مقالات مختارة

هل يمكن تحقيق الأمن والسلام مع استمرار الاحتلال؟

إبراهيم نوار
عملية طوفان الأقصى مثلت أكبر صدمة للاحتلال منذ عام 1948- مواقع عبرية
عملية طوفان الأقصى مثلت أكبر صدمة للاحتلال منذ عام 1948- مواقع عبرية
يروج رئيس الوزراء الإسرائيلي وشركاؤه في الائتلاف الحكومي، الذين قتلوا حتى الآن أكثر من 41 ألف فلسطيني، ما يعادل أكثر من 120 ضحية يوميا منذ بدأت حرب غزة، معظمهم من الأطفال والنساء، أن إسرائيل تدافع عن نفسها.

وهو يقول: «نحن محاطون بأيديولوجية دموية يقودها محور الشر الإيراني». مضيفا «أن القتلة لا يفرقون بيننا. إنهم يريدون قتلنا جميعا، يمينا ويسارا، علمانيين ومتدينين، يهودا وغير يهود، حتى النهاية».

وقد أكد في تصريحاته بعد عملية «جسر اللنبي» أن قوة الجيش الإسرائيلي هي التي تضمن بقاء إسرائيل. هذه التصريحات تحمل ثلاث رسائل لا لبس فيها. الأولى إنها تؤكد غرور القوة، وإنها الأساس في استمرار دولة العصابات الصهيونية. الثانية تسعى إلى بناء وحدة مجتمعية في مواجهة الانقسامات الداخلية، خصوصا بين العلمانيين والمتدينين. أما الرسالة الثالثة فإنها تمثل محاولة متكررة لخلط الأوراق، وتقديم مبررات لتوسيع نطاق الحرب في غزة والضفة الغربية، بإقحام إيران في حرب التحرير الفلسطينية.

ما يريده نتنياهو وحلفاؤه من ذلك هو تذويب القضية الفلسطينية في حرب دائمة، ينتهي فيها التركيز على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وفتح الباب لإقامة نظام إقليمي جديد تقوده إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة.

نتنياهو ليس وحده، بل هناك كثيرون معه في تغليب الحرب على السلام.

ويقدم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مثالا من داخل الائتلاف الحاكم بقوله منذ أيام: «الحرب التي نخوضها ليست فقط ضد غزة وحزب الله، لكن أيضا هي حرب في يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة الغربية)».

كما قال إنه طلب من نتنياهو إدراج «النصر» «في يهودا والسامرة» كجزء من أهداف الحرب في غزة.

هذه التصريحات تقدم دليلا قاطعا على أن حكام إسرائيل هم الذين يتبنون أيديولوجية دموية قاتلة ضد الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة وليس العكس.

كما تقدم دليلا قاطعا على أن إسرائيل ترفض التعايش على أساس المساواة والاحترام المتبادل والتعاون مع الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة. وربما لا نبالغ إذا قلنا، إنه مع عودة العقيدة السياسية الإسرائيلية إلى جذورها الأولى، استخدام القوة في ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين واغتصاب أرضهم، التي قامت عليها الدولة بواسطة العصابات الصهيونية، فإنه ليس من الغريب أن تكون «القوة» هي محور وأساس استمرار سياسة القهر والاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.

الأيديولوجية الدموية القاتلة في حقيقة الأمر هي أيديولوجية حكومة إسرائيل الصهيونية الدينية المتطرفة.

الأكثر من ذلك والأخطر، هو أن عودة العقيدة السياسية للدولة إلى جذور نشأتها بواسطة العصابات الصهيونية، خصوصا العقيدة الدموية للإرهابي الصهيوني الأول زئيف جابوتنسكي، قد أشعلت سباقا داخل النخبة السياسية الإسرائيلية ناحية الميل للتطرف الدموي واستمرار الحرب لكسب أصوات الناخبين.

