صحافة دولية

MEE: إسرائيل تتجه نحو الفاشية بعزل مجتمعها عما يجري في غزة

دولة الاحتلال تواصل فرض حظر نشر وتعتيم إعلامي واسع داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن ما يجري من مذابح في غزة- جيتي
دولة الاحتلال تواصل فرض حظر نشر وتعتيم إعلامي واسع داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن ما يجري من مذابح في غزة- جيتي
سلط تقرير لموقع "ميدل إيست آي" الضوء على حالة القمع والتعتيم التي تمارسها سلطات الاحتلال في أوساط فلسطينيي الداخل، في محاولة لعزلهم عما يجري من مذابح ومجازر متواصلة في قطاع غزة.

وقال تقرير أعده الصحفي، ميرون رابوبورت، إن الحرب التي تشنها "إسرائيل" في غزة جعلت الإسرائيليين يعيشون حالة من الخوف والإنكار بينما ينزلق المجتمع نحو الفاشية، بعد أن طال القمع إسرائيليين يهودا معارضين للحرب.

وحول حالة العزل التي يمارسها الاحتلال داخل المجتمع الإسرائيلي، قال التقرير، إنه لا تكاد ترى مقطعاً مصوراً واحداً للانتهاكات الفظيعة التي ترتكب في غزة، كما يتم تصوير المظاهرات الأسبوعية الضخمة التي تشهدها لندن وواشنطن وغيرهما من مدن العالم كما لو كانت مجرد مسيرات لليساريين الدوليين الذين يؤيدون ذبح المدنيين الإسرائيليين.

اظهار أخبار متعلقة


ولفت رابوبورت كاتب التقرير إلى أنه "لا تجد في الأخبار ذكراً لحالة الاشمئزاز المتنامية حول العالم إزاء ما تفعله إسرائيل في غزة، وحتى عندما يرد شيء من ذلك، فإنه يتم بطريقة مشوهة، كما لو أننا في مواجهة مؤامرة هائلة من مؤامرات معاداة السامية يتعرض لها اليهود وتتعرض لها إسرائيل".

‌وتاليا نص التقرير كما ورد في "ميدل إيست آي":

لا تقتصر إجراءات التطهير على الفلسطينيين، بل وتشمل كذلك اليهود المعارضين، والذين يقعون هم أيضاً ضحية لحكم عصابة من الدهماء.

تمر بي أوقات أتساءل فيها بجد ما هذا البلد الذي أعيش فيه. والأهم من ذلك، أتساءل ما الذي ستؤول إليه أوضاع البلد بعد يوم من انتهاء هذه الحرب المريعة.

يوم الاثنين، دخلت لأحضر لقاء عبر الزوم للجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في إسرائيل، وهي منظمة تمثل المواطنين الفلسطينيين، وتضم من ضمن أعضائها سياسيين وأكاديميين ونشطاء.

هل كان ذلك عملاً خيانياً؟ لعله كان كذلك

بحلول يوم الخميس، ألقي القبض على محمد بركة، رئيس اللجنة والزعيم السابق لحزب حداش اليساري، والذي كان عضواً في الكنيست لستة عشر عاماً.

كما ألقي القبض كذلك على شخصيتين سياسيتين كبيرتين هما سامي أبو شحاده، رئيس حزب البلد وعضو الكنيست السابق عن حزب البلد، وحنين الزعبي، وهي عضو سابق في الكنيست كذلك.

وتتمثل جريمتهم في أنهم دعوا إلى تنظيم تظاهرة صغيرة في الناصرة للاحتجاج على الحرب في غزة.

بات من المؤكد الآن أن مشاهدة قناة حماس على التلغرام جريمة يمكن أن يقضي المرء بسببها سنة داخل السجن.

كما تُشن عملية تطهير ضد الطلاب والمحاضرين الفلسطينيين داخل الجامعات والكليات الإسرائيلية.

يقول مركز عدالة، وهو منظمة قانونية وحقوقية فلسطينية، إن لديهم الآن ما يزيد عن مائة حالة لطلاب ومعلمين طردوا بشكل سريع وتعسفي بسبب شيء كتبوه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى عبر مجموعات واتساب خاصة حول غزة.

وبحسب ما يقوله مركز عدالة فإن بعض هذه التدوينات لم تزد عن الاستشهاد بآيات من القرآن أو نشر قائمة بأسماء الصحفيين الذين يعملون في الميدان داخل غزة.

تحدث حسن جبارين، مدير عام مركز عدالة، أمام اللجنة عن معلمة استدعيت للتحقيق بسبب كتابتها عبارة "لا إله إلا الله"، والتي يستشهد بها عادة عندما تحل بالمرء كارثة أو فاجعة.

فبينت لإدارة المدرسة أن عمتها توفيت. إلا أن إدارة المدرسة طالبتها بإبراز شهادة وفاة عمتها، ولم "يُعف عنها" إلا بعد أن فعلت ذلك.

