيرٌ من التّخرّج بقدراتٍ نقديّة لا تؤهّل صاحبها للتعامل مع وقائع المجتمع. كما أنّه خير من ترك الخرّيج للشطط في المحاكمات غير المنضبطة بقواعد البحث العلمي عند اضطراره لفعل ذلك تحت ضغوط حاجة المجتمع
فليسَ
في هذه الأقوال ذمّ لعمليّة الحفظ، بل هو ذمٌّ للتمحور حول الحفظ الذي يجعل طالب العلوم
الشّرعيّة نسخة مصوّرة من الكتاب الذي يحفظه ليس أكثر.
فالمهمّ
هو امتلاك أدوات النقد ومهارات الفهم والتّحليل والاستنباط في التعامل مع كتب
التراث أو الكتب المعاصرة في التخصصات الشرعيّة المختلفة.
وقد تكون
المبالغة في مطالبة الطلّاب بالحفظ "الفوتوكوبي" بهذا الشّكل مفهومة في أزمنةٍ
سالفة حيث ندرة الكتب وقلّة النّسخ، لكنه لم يعد من المقبول أن تستمرّ المبالغة بالتمحور
حول هذا الأسلوب إلى اليوم في عصر الإنترنت والاتصالات والتفجّر المعلوماتي؛ الذي يتطلّب
الانتقال إلى تمليك الطلّاب مهارات التّعامل مع تدفق المعلومات التي ترتكز على أدوات
البحث والمحاكمة النّقديّة، ومهارات التّحليل والاستنباط والاستدلال، والتّنزيل على
الواقع تنزيلا لا تكلّف ولا شطط فيه.
إنّ وضع
الأسوار حول التّراث العلميّ من جهة، ورسم الهالة حول الشّخصيّات العلميّة القديمة
والمعاصرة حدّ القداسة؛ يحول دون امتلاك الطلّاب جرأة خوض غمار البحث الحقيقيّ القائم
على القراءة النقديّة وإعمال العقل البحثي النقديّ في رحاب الجامعة.
إنّ بناء
ملكة النقد والمحاكة المنهجيّة في رحاب الجامعة خيرٌ من التّخرّج بقدراتٍ نقديّة لا
تؤهّل صاحبها للتعامل مع وقائع المجتمع. كما أنّه خير من ترك الخرّيج للشطط في المحاكمات
غير المنضبطة بقواعد البحث العلمي عند اضطراره لفعل ذلك تحت ضغوط حاجة المجتمع في مرحلة
ما بعد الجامعة.
x.com/muhammadkhm