قضايا وآراء

مستشار السيسي الديني والحمل على الأعناق

عصام تليمة
حمل مستشار السيسي الديني الدكتور أسامة الأزهري على الأعناق في إندونيسيا يثير جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.. (فيسبوك)
حمل مستشار السيسي الديني الدكتور أسامة الأزهري على الأعناق في إندونيسيا يثير جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.. (فيسبوك)
فوجئ جمهور مواقع التواصل الاجتماعي بصورة تنتشر لمسشار السيسي الديني الدكتور أسامة الأزهري، في زيارة لإندونيسيا، وكعادة أهل إحدى ولايات إندونيسيا في تقديرها للأزهر ومشايخه، إذ يقومون بحملهم على الأعناق، محمولا على كرسي وثير، والسير به لمسافة حتى يصل إلى موضع إلقاء المحاضرة أو الدرس العلمي، انتشرت الصورة انتشار النار في الهشيم، وانهالت التعليقات على الصورة، وعلى دلالتها.

الصورة في أصلها كانت يمكن أن تنتشر بشكل آخر، دون إحداث أي ضجيج، أو انتقاد، فهالة التقدير أو الأبهة التي يتم يتعامل بها بعض العامة مع أهل الدين، لم تكن مقصورة على أسامة الأزهري، فهم يرونها في رجال الكنيسة، ويرونها في غيرهم، فقد كان يمكن فهمها في إطار التقدير والاحترام للأزهر، أو للدين وأهله، وهو أمر مفهوم جدا إذ يصدر من مسلمين في دول شرق آسيا، وهي دول تكن احتراما وتقديرا للأزهر وعلمائه.

وهي نفس المكانة التي يحملها أيضا مسلمو بلاد العجم، وكذلك بلدان الأفارقة، وبخاصة لو كان الشيخ القادم من بلدان لها تاريخ في العلم، مثل مصر، وبخاصة لو كان أزهريا من أعرق وأكبر مؤسسة علمية إسلامية في العالم الإسلامي، وهي الأزهر، فهي صورة ذهنية ممتدة تاريخيا، وجغرافيا.

إذن فيم الإنكار على مستشار السيسي الديني، إذا كانت تلك مكانة الأزهر وأهله عند الناس؟! إن إنكار الناس جاء لأن من قام بنشر الصورة على صفحته الرسمية هو أسامة الأزهري نفسه، فقد كشفت الصورة عن انتفاخ لا يليق بالمشيخة، ولا الرمزية الدينية. وكيف حكمنا بأنها انتفاخ؟ لأن الناشر للصورة هو أسامة، كما أن الناس علقت بشكل واضح أنه لا يليق أن يكون هو الناشر، ولم يستدرك ذلك، أو يقوم بحذفها، والاعتذار عن المبادرة بالنشر بهذا الشكل الفج، فمن قبل نشرت له صور مع قطة، ومع كلب، ولم يكن هناك استنكار من الناس بنفس هذا الشكل، بل كانت الصورة معبرة عن الرفق بالحيوان.

البعض راح يتذكر من الصورة، وهذا الفعل من أهل إندونيسيا، بتصرف تم أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأن مثل هذه المعاملة تثير ضغائن العسكر ضد الأزهريين، فقد رأى هذا المشهد عبد الناصر مرتين، مرة مع الشيخ الباقوري، ولكن التكريم لم يكن يمس مقام ناصر العسكري ولا الرئاسي، بل راح يحدث الباقوري في ضرورة توظيف مثل هذه المكانة لصالح الدولة.

الصورة في أصلها كانت يمكن أن تنتشر بشكل آخر، دون إحداث أي ضجيج، أو انتقاد، فهالة التقدير أو الأبهة التي يتم يتعامل بها بعض العامة مع أهل الدين، لم تكن مقصورة على أسامة الأزهري، فهم يرونها في رجال الكنيسة، ويرونها في غيرهم، فقد كان يمكن فهمها في إطار التقدير والاحترام للأزهر، أو للدين وأهله، وهو أمر مفهوم جدا إذ يصدر من مسلمين في دول شرق آسيا، وهي دول تكن احتراما وتقديرا للأزهر وعلمائه.
المرة الثانية، كانت في إندونيسيا أيضا مع عبد الناصر، ولكن هذه المرة، كان ناصر مدعوا من أحمد سوكارنو رئيس أندونيسيا وكان شيوعيا، فلما نزل عبد الناصر مع شيخ الأزهر عبد الرحمن تاج، فوجئ ناصر وسوكارنو بالجماهير تحتشد وتقوم بحمل شيخ الأزهر والأزهريين وتهتف بطول الحياة لهم، ولم يلق ناصر نفس الحفاوة، فأضمر في نفسه الشر للأزهر والأزهريين، كما حكى لي أحد علماء الأزهر الذين شاهدوا الموقف، وكان أستاذنا الدكتور محمد عبد المنعم البري رحمه الله.

