أثار الانحياز الأمريكي
الأوروبي للاحتلال على حساب الفلسطينيين بالمخالفة لنصوص وقواعد القانون الدولي
غضب الشارع العربي، الذي بدا مستنكرا إصرار الغرب على مخالفة الأعراف التي صنعها
بنفسه، ويقوم بتنفيذها وفق أهوائه ومصالحه ومصالح شركائه.
وفي الوقت الذي تمارس
فيه المقاومة الفلسطينية حقها المشروع في الدفاع عن نفسها وعن أراضي فلسطين
ومقدساتها، واجهت هجوما غربيا عليها منذ إطلاق حركة المقاومة الإسلامية
"حماس" عملية "طوفان الأقصى 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، مقابل
فواتير دعم مفتوحة للاحتلال، الذي يواصل قصف قطاع
غزة وقتل أكثر من 4 آلاف
فلسطيني.
وبدا انحياز الأوروبي
والأمريكي للاحتلال لافتا؛ حيث قام عدد من المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين
بزيارات متتابعة إلى تل أبيب، بينهم المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس
الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، إضافة إلى رئيسة المفوضية
الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وأعلنوا جميعهم دعم
الاحتلال بمواجهة الفلسطينيين.
"قمة الانحياز"
وفي "قمة
السلام" التي جرت السبت، في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، لبحث التهدئة
في قطاع غزة، بدا المشاركون الغربيون بالقمة التي دعا لها رئيس النظام المصري
عبدالفتاح السيسي، منحازين للجانب الاحتلالي؛ حيث أصروا على إضافة جملة (حق الاحتلال
في الدفاع عن نفسه).
كما أصر المسؤولون
الغربيون على وضع إدانة صريحة لحماس في البيان الختامي، الذي لم يصدر عن القمة
بسبب خلافات عربية أوروبية بهذا الشأن، كما رفضوا إدانة الاحتلال بقتل آلاف
المدنيين في غزة، أو المطالبة بوقف عاجل لإطلاق النار، ودخول المساعدات الإنسانية
إلى القطاع المُحاصر.
وفي 16 تشرين الأول/
أكتوبر الجاري، قال وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو؛ إن بلاده تقدم دعما
استخباراتيا للاحتلال.
وفي 15 تشرين الأول/
أكتوبر الجاري، أكدت دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة) في بيان مشترك "حق الاحتلال
في الدفاع عن نفسه وفقا للقانون الدولي"، فيما أعلنت إدانتها حركة حماس،
واصفة هجماتها على الاحتلال بالإرهابية والعنيفة.
وفي 13 تشرين الأول/
أكتوبر الجاري، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، بأن بلاده قررت إرسال
سفينتين حربيتين وطائرات هليكوبتر وطائرات مراقبة لتقديم "دعم عملي" للاحتلال
وضمان "الردع".
والجمعة الماضية، تعهد
وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس من تل أبيب، بدعم جيش الاحتلال بكل ما
يحتاجه، والوقوف بجانب الاحتلال وشعبه، فيما وضعت برلين منذ 12 تشرين الأول/
أكتوبر الجاري، طائرتين مسيرتين حربيتين من طراز "هيرون تي بي" تحت تصرف
الاحتلال.
وخلال القمة الأوروبية
الأمريكية الجمعة الماضية، وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيسة المفوضية
الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، رسالة واحدة
تؤكد وقوفهم كجبهة واحدة ضد المقاومة الفلسطينية والدعم اللانهائي للاحتلال.
"تناقض أمريكي سافر"
وفي السياق، اقترحت
أمريكا، السبت، مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي يقول؛ إن "للاحتلال الحق في
الدفاع عن نفسه"، فيما يدعو مشروع القرار الدول بأن تلتزم بالقانون الدولي
عند الرد على "الهجمات الإرهابية".
إظهار أخبار متعلقة
المثير أن الإصرار
الأوروبي ومشروع القرار الأمريكي يأتيان بعد أن استخدمت واشنطن "حق
النقض" (الفيتو) ضد نص صاغته البرازيل الأربعاء الماضي، كان يدعو إلى هدنة
إنسانية في الصراع بين الاحتلال وحركة حماس، للسماح بدخول المساعدات إلى غزة.
كما أنه من المثير
أيضا، أن المقترح الأمريكي يطالب إيران بالتوقف عن تصدير الأسلحة إلى
"المليشيات والجماعات الإرهابية التي تهدد السلام والأمن في أنحاء
المنطقة"، وتلزم "حزب الله اللبناني والجماعات المسلحة الأخرى بالوقف
الفوري لجميع الهجمات".