وقد وصل هذا السباق إلى أن يتبنى سياسيون يتم تصنيفهم في «تيار الوسط» مثل بيني غانتس أحد منافسي نتنياهو، رؤية قريبة جدا من نتنياهو وبن غفير وسموتريتش. بيني غانتس قال في تصريحات أخيرة في مؤتمر الحوار الأمريكي – الإسرائيلي في واشنطن (MEAD) إن: «النصر الحقيقي (يقصد في حرب غزة) هو إعادة الرهائن إلى عائلاتهم والسكان إلى ديارهم. هذا هو أساس النصر».

أما بشأن الحرب نفسها التي يزعم الجيش الإسرائيلي أنها قضت على المقاومة عسكريا؛ فقال غانتس «سيستغرق الأمر عقدا آخر من العمليات (العسكرية) في غزة، لضمان عدم قدرة حماس على إعادة بناء قوتها». ومع أن الحرب في غزة لم تنته بعد فإن غانتس يطالب بتطوير العمليات العسكرية على جبهة الشمال قائلا: «يجب أن نتحرك الآن نحو قرار نضرب فيه بشكل استباقي (في لبنان) ردا على أي انتهاك أو تهديد لحدودنا، خاصة التهديد بالتسلل إلى مدننا». وأوضح: «يجب أن نضمن أن يتمكن السكان (النازحون من شمال إسرائيل) من العودة إلى ديارهم. يمكننا تحقيق هذا الهدف، حتى لو كان ذلك يعني الإضرار بلبنان نفسه.

لسوء الحظ، لا أرى طريقة أخرى». وقال إن قرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي كان من المفترض أن ينهي حرب لبنان الثانية، قد عفا عليه الزمن الآن». هذه الإشارة من جانب غانتس تعني دعوة صريحة إلى انتهاك قرار مجلس الأمن المذكور، وفتح الباب لحرب عدوانية شاملة ضد لبنان.

ومن الواضح تماما في الوقت الراهن أن فرص التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب غزة أصبحت منعدمة تقريبا، وأن إسرائيل تواصل ارتكاب مذابح قتل الفلسطينيين الأبرياء كل يوم.
شركاء الائتلاف الحاكم حريصون أشد الحرص على استفزاز الدول والشعوب المجاورة

وفي الوقت نفسه فإن شركاء الائتلاف الحاكم حريصون أشد الحرص على استفزاز الدول والشعوب المجاورة، بما فيها تلك التي ترتبط معها باتفاقيات للسلام. العلاقات مع الأردن تزداد سوءا، خصوصا مع انتهاك حرمة المسجد الأقصى يوما بعد يوم، واستخدام إجراءات قمعية على خط الحدود الذي تسيطر عليه القوات الإسرائيلية بدعوى مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات. كما أن العلاقات مع مصر تزداد احتقانا بسبب احتلال محور فيلادلفيا بواسطة القوات الإسرائيلية بأسلحتها الثقيلة من المدفعية والمدرعات، وغارات الطيران الإسرائيلي التي لا تتوقف بالليل أو النهار.

كما أن الاستفزازات ضد مصر لا تتوقف عند حدود اتهامها بالمسؤولية عن تهريب الأسلحة إلى غزة، وإنما تتضمن أيضا تغيير الحقائق على الأرض بتدمير منشآت معبر رفح على الجانب الفلسطيني، وإقامة تحصينات عسكرية دائمة على محور فيلادلفيا، وهو المفترض ان يكون منطقة عازلة منزوعة السلاح.

ويرى كثيرون في مصر أن الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الأركان المصري إلى القوات الموجودة على الجانب المصري قبالة المحور، كان الغرض منها هو امتصاص غضب الجنود، وتأكيد تصميم مصر على إلزام إسرائيل باحترام بنود معاهدة السلام، بما فيها حظر وجود قوات إسرائيلية ثقيلة التسليح على طول المحور.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد عقد اجتماعا للحكومة الأمنية الإسرائيلية على أرض محور فيلادلفيا تم فيه التصويت لصالح خطة البقاء عسكريا في المحور ونقل معبر رفح إلى داخل إسرائيل.

