اعتقله
الاحتلال ستة أشهر ثم أطلق سراحه، وأعاد اعتقاله بعد أسبوع من إطلاق سراحه لعدة ساعات، ثم عاد من جديد وأطلق سراحه.
دائرة مغلقة من
الاعتقالات الفوضوية والعبثية التي تهدف إلى محاصرة روحه الصلبة حيث يتعرض الرجل لحملة تحريض واسعة عبر الإعلام الإسرائيلي، بعد مقابلة متلفزة تحدث خلالها عن الظروف الوحشية التي يعيشها الأسرى
الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال.
لم يمارس أي نشاط عسكري واقتصرت حياته على الدراسات والتدريس الأكاديمي، لكن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انتفاضة الحجارة، ورئاسته للمجلس التشريعي الفلسطيني وضعته في دائرة مطاردة الدوائر الأمنية في دولة الاحتلال.
دخل سجون الاحتلال وأقبيته المظلمة والرطبة التي تنبعث منها رائحة الموت والكراهية وغرف الغاز بهيئة وخرج منها بهيئة أخرى شاحبة منهكة، وبجسد نحيل، وشعر أبيض طويل ولحية بيضاء كثة متطايرة.
ولد
عزيز الدويك، في القاهرة عام 1948 لأم من مصر وأب فلسطيني من مدينة الخليل.
درس في مدينة الخليل، وتخرج من الثانوية العامة عام 1976. ثم التحق بالجامعة الأردنية وتخرج منها بتخصص الجغرافيا عام 1980 وكان الأول على دفعته.
حصل على شهادة دكتوراه في التخطيط الإقليمي والعمراني من جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا بالولايات المتحدة. ولديه ثلاث شهادات ماجستير في: التربية، وتخطيط المدن، والتخطيط الإقليمي والحضري.
اظهار أخبار متعلقة
بدأ مسيرته المهنية مدرسا في حلحول بالضفة الغربية، ثم محاضرا في جامعة النجاح حتى عام 2006، وخلالها أسس قسما للجغرافيا في الجامعة وترأسه لسنوات. كما أنه كان عضوا في عدة مجالس وهيئات في الجامعة، وعين أمين سر نقابة العاملين في الجامعة.
حياته العلمية اقتصرت على الأستاذية في جامعة النجاح الوطنية، وفي الحياة الأكاديمية.
تلمس طرق ودهاليز السياسة في فترة مبكرة من حياته حين انتسب لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1988 في بداية تأسيسها، وأصبح من نشطاء الحركة وأحد أقطابها وناطقا باسمها باللغة الإنجليزية.
شارك في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ما أدى لاعتقاله لمدة 6 أشهر، ثم اعتقل في المرة الثانية عام 1991 بتهمة "المشاركة في الفعاليات والنشاطات المؤيدة لحركة حماس".
وكان أحد المبعدين إلى مرج الزهور عام 1992 برفقة أكثر من 415 مناضلا، وكان أحد مرافقي الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في الإبعاد.
وحين عاد من الإبعاد أعاد الاحتلال اعتقاله للمرة الثالثة عام 1994.
بعد تجربة الإبعاد إلى مرج الزهور قرر التفرغ للدراسة والتحصيل العلمي والعمل الأكاديمي.
لكنه ما لبث أن وجد نفسه في بؤرة العمل السياسي والاعتقالات حين انتخب في عام 2006 رئيسا للمجلس التشريعي الفلسطيني بعد أن ترشح ضمن قائمة "التغيير والإصلاح" الممثلة لحركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، ليكون الرئيس الرابع للمجلس بعد، أحمد قريع، وروحي فتوح، وحسن خريشة.
وسيبدأ "أبو هشام"، كما يكنى، سلسلة أخرى من الاعتقالات من قبل الاحتلال، ففي عام 2006، قامت 20 آلية عسكرية بمحاصرة منزله في رام الله لاعتقاله. وظل معتقلا لمدة ثلاث سنوات، عانى خلالها من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، وأُفرج عنه في عام 2009 لعدم كفاية الأدلة.
اعتقل مجددا في عام 2012، بعد عودته من مدينة رام الله إلى منزله في الخليل، وأُطلق سراحه بعد 6 أشهر.