بدأت هذه الملاحقات في جامعة حيفا


في نفس يوم هجوم حماس، تلقت طالبة تدرس هناك خطاباً من العميد يخبرها فيه أنه تم توقيفها عن متابعة دراستها وأنه يتوجب عليها إخلاء غرفتها في سكن الطالبات في اليوم التالي مباشرة.

اتهمت الطالبة بأنها "تدعم الهجوم الإرهابي على المستوطنات المجاورة لغزة وتدعم قتل الأبرياء." وهي تهمة نفتها عن نفسها بشدة.

أفضى ذلك إلى احتجاج وصدور عريضة وقع عليها أربعة وعشرون محاضراً طالبوا بانتهاج إجراءات قانونية صحيحة، وبأن تحال القضية إلى هيئة تأديبية.

تولى مركز عدالة القضية وقال في خطاب وجهه للجامعة إن طرد الطالبة كان "تعسفياً وغير منطقي" وأنه يرقى لكونه "انتهاكاً خطيراً لحقوق الطالبة في أن تخضع لمحاكمة عادلة وفي أن تحتفظ بغرفتها داخل السكن وفي أن تعبر عن رأيها بحرية".

ما زالت القضية بانتظار البت فيها


وهذا لا يحدث فقط في حيفا. لدي صديقة اسمها وردة سعادة، وهي أستاذة في كلية كايه لتدريب المعلمين في بئر السبع. نشرت تدوينة تقول فيها إن غزة تخضع للحصار منذ ستة عشر عاماً، دون أن تبرر بأي شكل من الأشكال أو تشيد بهجوم حماس. بل كانت واضحة في تنديدها بقتل المدنيين. ومع ذلك فصلت من وظيفتها بعد 30 سنة من العمل داخل الكلية.

ونفس الشيء يحدث في الخدمات الصحية الإسرائيلية، حيث يشكل الفلسطينيون أربعين بالمائة من العاملين في المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات.

نهاية داود، التي تعمل باحثة في الصحة العامة لدى جامعة بن غوريون في النقب وتترأس لجنة الشؤون الصحية في لجنة المتابعة العربية، وصفت ما يجري بأنه حملة طرد تشن على الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، لمجرد أنهم ربما كتبوا بعض العبارات حتى قبل أن تبدأ الحرب الأخيرة.

عبد سماره، أخصائي القلب في مستشفى هاشارون، طرد من وظيفته بدون جلسة استماع لمجرد أنه نشر – قبل عام من الهجوم – راية الإسلام وعليها حمامة تحمل غصن زيتون.

تقول نهاية داود إن الفلسطينيين العاملين في الخدمات الصحية يواجهون تضييقاً يمارسه ضدهم زملاؤهم اليهود، ولا يتخذ بحق هؤلاء أي إجراء من قبل النقابات أو من قبل الجمعية الطبية.

كما تحيط الحصانة من العقاب بعريضة وقع عليها مئات الأطباء من الإسرائيليين اليهود يطالبون فيها بقصف مستشفى الشفاء في مدينة غزة –وهي دعوة غير مسبوقة سواء في إسرائيل أو في أي مكان آخر من العالم، بحسب ما تقوله نهاية داود، التي زعمت بأن مثل هذه الدعوة تعتبر انتهاكاً مباشراً وصريحاً لمعاهدة جنيف ولقسم أبو قراط.

"شرطة الفكر"

بل وما يثير القلق أكثر من ذلك هو أن كثيراً من هذه الأمور لا تصدر عن القيادات العليا، من قبل حكومة جل وزرائها من اليمين المتطرف.

بل يقوم بعمليات التطهير تلك، والتي أشبه ما تكون بعمل "شرطة الفكر" نفس سلطات الجامعة أو سلطات المستشفى.

وهؤلاء الذين يتخذون مثل هذه الإجراءات هم الزملاء اليهود للمحاضرين والأطباء الفلسطينيين.

ما الذي يجري؟

أولاً، أعتقد بأن هذا قرار جماعي يتخذ بوعي، على المستويات الرسمية وغير الرسمية معاً، في مسعى للهروب من الواقع.

ولا أدل على ذلك من أنه لا توجد قناة تلفزيونية إسرائيلية واحدة بثت يوم الجمعة الماضي خطاب حسن نصر الله، زعيم حزب الله، باعتبار أن ذلك من شأنه أن يساعد العدو.

في المقابل لم تزل قناة الجزيرة تبث المؤتمر الصحفي اليومي للناطق باسم الجيش الإسرائيلي.

كثيرون هم الإسرائيليون الذين يرغبون في الانغلاق وعزل أنفسهم تماماً عن الواقع، وذلك أن مليونين من الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل يشعرون بالتضامن مع الناس في غزة، وبالطبع يتضامون معهم، لأن كثيراً منهم، وخاصة سكان يافا أو الرملة، لديهم أقارب من أفراد عائلاتهم في غزة، من اللاجئين الذين خرجوا من تلك المدن في عام 1948.

إلا أن إسرائيل تتصرف كما لو أن هذه الوشائج القوية بين المكونات المختلفة للشعب الفلسطيني لسوف تختفي لو أن أحداً لم يعد يتحدث عنها.

