نشر موقع "The Conversation" مقالا للكاتب البريطاني أليكس دي وال، سلط فيه الضوء على قائد قوات
الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "
حميدتي" والذي برز في محطات هامة في تاريخ السودان الحديث.
وعمل أليكس دي وال، باحثا في السودان منذ عقود، وخلال الفترة 2005-2006، تم إعارته إلى فريق الوساطة التابع للاتحاد الأفريقي في
دارفور، وفي الفترة من 2009 إلى 2011، عمل كمستشار أول لفريق التنفيذ رفيع المستوى التابع للاتحاد الأفريقي في السودان، في الفترة التي سبقت استقلال جنوب السودان. ولديه كتاب شارك في تأليفه جوستين لينش، يتحدث عن "الديمقراطية غير المكتملة في السودان".
وقتل المئات في اشتباكات مسلحة بالعاصمة السودانية الخرطوم بعد شهور من التوتر بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية القوية. ويكمن وراء التوترات الخلاف حول دمج المجموعة شبه العسكرية في القوات المسلحة - وهو شرط أساسي لاتفاقية انتقالية لم يتم توقيعها مطلقا ولكن التزم بها الطرفان منذ عام 2021.
وقال الكاتب البريطاني، في
المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن حميدتي محرك رئيسي في الحرب الأهلية المتصاعدة بسرعة، كما كان في محطات مهمة أخرى في تاريخ السودان الحديث، ويقود قواته عرب الدارفور المعروفون باسم
الجنجويد.
ويشير المصطلح إلى الجماعات المسلحة من العرب من دارفور وكردفان في غرب السودان. تم سحبهم من أقصى الغرب لمحيط البلاد، وأصبحوا -في غضون عقد من الزمان- القوة المهيمنة في الخرطوم.
اظهار أخبار متعلقة
حميدتي وجه السوق السياسي العنيف في السودان
وذكر الكاتب أن مهنة حميدتي هي درس عملي في ريادة الأعمال السياسية من قبل متخصص في العنف. وسلوكه و(حتى الآن) إفلاته من العقاب هما أقوى مؤشر على أن سياسة المرتزقة التي لطالما كانت طابعا في أطراف السودان، جاءت إلى العاصمة.
وشدد على أن حميدتي من أبعد أطراف السودان، ودخيل على المؤسسة السياسية في الخرطوم. وجده، دقلو، كان زعيم عشيرة كانت تجوب مراعي تشاد ودارفور.
وأصبح الشباب من رعاة الجمال والمعدمين والمهمشين عنصرا أساسيا في الميليشيا العربية التي قادت تمرد الخرطوم في دارفور منذ عام 2003.
وبعد أن ترك المدرسة تحول إلى تاجر، ولم يحصل حميدتي على تعليم رسمي.
ومُنح لقب "جنرال" بسبب كفاءته كقائد في لواء الجنجويد في جنوب دارفور في ذروة حرب 2003-2005. وبعد سنوات قليلة، انضم إلى تمرد ضد الحكومة، وتفاوض على تحالف مع متمردي دارفور، وهدد باقتحام مدينة نيالا التي تسيطر عليها الحكومة.
وسرعان ما أبرم حميدتي صفقة مع الحكومة. وقامت الخرطوم بتسوية رواتب جنوده المتأخرة وتعويضات الجرحى والقتلى. حصل على ترقية إلى رتبة عامة ودفعة نقدية جيدة.
وبعد عودته إلى قائمة رواتب الخرطوم، أثبت حميدتي ولاءه. وأصبح الرئيس عمر البشير، الذي حكم السودان من 1993 إلى نيسان/ أبريل 2019، عندما أطيح به، مولعا به، ويبدو أحيانا أنه يعامله مثل الابن. لكن في الأيام التي أعقبت الإطاحة بالبشير، احتضنه بعض المتظاهرين الشباب من أجل الديمقراطية الذين كانوا يخيمون في الشوارع حول وزارة الدفاع على أنه المظهر الجديد للجيش.
اظهار أخبار متعلقة
البلد في جيبه
بالعودة إلى الحظيرة، استخدم حميدتي ببراعة فطنته التجارية وبراعته العسكرية لبناء ميليشياته لتصبح قوة أقوى من الدولة السودانية الآخذة في الذوبان.