وذلك في الوقت الذي
حشدت فيه الإدارة الأمريكية والجيش الأمريكي كامل دعمها وقواتها وأسلحتها لإنقاذ الاحتلال.
وفي خطاب ألقاه من
البيت الأبيض الجمعة، وبعد زيارته للاحتلال، أعلن بايدن أنه سيطلب من الكونغرس
تمويلا "عاجلا" نحو 100 مليار دولار، جزء منها لمساعدة الاحتلال.
ويطلب الاحتلال من
أمريكا صواريخ اعتراضية لنظام دفاعه الجوي "القبة الحديدية"، وذخائر
موجهة، وطلقات ذخيرة، وتبادل معلومات استخباراتية، وهي المطالب التي تلبيها واشنطن
على وجه السرعة.
وفي 10 تشرين الأول/
أكتوبر، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان تسليم صواريخ اعتراضية إلى
تل أبيب، فيما تسرع شركة "بوينج" الأمريكية بتسليم ألف قنبلة صغيرة
القطر إلى الاحتلال.
ومنذ "طوفان
الأقصى"، ودعما للاحتلال، أعادت أمريكا تموضع حاملة الطائرات "يو إس إس
فورد"، من غرب البحر المتوسط إلى قرب المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة.
ووصلت حاملة الطائرات
"جيرالد فورد"، بالبحر المتوسط قرب غزة، مع وصول حاملة الطائرات
"دوايت أيزنهاور"، الأسبوعين المقلبين، وذلك وفقا لوسائل إعلام عالمية
ووكالات أنباء.
وأعلن البنتاغون عن
إعادة طائراته المقاتلة للمنطقة، وبينها مجموعة طائرات "إف-35"، ما يمنح
طبقة من الدفاع الجوي والتغطية الرادارية إلى شبكة الاحتلال، بجانب الدعم
الاستخباراتي.
وحول مدى مخالفة عبارة
"حق الاحتلال في الدفاع عن نفسه"، للقانون الدولي، التي أصر عليها
المسؤولون الغربيون، ومخالفة الغرب قواعد القانون الدولي الذي صنعه بنفسه ويحكم به
العالم، والسوابق الدولية في هذا الإطار، التي خالفت فيها أمريكا وأوروبا قواعد
القانون الدولي، تحدثت "عربي21"، لبعض الخبراء.
"جنيف تنصف المقاومة"
وأكد الخبير في
القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبوالخير، أنه "ليس لقوات
الاحتلال حق الدفاع الشرعي؛ لأنه وفقا للقانون الدولي: لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي،
ولا مقاومة لفعل مباح".
وأوضح في حديثه
لـ"عربي21"، أن "من شروط الدفاع الشرعي ألا يقوم به معتد
طبقا للقانون الدولي، ولذلك فإن المقاومة الفلسطينية هي صاحبة الحق في الدفاع
الشرعي".
وقال الأكاديمي
المصري؛ إن "حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وفصائل المقاومة الفلسطينية كافة، هي حركات تحرر وطني طبقا لـ(اتفاقيات جنيف) عام 1949، والبروتوكولين الإضافيين لهم
عام 1977".
وأشار إلى أن
"الكيان الصهيوني اعترف بذلك بأن عقد معهم صفقة تبادل أسرى عدة مرات".
وبين أنه وفقا للقانون
الدولي، فإن "حركات التحرر الوطني لها الشخصية القانونية الدولية، أي إنها
شخص من أشخاص القانون الدولي تتمتع بالحقوق كافة، وتتحمل الالتزامات".
وأكد الخبير المصري،
أن "لها حق الدفاع الشرعي؛ لأنها تعمل على تحرير أرضها المحتلة في
فلسطين"، مشيرا إلى أن "محكمة العدل الدولية اعترفت في فتوى الجدار
العازل عام 2004، بأن كيان الاحتلال قوة احتلال خارج توصية التقسيم (رقم 181).
وقال أبوالخير؛ إن
"الكيان الصهيوني ليس له حق الدفاع الشرعي؛ لأنه قوة احتلال ومعتدٍ"،
موضحا أن "الغرب، وخاصة بريطانيا وأمريكا، هما من أقاما هذا الكيان الصهيوني،
حيث رعته لندن، ثم سلمته لرعاية واشنطن".
