كشفت بيانات
اقتصادية أن تكاليف
معيشة الأسرة السورية
الواحدة ارتفعت مع نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي إلى أكثر من 9.5
مليون ليرة سورية، بزيادة نحو 3
ملايين ليرة مقارنة بالتكاليف في تموز/ يوليو الماضي، في الوقت الذي يبلغ فيه
متوسط
الأجور نحو 250 ألف ليرة سورية، رغم الزيادة الأخيرة بنسبة 100 في المئة.
وحسب مؤشر "قاسيون" الاقتصادي، انخفضت
الأجور فعلياً مع تبخر القيمة الحقيقية لها بحكم ارتفاع
الأسعار، فضلاً عن استمرار
تدني قيمة الليرة أمام الدولار، وحالة التضخم الجامح التي تسود الأسواق.
وبحسب مؤشر "قاسيون"،
فإن الحد الأدنى لتكاليف الغذاء الأساسية لأسرة من خمسة أفراد هو 3.5 مليون ليرة
سورية شهريا، حيث ارتفعت تكاليف الحد الأدنى للحاجات الضرورية الأخرى التي تشكل 40
في المئة من مجموع تكاليف المعيشة، مثل السكن والمواصلات والتعليم واللباس والصحة
وأدوات منزلية واتصالات.
وتطرح المؤشرات السابقة تساؤلات عن الكيفية التي يتدبر
بها السوريون معيشتهم بدخل لا يتناسب مع أبسط الاحتياجات الأساسية، بحيث لا يكاد
راتب الموظف الحكومي الشهري يشتري سوى 1.5 كيلوجرام من اللحم.
استراتيجيات لتأمين أدنى الاحتياجات
وبحسب الباحث الاقتصادي يونس الكريم، تواجه العائلات
السورية متطلبات الحياة بأكثر من استراتيجية، وبيّن لـ"عربي21" أن جميع
أفراد العائلة وحتى الأطفال في الغالب يعملون، وهو ما تثبته الأرقام عن ارتفاع
نسبة عمالة الأطفال، منبهاً إلى مخاطر العمل لساعات طويلة على العلاقات الاجتماعية
والصحة والتعليم.
وتعتمد العائلات السورية كذلك على المساعدات
"الخيرية" والتي تقدمها المنظمات الإنسانية، كما يؤكد الكريم، مضيفاً أن
"بعض العائلات تعتمد على الحوالات المالية التي تصل من أفراد أو أقارب
العائلة المغتربين. لكن بالعموم تراجعت نسبة الحوالات الخارجية نتيجة الظروف
الاقتصادية التي تعصف باللاجئين السوريين في تركيا ودول الجوار السوري، وحتى في
أوروبا".
تغيير أنماط الغذاء
ويتابع الباحث الاقتصادي بالإشارة إلى توجه غالبية
السوريين إلى المزيد من التقشف، موضحاً أن "غالبية السوريين العظمى ليست
لديهم القدرة المالية لدفع تكاليف الطبابة".
وفي الإطار ذاته، أكد الكريم أن معظم العائلات اضطرت
إلى تغيير أنماط الاستهلاك، وعلى وجه التحديد الغذاء، بحيث اختفت العديد من
الأصناف الرئيسية من المطبخ السوري.
ويتفق مع هذا الرأي الخبير الاقتصادي سمير الطويل،
الذي يؤكد لـ"عربي21" أن السوريين يواجهون صعوبات بالغة في تأمين
الاحتياجات الأساسية، ما يدفعهم إلى بيع ممتلكاتهم (عقارات، سيارات، مجوهرات).
سلع رديئة وطب بديل
ويقول الطويل إن أكثر من 95 في المئة من السوريين في مناطق
سيطرة النظام يعيشون تحت خط الفقر، والأولوية اليوم للغذاء فقط، وغالباً يتم
الاعتماد على السلع الرديئة، أما بالنسبة للطبابة واللباس وغيرها فهي خارج
الحسابات.
ورفعت وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام السوري أسعار
الأدوية قبل نحو شهرين بنسبة 50 في المئة، ما دفع بالسوريين إلى العزوف عن شراء
الأدوية، والاستعاضة عنها بالأعشاب والطب البديل.
من جهته، يشير الكاتب والباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي إلى
توسع نسبة "العسكرة" نتيجة الفقر الشديد، حيث يتجه الكثيرون للانضمام
للمليشيات.
انتشار المخدرات وزيادة الهجرة
وتابع في حديثه لـ"عربي21"، بالإشارة إلى
زيادة نسبة تعاطي المخدرات والاتجار بها، نتيجة الوضع المعيشي الصعب، وقال:
"كل الأعمال المشروعة غير قادرة على تأمين معيشة متوسطة للسوريين، لذلك تتوسع
أنشطة الأعمال المشبوهة".
وفي سياق، متصل لفت الباحث الاقتصادي يونس الكريم إلى
زيادة معدلات الهجرة من
سوريا، بعد فقدان الأمل بأن يشهد اقتصاد البلاد تحسناً.
وتشهد الحدود السورية- اللبنانية موجة من محاولات اللجوء
غير مسبوقة منذ العام 2015، بحيث يتدفق الآلاف يومياً إلى لبنان عبر المعابر غير
الشرعية، بحثا عن طريق للهجرة نحو أوروبا.
الليرة لم تتحسن
ويبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة نحو 13200
ليرة سورية، ولم تستعد الليرة عافيتها، رغم الانفتاح العربي على النظام.
ويرى الكاتب الاقتصادي السوري محمد شعباني في مقال
نشره في صحيفة "القدس العربي" أن خطورة انهيار الليرة تكمن في الوصول
إلى نقطة فقدان الأمل في أي تحسن للواقع المعيشي والاقتصادي للسوريين، لا سيما وأن
هذا الانهيار أتى بالتزامن مع حدثين: الأول هو عودة العلاقات العربية مع الحكومة
السورية، والذي كان من المتوقع أن ينعكس إيجابا على الوضع الاقتصادي، ولاحقا أن
يؤدي إلى انفراجات كبرى اقتصادية وسياسية، لكن المؤشرات التي تبعت ذلك جاءت مخالفة
للتوقعات المأمولة؛ فلا دعم اقتصاديا وصل، ولا انفراجات اقتصادية وسياسية تلوح
بالأفق.
أما الحدث الثاني بحسب شعباني، فهو قرار الحكومة
السورية الأخير بزيادة الأجور بنسبة 100 في المئة للعاملين في القطاع العام، وهو
قرار تبعه، كما جرت العادة، قرار آخر برفع الدعم عن أسعار المحروقات (الفيول
والبنزين) والغاز، لترتفع الأسعار بنسب تتجاوز 200 في المئة، وهو ما أدى إلى جعل
الزيادة إسمية، بسبب الارتفاع العام في الأسعار الذي فاق نسبة الزيادة في الأجور.
ويتحدث عن انعكاسات سياسية واقتصادية، تتمثل في هروب ما
تبقى من رؤوس أموال وكفاءات علمية ومهنية، ما من شأنه أن يدخل الاقتصاد السوري
في موجة فقر جديدة يصل معها الوضع إلى توقف جزء كبير من النشاط الاقتصادي القائم
حاليا، وخسارة ما تبقى من كفاءات علمية ومهنية.