وهذا العالم الصوري البعيد عن الواقع هو نفسه الذي يحيط بقضية الرهائن من كل جانب. فقبل أسبوعين، وقبل أن يبدأ الاجتياح البري، كان الطرفان على وشك إبرام صفقة لإطلاق النساء والأطفال والمواطنين الأجانب مقابل النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في المعتقلات الإسرائيلية.

وكما أفاد موقع ميدل إيست آي من قبل، على الرغم من أنه كانت هناك مشاكل عالقة حول طول فترة الهدنة وحول إلى من سوف يتم تسليم السجناء الإسرائيليين، إلا أن مسؤولين يتوسطون في المفاوضات الجارية في قطر وصفوا الجانبين بأنهما على بعد "بوصتين اثنتين" من إبرام صفقة.

أحبطت الصفقة عندما بدأ الغزو البري، يحث أنه بمجرد أن حدث ذلك طرأ تبديل على الحكاية.

خرج الناطق باسم الجيش، وكذلك جميع المعلقين والمراسلين العسكريين، ليتحدثوا بصوت واحد، زاعمين بأن الغزو البري من شأنه أن يكثف الضغوط على حماس حتى تفرج عمن لديها من رهائن.

بعض عائلات الرهائن اعترضوا على ذلك، ولكنهم لم يتمكنوا من التعبير عن معارضتهم خشية أن يتهموا بانعدام الوطنية.

ولا يوجد هناك من يتساءل: "كيف بحق السماء يمكن للغزو البري أن يكثف الضغط على حماس حتى تطلق سراح الرهائن؟ بأي طريقة؟ ولماذا؟".

نظرة مشوهة

إنه مجرد سؤال آخر من الأسئلة التي تغدو دفينة تحت ركام هذه الحرب. ونفس الشيء ينطبق على ما يراه ويسمعه اليهود الإسرائيليون حول ما يجري داخل غزة. لا تكاد ترى مقطعاً مصوراً واحداً للانتهاكات الفظيعة التي ترتكب هناك.

كما يتم تصوير المظاهرات الأسبوعية الضخمة التي تشهدها لندن وواشنطن وغيرهما من مدن العالم كما لو كانت مجرد مسيرات لليساريين الدوليين الذين يؤيدون ذبح المدنيين الإسرائيليين.

لا تجد في الأخبار ذكراً لحالة الاشمئزاز المتنامية حول العالم إزاء ما تفعله إسرائيل في غزة، وحتى عندما يرد شيء من ذلك، فإنه يتم بطريقة مشوهة، كما لو أننا في مواجهة مؤامرة هائلة من مؤامرات معاداة السامية يتعرض لها اليهود وتتعرض لها إسرائيل.

لا تقتصر إجراءات التطهير على الفلسطينيين، بل وتشمل كذلك اليهود المعارضين، والذين يقعون هم أيضاً ضحية لحكم عصابة من الدهماء.

ومن هؤلاء الضحايا إيران رولنيك، الطبيب النفساني الذي لم يزل يكتب لسنوات في صحيفة هآريتز، والذي استدعي يوم الأربعاء إلى جلسة تأديبية من قبل هيئة الخدمة المدنية لمساءلته عن المقالات التي كتبها ضد نتنياهو.

ومنهم كذلك مائير باروخين، مدرس التربية الوطنية الذي ينشر أسماء وصور المدنيين الفلسطينيين الذين تقتلهم القوات الإسرائيلية في غزة أو في الضفة الغربية، وألقي القبض عليه يوم الخميس بتهمة "التآمر على ارتكاب خيانة".

وأما الصحفي اليساري الأرثوذكسي المتشدد إسرائيل فراي، والذي كتب يقول إنه يصلي من أجل الأطفال الضحايا في الكيبوتزات وفي غزة على حد سواء، فما زال متخفيا عن الأنظار بعد أن اضطر إلى الفرار من منزله على أثر تجمع عصابة من الدهماء في الخارج أمام البيت.

إن السؤال الكبير، وهو ما يمثل أكبر تخوف لدي، هو: ماذا بعد؟

بإمكانك أن تضع عهد الإرهاب الحالي في سياق الشعور بالخوف والرغبة في الانتقام، وهو إحساس متفهم على الرغم مما تكتنفه من مبالغات بعد الهجمات الفظيعة التي شنتها حماس، إذ لم يعد بعدها أحد من اليهود الإسرائيليين يشعر بالأمان داخل مسكنه.

ولكن هل سوف تتبخر هذه المنظومة الداخلية من كتم الأنفاس والتخويف بمجرد انتهاء الحرب؟ أما أننا نقف على عتبة عهد من القمع الشامل الذي يمارس ضد الفلسطينيين وضد المعارضين الإسرائيليين؟

هل تقف إسرائيل عند منعطف الفاشية؟ للأسف، لا يمكنني إعطاء إجابة مريحة على هذا السؤال.

التعليقات (0)