وشكل البشير قوات الدعم السريع كوحدة منفصلة في عام 2013، في البداية لمحاربة متمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان – في الشمال في جبال النوبة. جاءت القوة الجديدة في المرتبة الثانية. ولكن مع وجود أسطول من الشاحنات الصغيرة الجديدة المزودة بمدافع رشاشة ثقيلة، سرعان ما أصبحت قوة لا يستهان بها، حيث خاضت معركة رئيسية ضد المتمردين الدارفوريين في نيسان/ أبريل 2015.
وبعد التدخل العسكري السعودي الإماراتي في آذار/ مارس 2015 في اليمن، أبرم السودان صفقة مع الرياض لنشر القوات السودانية في اليمن. كان أحد قادة العملية هو اللواء عبد الفتاح البرهان الذي ترأس المجلس العسكري الانتقالي منذ عام 2019. لكن معظم المقاتلين كانوا من قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي.
السيطرة على مناجم الذهب
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، سيطرت قوات حميدتي على مناجم الذهب الحرفية في جبل عامر بدارفور - أكبر مصدر منفرد لعائدات التصدير في السودان. جاء ذلك في أعقاب هزيمة والقبض على خصمه اللدود موسى هلال، الذي كان قد تمرد على البشير.
فجأة، وضع حميدتي يديه على مصدري العملة الصعبة الأكثر ربحا في البلاد.
حميدتي يتبنى نموذجا من ارتزاق الدولة مألوفا لمن يتبعون سياسة الصحراء. وقام الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي بتأجير قواته الخاصة لمكافحة التمرد لحساب فرنسا أو أمريكا بنفس الطريقة إلى حد كبير. ويمكن للمرء أن يتوقع رؤية قوات الدعم السريع تنتشر في ليبيا يوما ما.
من ناحية أخرى، مع الانتشار الروتيني للقوات شبه العسكرية للقيام بالقتال الفعلي في حروب السودان في الداخل والخارج، أصبح الجيش السوداني أقرب إلى مشروع تفاخر.
ويفتخر الجيش بأنه يملك العقارات الباهظة في الخرطوم، بدباباته ومدفعيته وطائراته الرائعة. لكن لديه القليل من وحدات المشاة ذات الخبرة القتالية. تدخلت قوات أخرى في هذا المجال الأمني، بما في ذلك الوحدات التشغيلية لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، والقوات شبه العسكرية مثل وحدات الشرطة الخاصة - وقوات الدعم السريع.
اظهار أخبار متعلقة
حميدتي أول حاكم غير مؤسسي في السودان
ولكن هناك أيضا تطور في القصة. كل حاكم في السودان، باستثناء واحد ملحوظ، كان ينحدر من قلب الخرطوم والمدن المجاورة على النيل. الاستثناء هو الخليفة عبد الله "التعايشي" الذي كان عربيا من دارفور. وفرت جيوشه غالبية القوة التي احتلت الخرطوم عام 1885. وتتذكر النخب النهرية حكم الخليفة (1885-98) على أنه كان استبداديا. وهم مرعوبون من عودة ذلك الحكم.
حميدتي هو وجه ذلك الكابوس، أول حاكم غير مؤسسي في السودان منذ 120 عاما. على الرغم من المظالم ضد الجماعات شبه العسكرية التابعة لحميدتي، إلا أنه لا يزال يعتبر أنه دارفوري وغريب عن المؤسسة السودانية.
عندما زرع النظام السوداني رياح الجنجويد في دارفور عام 2003، لم يتوقعوا أن يجنوا الزوبعة في عاصمتهم. في الواقع، تم زرع البذور قبل ذلك بكثير. تبنت الحكومات السابقة استراتيجية الحرب في جنوب السودان وجنوب كردفان المتمثلة في وضع السكان المحليين ضد بعضهم البعض. كان هذا مفضلا على إرسال وحدات من الجيش النظامي - التي يديرها أبناء المؤسسة النهرية – وتحمل المخاطر.
حميدتي هو تلك الزوبعة. لكن صعوده هو أيضا، بشكل غير مباشر، انتقام للمهمشين تاريخيا. مأساة السودانيين المهمشين هي أن الرجل الذي يتظاهر بأنه بطلهم هو القائد القاسي لعصابة من المتشردين، والذي كان بارعا للغاية في لعب السوق العسكرية العابرة للحدود.