دعا في عام 2013 السلطة الفلسطينية إلى إحالة ملف الأسرى في سجون الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية، بعد وفاة الأسير ميسرة أبو حمدية التي أثارت احتجاجات واسعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ثم اعتقل لاحقا من قبل سلطات الاحتلال في عام 2014 بعد اختطاف ثلاثة مستوطنين، وأطلق سراحه في العام التالي.
واحتجاجا على قرار حل المجلس التشريعي في عام 2018 منعته أجهزة السلطة الفلسطينية من عقد مؤتمر صحفي دعا إليه أمام المجلس في رام الله واحتجز لفترة وجيزة عند حاجز للسلطة الفلسطينية بالقرب من مدينة بيت لحم. وتعرض منزله في الخليل في عام 2020 لهجوم بقنبلة يدوية ألقاها مجهولون ولم تنتج عنه إصابات.
اظهار أخبار متعلقة
اعتقلته سلطات الاحتلال بعد "طوفان الأقصى" بنحو عشرة أيام. وصدر بحقه قرار اعتقال إداري لمدة 6 أشهر بأمر عسكري إسرائيلي بدعوى وجود ما يسميه الاحتلال "تهديدا أمنيا" دون توجيه لائحة اتهام.
وعانى الدويك خلال مدة اعتقاله من ظروف صحية صعبة جدا، حيث إنه لم يتلق العلاج الطبي المناسب، ولم يسمح له بلقاء عائلته طول فترة اعتقاله. فهو يعاني أيضا من فقر الدم ونقص الهيموغلوبين بسبب مرض السكري، كما أنه سبق له أن أجرى عمليتي قسطرة وتفتيت حصى الكلى.
وبدا لحظة إطلاق سراحه بعد اعتقال تعسفي دام 6 أشهر في وضع صحي هزيل وكأنه شخص آخر شأن آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الذين يعانون من سوء المعاملة التي تضاعفت مرات عديدة بعد الحرب الحالية بالإضافة إلى التعذيب، وسوء المعاملة، والحرمان، وسياسة العقاب بالتجويع، وقد استشهد في سجون الاحتلال مجموعة من السجناء منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
الدويك لم يجلس صامتا بعد إطلاق سراحه، ورفض خيانة رفاقه الأسرى بالتزام الصمت وعدم الحديث عن ما يجري في غرف التعذيب والقتل البطيء في سجون الاحتلال، فرأى أن معاملة الاحتلال للأسرى داخل السجون تدل على أنه "فقد أعصابه وفقد توازنه"، مشيرا إلى أن الاحتلال فقد "المبرر الأخلاقي المدعى أمام العالم".
الدويك يلخص الوضع بقوله: "الاحتلال فقد عقله، وتحول من دولة إلى عصابات".
لم يكن الدويك استثناء في حركة حماس فقد سبقه رفاق له قضوا شهداء، وبعضهم أمضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال والبعض الأخر يتوارى عن الأنظار وعن عيون الاحتلال.
الدويك، خرج من بوابة المعتقل وهو يرتدي "تي شيرت" أسود وبنطال رياضة بجسده المتعب، لكن روحه بدت قوية صامدة ومتحدية، مظهرا الوجه الحقيقي للاحتلال، الوجه الذي خدع به العالم طيلة 76 عاما.
ولم يمض أسبوع واحد على إطلاق سراحه حتى حاصرت قوات إسرائيلية منزل الدويك، في منطقة حي الجامعة، بمدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة، قبل أن تقوم بالتنكيل به أمام عائلته، واعتقاله بعد أن تعرض الرجل لحملة تحريض واسعة عبر الإعلام الإسرائيلي، بعد مقابلة إعلامية تحدث خلالها عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وما يواجهونه من جرائم فاقت أي سجن سيئ السمعة في تاريخ البشرية، ثم عاد الاحتلال وأفرج عنه بعد ساعات من إعادة اعتقاله.
في جميع مراحل حياته السياسية والأكاديمية كان الدويك رجلا هادئا متزنا صلبا، دفع ثمن خياراته الوطنية من صحته وحريته.
وفي المرة الأخيرة رغم العمر والمرض، وقف الدويك منتصب القامة على هيئة مناضل يستنشق هواء الحرية على أرض فلسطين، في ظلال معركة الصمود والبطولة، بكل قوة وصبر ويقين بانتظار الحرية لباقي الأسرى ولفلسطين قاطبة.