أعلنت السلطات في
هاواي الأمريكية، عن تقديم دعم إضافي لفرق الإنقاذ بهدف مواصلة البحث عن المفقودين وعن ضحايا
حرائق الغابات المدمرة التي ضربت الولاية وقتلت العشرات.
وذكر المسؤول في الوكالة الفيدرالية الأمريكية لإدارة الطوارئ جيريمي غرينبيرغ، أن الدعم الإضافي الذي يتم إرساله يشمل البحث والإنقاذ في المناطق الحضرية، وفرق إخماد الحرائق.
وأضاف أن الأولوية هي لسلامة الناجين، مؤكدا أن محاولات الاتصال بنحو ألف شخص لا تزال متواصلة، مشيرا إلى أن بعضهم قد يكون في مكان آمن ولكن يتعذر الاتصال بهم.
وتسببت الحرائق في مقتل 80 شخصا على الأقل، فيما يخشى من ارتفاع الحصيلة، حيث لا تزال السلطات تبحث عن مئات المفقودين.
وتتواصل جهود مكافحة الحرائق في أجزاء من جزيرة ماوي، بما في ذلك المناطق المحيطة بمدينة لاهاينا التي تعرضت لخسائر فادحة.
من جانبه أعلن المدعي العام في هاواي عن "مراجعة شاملة" لكيفية استجابة السلطات لحرائق الغابات، عقب تساؤلات عن دور المسؤولين في تحذير السكان بالسرعة الكافية.
اظهار أخبار متعلقة
وترجح السلطات أن الحرائق في مدينة لاهاينا الساحلية قد تسببت في دمار وتضرر أكثر من ألفي مبنى في المدينة التي تعتبر وجهة للسياح.
وأغلق الزحام الطريق السريع المتبقي للمدينة حيث تكدست طوابير السيارات فيه قبل أن تعلن السلطات عن إغلاقه أمام الجميع باستثناء خدمات الطوارئ.
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن سكان لاهاينا الذين تم إجلاؤهم أنهم يعتقدون أن منازلهم تعرضت للنهب، رغم أن الشرطة لم تؤكد ذلك.
ويخشى السكان من استمرار إغلاق الطريق حيث سيبقى الكثير منهم بلا مأوى في ظل الظروف الراهنة، وقد تفاقمت هذه المخاوف مساء الجمعة عندما أُمر سكان كانابالي (شمال لاهاينا) بإخلاء منازلهم مع اندلاع حريق في المنطقة.
وذكرت وسائل إعلام، أن الجزء الغربي من جزيرة ماوي، حيث تقع لاهاينا وكانابالي، لا يزال بدون كهرباء وماء، ولا تزال فرق الإنقاذ في المنطقة تبحث عن ضحايا حرائق الغابات وتشمل مهمتهم مياه الساحل.
وأعلن خفر السواحل أنهم انتشلوا 17 شخصا أحياء من المياه بالقرب من ميناء البلدة حتى الآن.
من جانب آخر ذكرت السلطات في هاواي أن معالجة الأضرار الناجمة عن حرائق الغابات في جزيرة ماوي قد تستغرق سنوات عديدة، حيث تم تدمير أكثر من ألف مبنى في مدينة لاهاينا وحدها.
كيف بدأت الحرائق؟
كان جزء كبير من أرخبيل هاواي في حالة إنذار قصوى (اللون الأحمر) من خطر اندلاع حرائق عندما استعرت حرائق متعددة الثلاثاء الماضي، لكنّ سبب اشتعال هذه النيران لا يزال مجهولاً.
ومساء الأربعاء الماضي، قال الميجر-جنرال كينيث هارا، قائد القوات العسكرية في الأرخبيل الأمريكي، إنّ السلطات "لم تتمكّن من تحديد سبب اندلاع الحرائق".
وفتحت السلطات تحقيقاً لجلاء سبب اندلاع الحرائق وطريقة تعامل الإدارات المعنية مع هذه الكارثة.
وفي ما خصّ الحريق الذي أتى بالكامل تقريباً على مدينة لاهاينا التاريخية، فقد اندلعت النيران فجر الثلاثاء الماضي.
وبحسب سلطات مقاطعة ماوي فإنه "تمّ في الساعة الـ6:37 صباحًا" الإبلاغ عن اندلاع "حريق أحراج".
وسرعان ما أعلنت السلطات أنّ "الحريق تمّت السيطرة عليه بنسبة 100% بُعيد الساعة التاسعة صباحاً"، لكنّ النيران ما لبثت أن خرجت عن السيطرة عصراً واستعر الحريق مجدداً.
وكانت هناك حرائق أخرى مندلعة في أمكنة أخرى في ماوي وقد انتشرت النيران بسرعة كبيرة.
