حول العالم

لماذا يلجأ بعض الأزواج في هولندا لإنهاء حياتهما معا؟ 33 حالة في عام 2023

يعد "القتل الرحيم" والانتحار بمساعدة الغير في هولندا أمرا قانونيا- جيتي
يعد "القتل الرحيم" والانتحار بمساعدة الغير في هولندا أمرا قانونيا- جيتي
رغم الحياة السعيدة التي يعيشونها، يقرر بعض الأزواج في هولندا إنهاء حياتهما معا، فيما يعرف بالـ"القتل الرحيم الثنائي"، وهو أمر قانوني ونادر، ولكن في كل عام، يختار المزيد من الأزواج الهولنديين إنهاء حياتهم بهذه الطريقة.

آخر تلك الحوادث كانت في أوائل حزيران/ يونيو الحالي، حين قرر الزوجان جان وإلس إنهاء حياتهما بعد ما يقرب من خمسة عقود من الزواج، حيث ماتا معا بعد أن أعطاهما طبيبان دواء مميتا لإنهاء حياتهما.

قبل ثلاثة أيام من لفظ أنفاسهما الأخيرة بإرادتهما، جلس الزوجان في شاحنتهما الكبيرة في مرسى مضاء بأشعة الشمس في فريسلاند، شمال هولندا، فهما يحبان التنقل باستمرار، وقد عاشا معظم فترة زواجهما في مقطورة متنقلة أو على متن قوارب، بحسب تقرير لـ"بي بي سي".

إظهار أخبار متعلقة


يبلغ جان من العمر 70 عاما، فيما تبلغ زوجته إلس، 71 عاما، وتعاني من الخرف.

عندما كانا زوجين شابين، عاشا في قارب منزلي عائم، واشتريا لاحقا سفينة شحن، وأسسا شركة لنقل البضائع عبر الممرات المائية الداخلية في هولندا.

كان جان يعاني من آلام خطيرة في الظهر بسبب العمل الشاق الذي كان يقوم به لأكثر من عقد من الزمن.

في عام 2003، خضع جان لجراحة في ظهره، لكنه لم يتحسن، وتوقف عن استخدام العقاقير المسكنة الثقيلة، ولم يعد قادرا على العمل، بينما كانت إلس ما تزال مشغولة بالتدريس، أحيانا كانا يتحدثان عن "القتل الرحيم"، أوضح جان لأسرته أنه لا يرغب في العيش لفترة طويلة مع الإعاقة الجسدية، وفي هذا الوقت تقريبا، انضم الزوجان إلى منظمة "الحق في الموت" الهولندية.

قال جان لابنه الوحيد: "إذا تناولت الكثير من الأدوية، فإنك تعيش مثل الزومبي"، "لذا، مع الألم الذي أعاني منه، ومرض إلس، أعتقد أنه يتعين علينا إيقاف هذا."

عندما يقول جان "إيقاف هذا"، فهو يعني "التوقف عن العيش".

في عام 2018، تقاعدت إلس عن التدريس، كانت تظهر عليها علامات الخرف المبكرة، لكنها كانت مصرة على عدم رؤية الطبيب.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بعد تشخيص إصابتها بالخرف، غادرت إلس غرفة استشارة الطبيب وهي غاضبة، تاركة وراءها زوجها وابنها.

وبعد أن علمت إلس أن حالتها لن تتحسن، بدأت هي وجان وابنهما في مناقشة فكرة القتل الرحيم الثنائي، حيث يموت الاثنان معا.

في هولندا، يعد "القتل الرحيم" والانتحار بمساعدة الغير أمرا قانونيا إذا تقدم شخص ما بطلب طوعي، ويجري تقييم معاناته الجسدية أو النفسية من قبل الأطباء على أنها "لا تحتمل"، ودون أمل في التحسن، ويتم تقييم كل شخص يطلب "القتل الرحيم" من قبل طبيبين؛ يقوم الطبيب الثاني بمراجعة التقييم الذي أجراه الطبيب الأول.

في عام 2023، توفي 9068 شخصا بـ "القتل الرحيم" في هولندا، أي نحو 5 بالمئة من إجمالي عدد الوفيات، وكان هناك 33 حالة من الحالات توفيت بالـ "القتل الرحيم الثنائي"، أي 66 شخصا.

