حالة من
الركود غير المسبوق سجلتها المبيعات في سوق
السيارات في
مصر نتيجة قلة المعروض والارتفاع
الكبير في الأسعار، ما يجعلها خارج قدرة المستهلك.
الخبراء
الاقتصاديون وتجار السيارات أرجعوا السبب إلى العقبات التي تواجه الاستيراد من الخارج،
فحتى بعد إعلان الحكومة المصرية حزمة من القرارات الاقتصادية لتخفيف حدة الأزمة وتراجع
المبيعات 40 في المئة-60 في المئة مقارنة بالأعوام الماضية، في مقدمتها الإفراج عن
الآلاف من السيارات ومستلزمات الإنتاج من المنطقة الجمركية في الموانئ، وإلغاء نظام
الاعتمادات المستندية للاستيراد وعودة العمل بمستندات التحصيل، إلا أنه لا تزال العقبة
الأكبر في حركة البيع والشراء هي انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وعلى
رأسها الدولار الذي تجاوز الثلاثين جنيها في السعر الرسمي للصرف.
ارتفاع
أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية هي الأخرى قضت على ما تبقى من أمل لدى مستوردي السيارات
ببيعها من خلال نظام التقسيط، لأنه أدى إلى صعوبة استخدام قطاع عريض من المستهلكين
المعتمدين على التسهيلات البنكية في عملية شراء السيارات بالقسط.
هذا الجمود
حاولت الحكومة برئاسة مصطفى مدبولي التعامل معه من
خلال إطلاقها مبادرة إعفاء
المغتربين في الخارج من الجمارك والرسوم الضريبية حال رغبة
أحدهم في إدخال سيارته إلى البلاد؛ مقابل وديعة دولارية يتم إيداعها من قبل مالك السيارة
في حساب وزارة المالية في أحد البنوك المصرفية لمدة خمس سنوات دون عائد سنوي.
وبحسب
بيان وزارة المالية تعقيبا على القرار، فإنه يشترط تمتع المغترب بحساب بنكي في الدولة
التي يقيم فيها، وفيه الرصيد الذي سيتم تحويله قبل صدور القرار في مدة تتراوح بين
ثلاثة إلى ستة أشهر، على أن تكون السيارة أيضا من الدولة نفسها التي يقيم فيها. كما
نص مشروع القرار على إلزام مالك السيارة سداد وديعة دولارية دون عائد سنوي لمدة خمس
سنوات توازي 30 في المئة من قيمة الضرائب والجمارك والرسوم التي كان يتعين دفعها للإفراج
عن السيارة، بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة وضريبة الجدول لحساب مصرفي يتبع
الوزارة.
القرار
الصادر عن الحكومة بالإعفاء الضريبي لسيارات المغتربين والذي أقره مجلس الشعب كانت
به مطالب قديمة ولطالما نادى به المصريون في الخارج بالفعل؛ لأن الرسوم كانت توازي
40 في المئة من القيمة الفعلية للسيارة، فضلا عن "الشاي بالياسمين" اللازم
للموظفين الحكوميين لتسهيل خروج السيارات من الموانئ دون ضرر، إلا أن الملامح التي
خرجت بها المبادرة في صورتها النهائية ووقت صدورها جعلها تولد ميتة، ذلك لأنه تم التركيز
فيها على الاستفادة الكبرى للدولة في ضرورة تحصيل الدولار للحد من تفاقم أزمة
النقص في العملات الصعبة نتيجة خروج أغلب الأموال الساخنة من مصر، بأي كيفية كانت وليس
بهدف تخفيف القيود على المواطن، فمثلا لماذا تكون الوديعة الدولارية في رصيد وزارة
المالية وليس الحساب الشخصي لمالك السيارة؟.. يتساءل أحدهم.
القانون
الذي لم يلقَ تفاعلات كبيرا بين المواطنين وانعكس على ضآلة المسجلين في موقع
المبادرة حيث لم يتجاوزوا الثلاثين ألفا، في حين تفاءل وزير المالية دكتور محمد
معيط أنه سيستقطب نصف مليون إلى مليون مغترب ما يدر على خزينة الدولة 2-5 مليار
دولار، يلزمه تعديلات عدة مثل تخلي الحكومة عن اشتراطها وجود حساب بنكي مفتوح في الدولة
التي يقيم فيها المغترب وقبول تحويل الوديعة من الحساب المصري الخاص بمالك السيارة،
لأن طبيعة ادخار معظم المصريين في الخارج أنهم يقومون بتحويل الجزء الأكبر من رواتبهم
وإيداعها في بنوك مصرية، وضرورة الأخذ بالاعتبار أيضا أن هناك أعباء غير متساوية على
المصريين في الخارج وفقا لدولة الإقامة، فمثلا المصري المقيم في أوروبا سيتمكن من إرسال
سيارته إلى داخل البلاد مع إيداع قيمة الضرائب فقط وفقا للاتفاقية التي جرى توقيعها
بين مصر والاتحاد الأوروبي وتنص على زيرو جمارك، بينما أقرانهم في دول الخليج فإنهم
سيشترونها مضافة إليها الجمارك والضرائب حسب قانون البلد التي يقيمون فيها ثم يعودون
لدفع الرسوم ذاتها عند إدخال السيارة إلى مصر!!
في كل
الأحوال فإنه حتى مع إقرار بعض التعديلات على مشروع القانون، مثل مد فترة سريان
الرخصة الاستيرادية المحددة في القانون بعام واحد من تاريخ استلام السيارة وجعلها
خمسة أعوام ذلك لأن شراء السيارة يتم في الغالب بنظام التقسيط على سنوات والمنتهي
بالتمليك، لم ينفث ذلك الروح في المبادرة ويزيد الإقبال عليها، لما يشهده الواقع الاقتصادي
في مصر من انزلاق الملايين من أبناء الشعب إلى قاع الفقر ومعاناتهم في توفير الاحتياجات
الأساسية، وهو ما يؤكد عدم حدوث انفراج في الأزمة خلال عام 2023، خاصة أن الغالبية
ذهبت إلى التخلي عن بعض ما ينظر إليه كرفاهية مثل امتلاك سيارة وما يصاحب ذلك من مصاريف
البنزين والصيانة وقطع الغيار التي باتت شحيحة بفعل وقف الاستيراد، واستبدال تلك المصروفات
بشراء عقارات أو الاحتفاظ بالأموال على هيئة ذهب ودولار، أو إيداعها كوديعة بنكية ليتم
الاستفادة من الفائدة البنكية التي وصلت حد 25 في المئة..