يقول لي: رأينا في عين ناصر الحنق والحقد، ونية الانتقام، وبعد العودة، قرر رد هذه الإهانة، فقام بحل جماعة كبار العلماء، وأمر بإعطاء سوكارنو الشيوعي الدكتوراه الفخرية من الأزهر في الفلسفة الإسلامية، ويقول الشيخ الغزالي معلقا على هذا القرار السخيف: ولماذا لم يعطوه الدكتوراه في التفسير والحديث، من باب: إذا لم تستح فاصنع ما شئت!!

البعض استدعى ما حدث أيام ناصر، أنه ربما يثير ذلك عليه السيسي ونظامه، ولكن هذا يمكن أن يحدث لو كان في وجود السيسي نفسه في إندونيسيا، أما وكان الأمر بعيدا عنه، فلا ضير، ولو كان في الأمر مضرة لأسامة الأزهري، لقام بمحو الصورة من صفحته، لو استشعر غضبا من السيسي أو نظامه، لكن الأمر بعيد عن ذلك.

لكن بقاء الصورة، ونشرها بهذا الشكل، لا يبتعد عن سياق نظام السيسي نفسه في المكايدة الدائمة لمشيخة الأزهر، فمن الوارد جدا أن يكون بقاؤها محاولة رفع لعمامة السلطة، على حساب عمامة المشيخة الأزهرية، لا يستبعد هذا التصور، وإن كان الهجوم على صورة الأزهري أفقدها أي مساحة من التعاطف، أو التفهم، لأن الناشر للصورة نفسها كان أسامة، وبعد الصورة بأيام قلائل تنتشر صورة أخرى لشيخ الأزهر أحمد الطيب، في الحرم، بلباسه العادي، في صورة عاكسة للتواضع والزهد، والابتعاد عن التفاخر، فكان الرد الطبيعي من الجمهور بصورة على صورة، صورة الفخر السلطوي مع أسامة، بصورة التواضع العلمي مع الشيخ الطيب، اسما وسلوكا.