وأعلن فيه أن القوات الإسرائيلية لن تنسحب من هناك لا بعد 42 يوما ولا 42 عاما. وأعاد التأكيد على ذلك في المؤتمر الصحافي العبري الذي عقده يوم 2 من الشهر الحالي، وفي كل تصريحاته اللاحقة. وقد أضاف وزير المالية سموتريتش خطا أحمر آخر يعارض الانسحاب من «محور نتساريم» الممتد في وسط غزة، من الحدود إلى البحر.

إن البيانات السياسة الصاخية لن تنهي الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، كما لن تنفع صيحات الاحتجاج الدبلوماسية، ولا المؤتمرات والقرارات الدولية.

هذا لا يعني التقليل من شأن هذه الأدوات في الدبلوماسية الرسمية والشعبية، لكنه يعني أنها مجرد عوامل مساعدة. أما العوامل الرئيسية الفاعلة فإنها تلك التي تستهدف إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأرض المحتلة. هذا يستلزم ألا يكون الفلسطينيون وحدهم، وأن يواجهوا القوة الإسرائيلية بما استطاعوا من القوة، وأن يواجهوا الوحشية الإسرائيلية بالصمود، وأن يواجهوا دبلوماسية الكذب ومحاولات تغيير الحقائق بإعادة التأكيد على التمسك بحقوقهم الشرعية، وعلى رأسها الحق في الدولة.

إسرائيل لن تنجح أبدا في خلق وضع آمن مع استمرار الاحتلال


إن ما يحدث الآن في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة وفي شمال إسرائيل، يؤكد أن إسرائيل لن تنجح أبدا في خلق وضع آمن مع استمرار الاحتلال، وأن الخيار اليوم أو غدا هو بين تحقيق الأمن أو استمرار الاحتلال، وأن حصول إسرائيل على كل منهما في وقت واحد مستحيل.

فلتجعل مقاومة الاحتلال من إسرائيل دولة فاشلة، عاجزة عن حماية ما تقول عنه إنها حدودها مع العالم الخارجي. ولتجعل منها دولة فاشلة في توفير «الأمان» لمواطنيها، خصوصا على خطوط المواجهة وخطوط التماس مع الاحتلال. ولتجعل منها دولة فاشلة في تحييد أثر الإسراف في الإنفاق العسكري على مستوى الرفاهية المتاح لمواطنيها. ولتجعل منها دولة تكون شرعيتها محل تساؤل في نظر مواطنيها وفي نظر العالم كله.

ولتجعل المقاومة الفلسطينية من أيديولوجية إسرائيل العدوانية العنصرية موضوعا لسخرية شعوب العالم، خصوصا «الجيل زد» صانع المستقبل، الذي يقود موجات الاحتجاج ضد الوحشية الإسرائيلية وضد حرب الإبادة ضد الفلسطينيين.

«الجيل زد» الذي يرفع علم فلسطين، ويفخر بارتداء الكوفية الفلسطينية، ويفرح بالغناء والرقص والموسيقى بصحبة التراث الفلسطيني في احتفالات التخرج ومهرجانات الجامعات في كل أنحاء العالم، يزعزع شرعية سياسة إسرائيل، وينسف كل الأكاذيب التي ترددها الحكومة الإسرائيلية ومعها اليمين المتطرف في الولايات المتحدة والعالم، ويرفض زعم أنها تدافع عن نفسها في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان.

إسرائيل دولة محتلة، ولن تستطيع أن تحصل على الأمن مع الاحتلال. ولن يزول الاحتلال بالتواطؤ مع المحتل أو إثابته، وإنما يزول الاحتلال بالمقاومة.

القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل