أسفر العدوان الأخير عن استشهاد 12 شابا فلسطينيا- عربي21
"عربي21" في مخيم جنين.. قصص ومشاهد مفزعة من العدوان الأخير (شاهد)
شارك
رام الله- عربي21- فيحاء شلش11-Jul-2307:57 AM
انتظرت أم حمزة
"بنان أبو الهيجا" طويلا قبل أن تتمكن من السفر لأداء مناسك الحج،
فوالدها الأسير الشيخ جمال أبو الهيجا أحد أبرز قادة كتائب القسام في مخيم جنين
والمعتقل منذ عام 2002 ومحكوم بالسجن المؤبد تسع مرات؛ وشقيقها الشهيد المشتبك
حمزة أبو الهيجا، قدما لها مكرمة الحج مع أهالي الشهداء والأسرى.
وأثناء تواجدها في
المدينة المنورة مستعدة للعودة إلى المخيم، بدأت أخبار الاجتياح الإسرائيلي تنتشر
عبر وسائل الإعلام، لتتحول مشاعرها إلى قلق وترقب خشية على عائلتها التي يعتقل
الاحتلال كل أفرادها من الرجال، فجميع أشقائها معتقلون إلى جانب والدهم، وليس في
بيت عائلتها سوى والدتها المريضة وعمتها المسنة وزوجة شقيقها مع أطفالها.
تقول: "كانت أياما
عصيبة، نستمع للأخبار طيلة الوقت ولا ندري كيف هو حال أهلنا، بقيت أطمئن عليهم
ليوم كامل حتى نفذ شحن بطارية الهاتف المحمول ولم يتمكنوا من إعادة شحنه بسبب
انقطاع التيار الكهربائي".
غرق المخيم في
ظلام دامس، وأصبحت أصوات الجنود الإسرائيليين واقتحامهم للمنازل هي الأصوات
المسموعة فقط هناك، إلى جانب صوت الاشتباكات والعبوات من طرف المقاومين
الفلسطينيين.
تقول بنان لـ"عربي21" إن تلك الساعات عاشتها عائلتها بخوف وقلق شديدين خاصة أنه لا يوجد رجال في
المنزل، فسمعوا أصوات الجنود وهم يقتحمون المنازل المحيطة ويفجرون أبوابها ويحطمون
أثاثها.
أحد المنازل تلك
كان لعائلة المواطنة خلود صابر أبو عطية، اقتحم الجنود منزل عائلتها وقاموا بإطلاق
الكلاب البوليسية صوبها ما أدى لنهش أيديها ونزيفها أمام مرأى الجنود دون تقديم
العلاج لها ووسط صراخ مؤثر من بقية أفراد العائلة الذين لم يتمكنوا من الوصول
إليها.
وتتابع أبو
الهيجا: "هذه عائلة بسيطة تسكن بجوارنا في المخيم، اقتحم جنود الاحتلال
منزلها وأطلقوا كلابهم نحو الأطفال والنساء فيه حتى نهشت أنيابهم جسدها وهي تصرخ
من شدة الألم وسمعها كل أهل المخيم".
حالة القلق التي
عاشتها عائلة أبو الهيجا كانت مروعة، فعتمة الليل وأصوات الجنود المستنفرين
والاشتباكات المسلحة الدائمة كانت هي الشيء الوحيد الموجود حينها، أما سكان المنزل
فكانوا ينتظرون لحظة اقتحامه من قبل الجنود ويكرهون ساعات الليل.
"كان القصف
يشتد في الليل، وتقول زوجة أخي إنها كانت تكره ساعات الليل بسبب ذلك، في النهار
يستمر القصف والاشتباك لكن بوتيرة أقل وتمحو أشعة الشمس شيئا من الجو الموحش الذي
يفرضه الاحتلال هناك".
لم يقتحم الجنود
منزل عائلة أبو الهيجا، ولكن آثار القصف طالت مبناه وسطحه، حيث كانت الحجارة
والزجاج المتطاير من القصف لبعض المنازل تملأ سطح بيتهم وتحدث أصواتا مروعة لمن
يسكنه.
"لم تكن
لديهم أي وسيلة لسماع الأخبار وما يجري حولهم وفقط كانت أصوات الاشتباكات هي
الحاضرة في المكان".
كان أطفال العائلة
يحاولون التخلص من شعور الخوف باللعب، ولكن كثيرا ما كانت تقطعه أصوات القصف
فيختبئون ببراءتهم تحت أسرّتهم وطاولات المنزل ويضعون أياديهم الصغيرة على آذانهم،
وبعد انتهاء الاجتياح داهمهم المرض مع ارتفاع درجات حرارتهم.
اظهار أخبار متعلقة
تحاول بنان
المقارنة بين الاجتياح الأخير واجتياح عام ٢٠٠٢، وتقول إن الأخير كان أكبر من
ناحية التدمير للبنية التحتية وتجريف الشوارع وتخريب الممتلكات، كما أنه حمل معه
نوعا جديدا من الهمجية بضرب النساء والاعتداء عليهن.
بسبب تواجد منزل
العائلة في وسط المخيم تم إخلاؤه من قاطنيه، فجاءت مركبة الإسعاف بصعوبة وأخرجت
الوالدة المريضة منه، كما أنه تم إخلاء بقية ساكنيه عبر مركبات خاصة داخل المخيم خشية
أن يتعرض للقصف أو الاقتحام، خاصة في ظل اعتقال الشبان من العائلة.