وباغتت النيران العديد من سكان لاهاينا، ومن بين هؤلاء حوالي مئة شخص ألقوا أنفسهم في مياه البحر هرباً من ألسنة النيران، وفقاً لخفر السواحل.
سوء إدارة للأزمة؟
أسفر حريق لاهاينا عن مقتل 80 شخصاً على الأقلّ، ليصبح بذلك إحدى أسوأ الكوارث الطبيعية في أرخبيل هاواي منذ الستينيات. وهذه الحصيلة غير نهائية ومن المرجّح أن ترتفع أكثر.
ولم يستفق السكّان بعد من صدمة هول الكارثة وسرعة حصولها.
وقالت ساري كروز (28 عاماً) لوكالة فرانس برس: "رأينا الدخان من بعيد بحلول الوقت الذي دخلنا فيه إلى المنزل - دقيقة أو دقيقتين - وكان الدخان الأسود قد بدأ يتسللّ إلى منزلنا".
وأضافت: "لذلك كان علينا أن نسرع، أخذنا ما استطعنا، الأشياء الأكثر أهمية، وركضنا. ركبنا السيارة ورأينا ألسنة اللهب تلتهم منزل جارنا. كان منزلهم قد بدأ يحترق".
وتبدو العاصمة السابقة لمملكة هاواي وكأنّها حقل أنقاض متفحّمة: لقد دُمِّرت مدينة لاهاينا "بنسبة 80%"، وفقاً لحاكم الأرخبيل جوش غرين.
وبدأت الأسئلة تتكاثر حول إدارة السلطات لهذه الأزمة.
وأكّد لشبكة "سي إن إن" المتحدّث باسم الوكالة المسؤولة عن إدارة الأزمات في هاواي أنّ صفّارات الإنذار التي كان من المفترض أن تنذر السكّان حال نشوب حريق لم تعمل.
ما سبب سرعة انتشار النيران؟
تآمرت على لاهاينا عوامل عدّة أجّجت ألسنة اللهب وساهمت في سرعة انتشار النيران، وفي مقدّمها سرعة الرياح التي كانت تهبّ على المدينة والتي تجاوزت الـ100 كلم/ساعة، وفقاً لهيئة الأرصاد الجوية الأمريكية.
ونجمت هذه الرياح بشكل خاص عن "دورا"، وهو إعصار من الفئة الرابعة كان يعصف في مياه المحيط الهادئ على بُعد مئات الكيلومترات جنوباً.
كذلك فإنّ تضاريس ماوي، وهي جزيرة فيها بركانان وعدد من الجبال في وسطها وخط ساحلي مسطّح إلى حدّ ما، لعبت دوراً في سرعة انتشار النيران.
ويوضح توماس سميث، أستاذ الجغرافيا البيئية في كلية لندن للاقتصاد، أنّ العواصف الآتية من المحيط تحوّلت إلى "رياح انحدارية" اندفعت "من أعلى منحدرات الجزيرة نحو المدينة" الواقعة أسفلها على الخط الساحلي.
وعادة ما تكون هذه الرياح الانحدارية "جافّة وساخنة" ما يقلّل من رطوبة الغطاء النباتي ويجعل الحرائق "أكثر حدّة".
كذلك فإنّ الجزيرة كانت على استعداد لأن تشتعل فيها النيران لسببين:
أولاً، بسبب سنة كان فيها معدّل الأمطار أقلّ من المعتاد، إذ إنّ الجزء الغربي من ماوي، حيث تقع لاهاينا، يعاني حالياً من جفاف "شديد" إلى "معتدل"، وفقاً لمرصد الجفاف الأمريكي.
وثانياً، بسبب تراجع الزراعة في الجزيرة منذ التسعينيات، وفقاً لكلاي تراورنيخت، الاختصاصي في الحرائق في جامعة هاواي.
وقال الخبير في تغريدة إنّ الحقول المشذّبة التي كان بإمكانها أن تبطئ تقدّم النيران تمّ استبدالها بـ"مساحات شاسعة من نباتات غير محليّة تُركت تنمو على هواها".
هل من دور للتغيّر المناخي؟
إذا كان صعباً على العلماء أن يعزوا حدثاً معيّناً إلى ظاهرة التغيّر المناخي، فإنّهم يشيرون باستمرار إلى أنّ الاحتباس الحراري يزيد من تواتر الأحداث المناخية المتطرّفة.
وشهد العالم لتوّه شهر تمّوز/ يوليو الأكثر حرّاً على الإطلاق.
ويقول يادفيندر مالهي، أستاذ علوم النظام البيئي في جامعة أوكسفورد، إنّ "تغيّر المناخ يتسبّب في كلّ مكان في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، (...) بحيث إنّ الحرائق التي كانت معتدلة قبل بضعة عقود تصبح اليوم أكثر حدّة".