في حالة رغبة الزوجين في إنهاء حياتهما معا، يجب على الأطباء التأكد من أن أحد الشريكين لا يؤثر على الآخر.

شهد الدكتور بيرت كايزر حالتين من "القتل الرحيم الثنائي"، ولكنه أيضا يتذكر لقاءه بزوجين آخرين، حيث اشتبه في أن الرجل كان يضغط على زوجته، ثم في زيارة لاحقة، تحدث مع المرأة بمفردها، بحسب "بي بي سي".

"قالت؛ إن لديها الكثير من الخطط..!" يقول الدكتور كايزر، موضحا أن المرأة تدرك بوضوح أن زوجها مريض بشدة، لكن ليس لديها خطط للموت معه.

ويقول الدكتور كايزر: أوقفت عملية "القتل الرحيم" لهما، وتوفي الرجل لأسباب طبيعية، فيما ما تزال زوجته على قيد الحياة.

الدكتور ثيو بوير، أستاذ أخلاقيات الرعاية الصحية في الجامعة اللاهوتية البروتستانتية، هو أحد المنتقدين القلائل لـ "القتل الرحيم" في هولندا، ويعتقد أن تقديم الرعاية التلطيفية غالبا ما يخفف من الحاجة إلى استخدامه.

"أود أن أقول؛ إن الوفاة على يد طبيب يمكن تبريرها، ومع ذلك، يجب أن يكون هذا استثناء".

ما يقلق الدكتور بوير، هو تأثير حالات "القتل الرحيم الثنائي"، خاصة بعد أن اختار أحد رؤساء الوزراء الهولنديين السابقين وزوجته أن يموتا معا في وقت سابق من هذا العام، وتصدرا عناوين الأخبار العالمية.

"في العام الماضي، شهدنا العديد من حالات "القتل الرحيم الثنائي"، وهناك توجه عام لتحويل المتوفين إلى أبطال بسبب الموت معا،" يقول الدكتور بور: "لكن التابو حول القتل العمد بدأ يتآكل، وخاصة عندما يتعلق الأمر بـ"القتل الرحيم الثنائي.".

في اليوم السابق لموعدهما مع أطباء "القتل الرحيم"، اجتمعت إلس وجان وابنهما وأحفادهما معا؛ ولأن جان يتمتع بعقلية عملية للغاية، فقد أراد أن يشرح لهم خصائص شاحنتهما الكبيرة المتنقلة حتى تكون جاهزة للبيع.

"ثم خرجت في نزهة على الشاطئ مع والدتي"، يقول ابنهما، "كان الأطفال يلعبون، وألقينا بعض النكات... كان يوما غريبا للغاية".

"أتذكر أننا كنا نتناول العشاء في المساء، وبدأت الدموع تنهمر من عيني بمجرد رؤيتنا جميعا نتناول العشاء الأخير معا".

في صباح يوم الاثنين، اجتمع الجميع في دار رعاية المسنين المحلية، وكان هناك أصدقاء الزوجين الأعزاء، إخوة جان وإلس، وزوجة ابنهما مع ابنهما.

"كان لدينا ساعتان معا، قبل أن يأتي الأطباء"، يقول: "تحدثنا عن ذكرياتنا... واستمعنا إلى الموسيقى".
"كانت النصف ساعة الأخيرة صعبة جدا"، يوضح ابنهما: "وصل الأطباء وحدث كل شيء بسرعة.. يتبعون الإجراءت المعتادة، وبعد ذلك لم يبق سوى دقائق قليلة".

إظهار أخبار متعلقة


تلقى الزوجان إلس فان لينينغن وجان فابر الدواء القاتل من قبل الأطباء، وتوفيا معا في يوم الاثنين 3 حزيران/ يونيو 2024.

لم تعرض شاحنتهما للبيع بعد، حيث قرر ابن إلس وجان الاحتفاظ بها لفترة، والذهاب في إجازة مع زوجته وأطفاله.

ويختتم الابن قائلا: "سأبيعها في النهاية، لكن أرغب أولا في صنع بعض الذكريات مع العائلة".
التعليقات (0)