اظهار أخبار متعلقة
دمار
ممنهج
خلّف الجنود بعد
اجتياحهم دمارا هائلا لمخيم جنين والأحياء المجاورة، ما أعاد ذاكرة اجتياح عام
٢٠٠٢ لأهالي المخيم والذي أسفر عن استشهاد العشرات واعتقال المئات وتدمير عدد كبير
من المنازل.
ولكن التخريب
المتعمد خلال هذا الاجتياح كان لافتاً، حيث عمد الجنود إلى تخريب البنية التحتية
بأكملها، بالإضافة إلى تجريف الشوارع بالجرافات العسكرية بحجة البحث عن عبوات
ناسفة.
اللجنة الشعبية
لخدمات مخيم جنين قالت لـ "عربي21" إن الدمار الهائل الذي خلفه الاحتلال يحتاج أشهرا
طويلة لإصلاحه، خاصة أن الجنود تعمدوا تفجير شبكات المياه والكهرباء والإنترنت
وشبكة الصرف الصحي.
وأوضح أن المخيم
بعد تعافيه من الدمار الهائل مما خلفه اجتياح عام ٢٠٠٢ لم يكن في حالة جيدة من
ناحية البنية التحتية أسوة بالمخيمات الفلسطينية الأخرى، ولكن الاحتلال قام بتدميرها
بشكل كامل في محاولة لفرض العقاب الجماعي عليهم.
وتوضح اللجنة أن
٨٠٪ من البنية التحتية تم تدميرها، إضافة إلى عشرات المنازل المتضررة بشكل كامل
وعدد من المنازل المتضررة بشكل جزئي، مبينا أن هناك عائلات ما زالت تبيت لدى منازل
أقربائها بسبب عدم قدرة العيش داخل المنازل المدمرة.
وتشير إلى أن
مبالغ ضخمة يحتاجها أهل المخيم لإصلاح ما دمره الاحتلال، بالإضافة إلى حاجة
الأطفال والنساء لدعم نفسي مجدول ومتابعة ورعاية خاصة بعد المعاملة القاسية التي
تعرضوا لها خلال يومي الاجتياح القاسي.
اظهار أخبار متعلقة
حفر
الجدران
خلال هذا الاجتياح
تعمد الجنود الإسرائيليون إحداث أكبر دمار وتخريب في المنازل لتحقيق هدف واحد هو
تنفير الأهالي من المقاومين.
من بين تلك
الوسائل اقتحام المنازل بوحشية وحفر جدرانها وخلع بلاطها والتبول على الأثاث وترك
القمامة في أرجاء المنازل بشكل متعمد.
آية شلبي واحدة من
أصحاب المنازل التي تم اقتحامها من قبل الجنود، حيث داهموه في ساعات فجر الثلاثاء
الماضي وحشروا العائلة في غرفة واحدة وأغلقوا عليهم الباب.
تقول لـ"عربي21" إن
عائلتها مكونة من سبعة أفراد أربعة منهم أطفال تحت سن الرابعة، داهم منزلهم أكثر
من 35 جنديا إسرائيليا وأجبروهم على تسليم بطاقات هويتهم والدخول لغرفة واحدة وسط
صراخ وخوف الأطفال.
وتتابع: "دخلوا منزلنا وسمعنا فورا أصوات تحطيم وتكسير الأثاث، ثم سمعنا أصوات آلات حفر
بشكل مستمر ولم نعلم ما يجري أبدا، حاولنا الطرق على الباب فكان الجنود يصرخون
بنا".
ساعات طويلة
عاشتها هذه العائلة في غرفة مغلقة دون أن يسمح لها حتى بتناول الطعام، وخوف
الأطفال كان عاملا آخر مثيرا للقلق بالنسبة لها بسبب بكائهم المستمر وصراخ الجنود.
"كنا نضحك
على الأطفال ونقول لهم إننا نلعب لعبة، ونحاول استجلاب الابتسامة كي يصدقوننا،
كانت ساعات ثقيلة مرت كأنها عمر كامل".
خلال الاقتحام كان
الجنود يشتمون العائلة والمقاومين ويحاولون أن يظهروهم كالوحوش وأنهم سبب كل ما
يحدث لأهالي المخيم.
استمر احتلال
المنزل وتحويله لثكنة عسكرية أكثر من 30 ساعة، حاولت خلالها العائلة تخطي حالة
القلق الرهيبة التي اجتاحتها وهي حبيسة غرفة صغيرة.
تضيف آية: "فجأة بدأنا نسمع أصوات الجنود وهم يغادرون، قام أحدهم بفتح باب الغرفة وخرجنا منها
ونحن خائفين، نظرنا حولنا لنجد أن منزلنا ليس هو الذي نعرفه، البلاط خلع من مكانه،
وثقوب في الجدران تطل على الشارع الخارجي، والأثاث كله محطم ومكوم في جهة واحدة،
المنزل لم يكن هو، كان شيئا محطما ومخرباً".
حاولت العائلة
لملمة خوفها وقلقها الذي استمر على مدار يوم كامل، بحثت عن طعام في البداية ولم
تجد شيئا، بل كانت الثلاجة وخزائن المطبخ مفتوحة وكل شيء فارغ داخلها، وعلى الأرض
بقايا طعام للجنود وأغراض لهم كمعدات طبية وآثار أحذيتهم القذرة.
كان المشهد مؤذيا
أكثر من اقتحام الجنود نفسه، وكانت كل دقيقة مرت تحمل جهدا كبيرا من أفراد العائلة
لتحمل هذا الظلم.