[email protected]
التعليقات (3)
الكاتب المقدام
الجمعة، 19-05-2023 02:15 م
*** 3- وما نأسف عليه أن يتدنى الآلاف من حملة العلوم الإسلامية، الذين يرتدون الزي الأزهري، وممن يضعون العمم فوق رؤوس خاوية، ونراهم وقد هانوا على أنفسهم، ولم يحترموا مكانتهم وعلمهم، فالتهبت أكفهم بالتصفيق لسيسيهم الدجال الملعون في مؤتمراته، وهو يقول لهم بأنه سيغير ما قدسه الناس لمئات السنين (والمسلمون لا يقدسون إلا كتاب ربهم وسنة نبيهم)، ولذلك فهو يستقطب إليه ضعيفوا النفوس ممن يحملون ألقاب علماء الأزهر الفخيمة، ويحاولون أن يحيطوهم بهالة من الأهمية والتقديس، ليؤيدوه ويشيدوا بأفعاله، ويفتحون لهم المنابر الإعلامية واسعة ليفتنوا الناس عن دينهم، وهؤلاء مثل أسامة الأزهري يسمونهم علماء السلطان، أي الذين لا ينطقون إلا بما يرضي عنهم ولي نعمتهم، حتى ولو بالتدليس على الناس وخداعهم، ليسيروا خلف السيسي المسخ الدجال إلى حتفهم، وحتى لو رأينا هذا المأفون المدعو أسامة الأزهري وهو محمول على محفة فوق السحب، فلن نُخدع في أمثاله من الكذبة الفجرة، ومصيره ونهايته معروفة مع قرناءه، وسيحشرون مع سيسيهم الدجال الذي عشقوه وقدسوه في حياتهم، والله أعلم بعباده.
الكاتب المقدام
الجمعة، 19-05-2023 02:06 م
*** 2- يحتاج السيسي إلى جوقة من علماء السلطان من أمثال أسامة الأزهري من ضعاف النفوس ليلتفوا من حوله، ويؤيدوا أقواله وأفعاله، لأن السيسي يعلم بأن كل الهراء الذي يقوله، والترهات التي يتفوه بها، والفحيح الذي يصدر عنه، في تخريفاته وكلامه الذي يتفرد به في شئون الدين، لا يقيم لها أحداً من عقلاء الناس وزناً ولا قيمة، حتى بين بسطاء الناس، ولن يجد له جمهوراً وشعبية إلا بين اصحاب الأهواء ممن يحيطون به، وأبناء الطوائف الحاقدة، التي قال كبير لهم من كهنتهم: "أموت عشقاً فيه"، وبين المتزلفين له طلباً لرضاه عنهم للحصول على الفتات الذي يلقيه إليهم، والمنافقين الذين يتحلقون حوله، ويوسْوسون له زخرف القول الذي يتشدق به، ولن يطرب بكلامه إلا أصحاب رؤوس خاويه ونفوس مختلة وأفكار مضطربة، لأنه حتى عوام الناس لا يستمعون في شئون دينهم، إلا لمن يتوسمون فيهم سمات العلماء الصالحين من الدارسين والمتخصصين في شئون الدين، وأن السيسي مهماً أدعى "بجنون العظمة" عن نفسه بأنه "طبيب الفلاسفة" الذي يستشيره العلماء، وأن الله في ظهره، وقد فهْمَهُ اللهُ كما فهْمَ نبي الله سليمان عليه السلام، وأنه مرفوع عنه الحجاب، فيعلم عن الناس ظاهرهم وباطنهم، ومهماً طلب من الناس أن لا يستمعون لأحد إلا إليه، فهو المتفرد بالعلم وحده دون سواه، وكأنه المهدي المنتظر، ولكن لن يصدقه أحد، ولن يأخذوا تخريفاته عن أحلامه أنه حامل السيف، وأنه الذي بُشر في رؤاه ومناماته بأنه سيكون المطاع صاحب عرش مصر دون سواه، حتى ولو أكد صحة كلامه وعظمة أفكاره الجوقة الإعلامية من حوله، ويأتي هنا دور أسامة الأزهري صاحب أطول عمامة وقرناءه، لتأييد السيسي المسخ الدجال، ونشر ترهاته بين الناس.
القادم المقدام
الجمعة، 19-05-2023 12:01 م
*** 1- الصورة المصاحبة للمقالة هي لما يطلق عليه (كما ورد تعريفها في موسوعة ويكيبيديا): "المحفة (الجمع: مِحَفَّات، مَحَاف) هي فئة من المركبات التي لا تستخدم فيها عجلة، والتي يحملها الرجال لنقل الأشخاص. استخدمت أشكال مختلفة من هذا النوع من المركبات في روما القديمة والصين وإنجلترا والهند وباكستان وكوريا وتركيا. تأخذ المحفة شكل كرسي أو سرير محمول على قضيبين طويلين يحملان على أكتاف أو بأيدي رجلين أو أكثر."، وهي ما زالت مستخدمة على نطاق ضيق في الكثير من بلدان آسيا، كوسيلة للانتقال تستأجر لاستخدام كبار السن والسيدات في الأسواق والشوارع الضيقة المزدحمة، وليس لذوي المكانة والحيثية، وقد استبدلت في العصور الحديثة بالكراسي المتحركة على عجلات التي تُدفع من الخلف، وهي تستخدم بكثرة في الطواف حول الكعبة في المسجد الحرام لكبار السن ولغير القادرين على المزاحمة والتدافع، ولحماية ضعاف البنية وذوي الإعاقات البدنية، وكانت المحفات المحمولة تستخدم لنفس الغرض في الطواف حول الكعبة، ومن المكروه استخدامها للقادرين على المشي، ويحرص السياسيون والشخصيات المعروفة في الدول الغربية خصوصاً على إظهار لياقتهم وقدراتهم البدنية المرتفعة، بالسير والهرولة والركض، وفي أحيان بالقفز فوق الحواجز، كما يحرصون على السير وسط الجماهير لإظهار كونهم منهم، ومنتمين إليهم، وليسوا مترفعين عليهم، ولا خائفين منهم، وليس في ذلك انتقاص من مكانتهم بل تعزيز لها، وفي العالم الغربي اليوم نرى رؤساء وملوك يسيرون في الأسواق والأماكن العامة دون حراسة، متجولين دون خوف بين العامة، ولا تجد من حولهم تزاحم، وكان رسولنا عليه الصلاة والسلام يسير في الأسواق بين الناس، ويحمل حاجياته بنفسه، ولا يترفع عن السير مع البسطاء ومجالسة الفقراء، فهذا هو خلق الأنبياء سلام الله عليهم في تواضعهم المحمود.