وأضاف: "منذ
ابتُلينا بهذا الكيان والغرب يرعى هذا الكيان ويدعمه، ضاربا عرض الحائط بقواعد وأحكام القانون الدولي كافة؛ لأنهم يدافعون عن مصالح وليس عن حقوق".
وواصل: "كما أن
الاحتلال أصبح جريمة من جرائم الحرب، طبقا للمادة الثامنة والثامنة مكرر الخاصة
بجريمة العدوان من (نظام روما الأساسي)".
وختم بالقول: "لا
سبيل للخروج من ذلك إلا بالوقوف جانب المقاومة ودعمها بالوسائل كافة، وهذا طبقا
للقانون الدولي".
"عوار العدالة"
وقال الأكاديمي
والباحث المصري في العلوم السياسية الدكتور محمد الزواوي؛ إن "ما يحدث من
أمريكا الآن، هو تلاعب بالقانون الدولي؛ لأن الاحتلال قوة احتلال بالأساس، ومن حق المحتلة أرضهم الدفاع عنها طبقا للقانون والمواثيق والأعراف الدولية، وجملة: (حق
الدفاع عن نفسها) حق يراد به باطل".
المحاضر بمعهد الشرق
الأوسط بجامعة "سكاريا" التركية، أضاف لـ"عربي21":
"بالطبع أمريكا تتلاعب بالقانون الدولي بل والنظام الدولي كله، والقائم على
الأمم المتحدة ومجلس الأمن والخمسة الدائمين ولهم حق (الفيتو)، لهو نظام ظالم
بالأساس، ومن ثم دعت تركيا لتعديله بإطلاقها مبدأ (العالم أكبر من خمسة)".
وأكد أن "هذا
النظام يحابي الدول الخمس الكبرى ويجعلهم فوق القانون، وكذلك من تحابيهم تلك الدول
ومن يسيرون في فلكها مثل الاحتلال، الذي ربما هو أكبر كيان في العالم استفاد من
الفيتو الأمريكي، واستفاد من ذلك الاستثناء في نظام العدالة للقانون الدولي".
وحول سوابق انتهاك
القانون الدولي، أشار الباحث في قضايا الأمن الإقليمي، إلى أن
"أمريكا كذلك انتهكت القانون الدولي، وغزت العراق دون تفويض من مجلس الأمن،
ما فتح الباب لدول أن تنتهك القانون الدولي مثل روسيا".
وقال الزواوي؛ إن
"أمريكا هي أكبر مخترق للقانون الدولي، وأكبر دولة تنتهك قواعده، وأكبر دولة
تستثني الاحتلال من العقاب بالفيتو"، موضحا أنه "ومن ثم فإن القانون
الدولي بحاجة إلى تعديل، والمنظمات الدولية بحاجة إلى تعديل، وأسس العدالة كلها
بحاجة إلى إعادة النظر فيها".
ويعتقد أن "الاحتلال،
لم يكن له أن يفعل ما يفعله لولا الفيتو الأمريكي، والحقيقية أن الاحتلال يرتكب
جرائم حرب واضحة، ويعلم أن الفيتو الأمريكي سينقذه، ويعلم أن واشنطن سوف تنقذه من
المحاسبة والعقاب".
إظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "بل إن
أمريكا ورئيسها نفسه (جو بايدن) أكبر داعم وحامي للاحتلال، وقبل أن تتم أية
تحقيقات في قصف المستشفى المعمداني في غزة 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أخذ
بايدن بالرواية الاحتلالية، وقال: أظن حماس من فعلت ذلك".
وخلص الزواوي، إلى
القول؛ إن "أمريكا تدعم الاحتلال معنويا وماديا وعسكريا، وتنتهك كل الأعراف
والمواثيق الدولية لحماية الاحتلال، وهذا بالطبع لا يساهم في دعم السلام أو السلم
والأمن الدوليين، بالعكس يؤدي لمزيد من المعارك والدماء والاحتلال وضم الأراضي
وبناء المستوطنات ووقوع المدنيين".
وذهب الأكاديمي المصري
للقول: "والحقيقة حتى إذا وقع مدنيون في الاحتلال إن اصطلحنا على تسميتهم
مدنيين، فدمهم في الأساس في رقبة أمريكا؛ باعتبارها التي أسست ذلك العوار في تطبيق
العدالة، ومن ثم فإن المدنيين يقعون في هذا الصراع من كلا الطرفين، تحت رعاية وسمع
وبصر أمريكا وانتهاكها للقانون الدولي".