مهم
جدا فهم الإطار الاستراتيجي الذي يفسر ولا يبرر ما يحدث في
تركيا الآن.. كثير من
التحليلات رغم صحة مضمونها إلا أنها تركز على الإطار الإجرائي للأحداث وتحليلها.
الإطار
الاستراتيجي يحسم المسألة ويضعها في سياقها، وملخصه أن هذه هي الولاية الأخيرة
لأردوغان ولن يكون رئيسا للدولة بعدها، وفي نفس الوقت هو قام بتعديلات دستورية
ترفضها المعارضة والغرب حوّلت تركية لدولة رئاسية يملك الرئيس فيها صلاحيات كبيرة،
وفعل
أردوغان ذلك حتى يستطيع تجاوز الدولة العميقة التي كانت تعرقل الكثير من
قرارته في النظام البرلماني وتحد من قدرته على الحركة.. هذا هو الضلع الأول في الإطار
(أردوغان لن يكون رئيسا ومقعد رئاسي شاغر بصلاحيات كبيرة).
الإطار
الثاني، نتيجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بسبب التضخم ووجود ملايين
اللاجئين من
كل الجنسيات خاصة الأخوة السوريين، أحدث ذلك ضغطا على الخدمات في الدولة التركية
شعر بها المواطن التركي وغضب، وتمت ترجمة هذا الغضب إلى خصم من رصيد أردوغان وحزبه
في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، وكان شعار المعارضة لحملتها ضد
أردوغان والتي سعت من خلالها لكسب أصوات الناخبين هي رحيل السوريين، ومعنى هذا
أنهم يعلمون جيدا أن رحيل السوريين ورقة رابحة انتخابيا، وبالتالي الضلع الثاني في
الإطار الاستراتيجي هي انخفاض شعبية أردوغان وحزبه (خسر الحزب ٧ في المئة عن الانتخابات التي قبلها) وتصاعد
شعبية الأحزاب القومية واليمينية نسبيا.
كان شعار المعارضة لحملتها ضد أردوغان والتي سعت من خلالها لكسب أصوات الناخبين هي رحيل السوريين، ومعنى هذا أنهم يعلمون جيدا أن رحيل السوريين ورقة رابحة انتخابيا، وبالتالي الضلع الثاني في الإطار الاستراتيجي هي انخفاض شعبية أردوغان وحزبه (خسر الحزب ٧ في المئة عن الانتخابات التي قبلها) وتصاعد شعبية الأحزاب القومية واليمينية نسبيا
الإطار
الثالث الاستراتيجي هو أن الوضع التركي الحالي هو حالة أردوغانية خاصة، بمعنى أن
الشعب التركي لم يكن يصوّت لحزب العدالة والتنمية ولكن لأردوغان شخصيا، فالذين
صوتوا للحزب طيلة السنوات الماضية مرتبطين عاطفيا بأردوغان كزعيم استطاع تحدي
علمانية الدولة ودولتها العميقة أو نجح اقتصادياً في التقدم بتركيا للأمام.. وبالتالي
فالشعب التركي مرتبط بأردوغان الزعيم أكثر من ارتباطه بحزبه.
الإطار
الاستراتيجي الرابع هو أن تركيا كدولة تمر بها عواصف جمة داخلية وخارجية، وأهمها
أن العالم كله يمر بمرحلة اقتصادية صعبة والجميع يتحدث عن أنها مستمرة وقد تزيد
خلال السنوات القادمة، وبالتالي قدرة تركيا على المناورة وحل الأزمة الاقتصادية
ستظل دائما صعبة وعلى المحك، فضلا عن المؤامرات من الشرق والغرب التي تستهدف القضاء
على النموذج التركي الذي قدمه أردوغان لدولة قوية إسلامية ليست تابعة لأحد ومستقلة
في قراراتها بل ويخطب ودها الكثير من زعماء الغرب، هذا النموذج مطلوب القضاء عليه
بأي ثمن.
بهذا
يكتمل مربع الإطار الاستراتيجي والذي حين نجمع أجزاءه معا نحصل على النتيجة التالية:
لكي تستمر تركيا كدولة قوية تعتز بإسلامها وتدافع عن قضايا المسلمين في كل مكان ودولة
مستقلة وليست تابعة متقدمة في صناعات يُحرم على معظم دول العالم الإسلامي حتى
التفكير فيها؛ يجب أن ينجح في الانتخابات الرئاسية القادمة رجل غير أردوغان من
داخل حزبه ويحمل نفس توجهاته القيمية على الأقل.
ولكن
أردوغان نفسه انخفضت شعبيته بسبب الأزمة الاقتصادية ومشكلة اللاجئين، وهناك حرب
شرسة شرقا وغربا لإفشال تركيا، وهناك أزمة اقتصادية عالمية تركيا جزء منها، فما
العمل في ظل هذه التحديات الجمة لصناعة زعيم جديد غير أردوغان وإنجاح حزبه في الانتخابات
القادمة للحفاظ على النموذج في ظل هذه التعقيدات؟
هذا التحليل الاستراتيجي للأزمة الحالية لا يبرر إطلاقا أي معاملات غير إنسانية بحق اللاجئين أو المهاجرين المخالفين، فالغاية لا تبرر الوسيلة ولا يوجد إنسان لديه حد أدنى من الأخلاق والمروءة يمكنه أن يقبل بتشريد الأسر أو الاعتداء على اللاجئين بأي وسيلة كانت، ومطلوب من الدولة التركية وهي تحل الأزمة أن تضمن الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لهؤلاء المظلومين والمأزومين، وهم أيضا ساهموا في نهضة تركيا الحالية
الحل
الأسرع والأسهل أمام أردوغان وحزبه لكسب الثقة هي حل مشكلة اللاجئين، خصوصا أن الانتخابات
البلدية على الأبواب في آذار/ مارس ٢٠٢٤ والنجاح فيها يعني الكثير للنجاح في الانتخابات
الرئاسية القادمة التي سيغيب عنها أردوغان، فضلا عن وعود أردوغان بدستور جديد
لتركيا وما يعنيه هذا لمستقبل تركيا كله في العقود القادمة.
وبالتالي
منطقيا وعقليا لا يوجد أمام أردوغان وحزبه سوى حل أزمة اللاجئين والوضع الاقتصادي
للحفاظ على تركيا الحالية التي نعرفها ونحبها وكما قلت سابقا الأزمة الاقتصادية لن
يكون سهلا أبدا حلها.
بالطبع
هذا التحليل الاستراتيجي للأزمة الحالية لا يبرر إطلاقا أي معاملات غير إنسانية
بحق اللاجئين أو
المهاجرين المخالفين، فالغاية لا تبرر الوسيلة ولا يوجد إنسان
لديه حد أدنى من الأخلاق والمروءة يمكنه أن يقبل بتشريد الأسر أو الاعتداء على
اللاجئين بأي وسيلة كانت، ومطلوب من الدولة التركية وهي تحل الأزمة أن تضمن الحد
الأدنى من الكرامة الإنسانية لهؤلاء المظلومين والمأزومين، وهم أيضا ساهموا في
نهضة تركيا الحالية.
هذا
الإطار الاستراتيجي هو ما سيفسر لنا موقف أردوغان وحزبه من كل القضايا التي ستحدث
مستقبلا وحتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة.