قضايا وآراء

رهاب الإسلام وإرهاب المسلمين: فرنسا "رأس الحربة" (1)

رامي عزيز
رقابة على المسلمين ومساجدهم- جيتي
رقابة على المسلمين ومساجدهم- جيتي
في مطلع هذا العالم شاهدنا عددا من الجرائم المشينة لحرق القرآن الكريم، التي وقعت في كل من السويد وهولندا والدنمارك في مطلع هذا العام، وقبلها في النرويج العام الماضي. هذه الجرائم لم تقع بطريقة عفوية؛ أو نتيجة جهل مرتكبيها بمكانة وقدسية القرآن الكريم بشكل عام، ولدى المسلمين حول العالم بشكل خاص، وعليه فذلك التعنت في الفعل يضع جرمهم في خانة الاعتداء المقصود، الذي لا يمكن أن تبرره أي أعذار مثل حرية التعبير، التي هي فعلياً لا تطبق إلا عندما يتعلق الأمر بتوجيه إساءة للإسلام والمسلمين.

الأمر اللافت للنظر هنا أن هذه ليست هي المرة الأولى، التي يقوم فيها هؤلاء المتطرفون من المنتمين إلى تيار اليمين في أوروبا بحرق القرآن الكريم، وعليه يجب أن ندرك بأنها لن تكون المرة الأخيرة.

وبناء على أنها لن تكون المرة الأخيرة، فأصبح لزاماً علينا الاستعداد، من خلال البحث والتحقق، لفهم موقف الحكومات والأحزاب الأوروبية، من الإسلام والمجتمعات المسلمة، بناء على أفعالها ومواقفها، كخطوة أولية للمساهمة في بناء استراتيجية فعالة وعملية لمواجهة التحديات، التي يواجهها الإسلام والمجتمعات المسلمة؛ كمؤسسات وأفراد. وهنا سنبدأ بفرنسا، التي تمثل حالة مثيرة للاهتمام في هذا الخصوص.

القيود القانونية والتشريعات (الدولة)

أصبح لزاماً علينا الاستعداد، من خلال البحث والتحقق، لفهم موقف الحكومات والأحزاب الأوروبية، من الإسلام والمجتمعات المسلمة، بناء على أفعالها ومواقفها، كخطوة أولية للمساهمة في بناء استراتيجية فعالة وعملية لمواجهة التحديات، التي يواجهها الإسلام والمجتمعات المسلمة؛ كمؤسسات وأفرا

البداية كانت مع سقوط الأنظمة الاستبدادية، وصعود "الإسلاميين" خلال الربيع العربي، الأمر الذي تسبب في صدمة كبيرة للدوائر الغربية المختلفة، لوجودها أمام واقع جديد في دول لطالما اعتادت أن تتعامل معها؛ بوصفها مستعمراتها السابقة، وقامت بعض الأنظمة الإقليمية، بشيطنة الربيع العربي، وحرّضت أوروبا على أن لا تقبل بدول يحكمها الإسلاميون على حدودها الجنوبية، وتم الربط بين صعود أنظمة إسلامية، علي رأس السلطة بعد الربيع العربي، وبين تعاونها وتحالفها المحتمل والمتوقع مع تركيا، التي يحكمها نظام يتشارك نفس القيم مع هذه الأنظمة الجديدة، مما سيمثل تحالفا قويا يقوض من نفوذ الغرب، ويحد من قدرته علي فرض الإملاءات كما اعتاد في السابق، مما يترتب عليه حرمان الغرب من الكثير من الامتيازات في هذا الدول.

وقادت حالة الشيطنة لتلك الأنظمة، التي صعدت للحكم من خلال الصناديق، إلى إسقاطها بالقوة في انقلاب واضح على مبادئ الديمقراطية الغربية، التي لطالما طالب الغرب هذه الدول بانتهاجها، ولكن الغرب راعي الديمقراطية لم يتدخل لمساندة الديمقراطية، التي يدعي امتلاك براءة اخترعها، لربما لأن الديمقراطية أتت بعكس ما يريد.

وتلقفت فرنسا خيط ما حدث من إسقاط للأنظمة ذات المرجعية الدينية، من الحكم، وطورت الأمر لمصلحتها ليصبح هجوما على الإسلام نفسه؛ تحت غطاء الهجوم على الإسلاميين، في حالة يمكن وصفها بالانتهازية السياسية، لتصفية حسابات مؤجلة مع المسلمين في فرنسا. ومن أبرز مظاهر الانتهازية التي قامت بها فرنسا، استغلال حالة الهجوم والتحريض على الإسلام، التي تقوم بها أنظمة دول مسلمة، بإصدار حزمة من القوانين الإجراءات التعسفية ضد الإسلام في فرنسا، أخطرها يتمثل في:

تلقفت فرنسا خيط ما حدث من إسقاط للأنظمة ذات المرجعية الدينية، من الحكم، وطورت الأمر لمصلحتها ليصبح هجوما على الإسلام نفسه؛ تحت غطاء الهجوم على الإسلاميين، في حالة يمكن وصفها بالانتهازية السياسية، لتصفية حسابات مؤجلة مع المسلمين في فرنسا

- قانون "مقاومة الانفصالية الإسلامية" الذي تم تغير اسمه فيما بعد ليصبح "احترام قيم الجمهورية"، الذي تم الترويج له بأنه محاولة للحفاظ على القيم العلمانية التي قامت عليها فرنسا؛ من تأثير أي دين أو معتقد، ولكن بقراءة مواد القانون، تجد أنيها مفصلة خصيصاً لاستهداف الإسلام والمسلمين والتضييق عليهم وعلى كافة مناحي حياتهم؛ المتعلقة بالعقيدة والدين، وتصوير بعض المشكلات الاستثنائية التي تقع من عدد قليل من المسلمين في فرنسا، البالغ عددهم حوالي ستة ملايين (9 في المئة من إجمالي عدد السكان)، وكأنها القاعدة لكل هؤلاء، كما فرض هذا القانون رقابة علي المساجد والجمعيات الإسلامية، إدارتها وتمويلها، كما فرض القيود على حرية الأسر المسلمة في تقديم التعليم للأبناء في المنازل، على عكس ما هو سائد في الكثير من الدول الغربية.

- ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي أو كما يعرف بـ"ميثاق ماكرون"، الذي جاء بناء علي طلب ماكرون من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والذي يهدف لإنشاء نسخة من الإسلام تناسب علمانية فرنسا، تحت اسم "الإسلام الفرنسي"، وكذلك حظر استخدام الدين لأهداف سياسية، وحظر الإسلام السياسي، مع عدم تقديم تعريف ومفهوم واضح لماهية الإسلام السياسي، والأفعال التي ينطبق عليها هذا التعريف. وبنظرة سريعة على الدستور الفرنسي، سنجد أنه يضمن وينظم كل هذه الأمور، إذن فلا حاجة لسن مثل هذه القوانين التي تستهدف المسلمين ومؤسساتهم دون غيرهم، في نوع من التمييز الفج.

وإلى جانب هذه القوانين المجحفة التي تسعى من خلالها الدولة في فرنسا، للسيطرة والتحكم في الإسلام والمسلمين، سعى ماكرون لفرض مزيد من السيطرة على عملية إعداد الأئمة والمشايخ، في فرنسا من خلال إنشاء كيان يسمى "المجلس الوطني للأئمة"، ذلك المجلس الذي سيشرف على عملية اختيار الأئمة وتأهليهم، وإصدار التراخيص لهم، أيضاً مراقبة سلوكهم في المساجد التي يعملون بها، ومراقبة المحتوى الذي يتم تقديمه.

والجدير بالذكر هنا، أن تلك القوانين حازت على دعم مؤسسات إسلامية بارزة مثل رابطة العالم الإسلامي (السعودية)، التي صرح أمينها العام الدكتور محمد عبد الكريم العيسي، في حوار له مع صحيفة لو جورنال دو ديمانش (Le Journal du Dimanche) الفرنسية قائلاً: "لقد دعونا دائما مسلمي فرنسا إلى احترام الدستور والقوانين والقيم الخاصة بالجمهورية الفرنسية، وأضاف: "يجب على أي شخص يعيش في أي بلد، في فرنسا أو في أي مكان آخر، احترام قوانينها أو مغادرة هذا البلد".

وبعيداً عن الاستهداف التشريعي والمؤسسي للإسلام والمسلمين في فرنسا، فقد اعتاد ماكرون أن لا تمر فترة دون أن يستهدف الإسلام والمسلمين، بتصريحات ومواقف عنصرية، مثل تصريحه "الإسلام يعيش أزمة في كل مكان بالعالم"، وتصريحاته الداعمة للرسوم المسيئة للنبي -صلي الله عليه وسلم- التي أججت الاحتجاجات حول العالم ضد فرنسا، وأدخلتها في موجة من المقاطعة الاقتصادية، وصلت بفرنسا وماكرون إلى حد عض الإصبع، حيث اعترف ماكرون بتضرر فرنسا من حملة مقاطعة المسلمين لمنتجاتها.

التحريض الشعبوي (لوبان وزمور نموذجاً)

الدولة ليست وحدها في فرنسا، التي تستهدف الإسلام والمسلمين، بل الأحزاب السياسية والسياسيين من التيارات الشعبوية المختلفة، يشاركون الدولة في نفس الهدف، من خلال الترويج للكراهية و"رهاب الإسلام"، والدعوات إلى تضييق الخناق عليهم، والحرص على وضعهم طوال الوقت في خانة المتهم والمشكوك في ولائهم؛ والداعمين للإرهاب

على ما يبدو أن الدولة ليست وحدها في فرنسا، التي تستهدف الإسلام والمسلمين، بل الأحزاب السياسية والسياسيين من التيارات الشعبوية المختلفة، يشاركون الدولة في نفس الهدف، من خلال الترويج للكراهية و"رهاب الإسلام"، والدعوات إلى تضييق الخناق عليهم، والحرص على وضعهم طوال الوقت في خانة المتهم والمشكوك في ولائهم؛ والداعمين للإرهاب.

مارين لوبان: المرشحة الرئاسية والزعيمة السابقة لحزب "التجمع الوطني" المسمى بـ"الجبهة الوطنية" سابقاً، الذي أسسه والداها جان ماري لوبان، فلوبان الابنة لم ترِث من والدها رئاسة الحزب فقط، بل ورثت كراهية الإسلام والمسلمين كذلك، ومضت لوبان في تنفيذ المهمة المقدسة للحزب في هذا المجال، والتي يقوم بها منذ أكثر من نصف قرن؛ منذ تأسيسه في عام 1972.

فلوبان المرشحة الرئاسية البارزة، التي وصلت لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية مرتين في 2017 و2022، تبني برنامجها السياسي على العمل على استئصال الإسلام من التربة الفرنسية، حيث تعرف الإسلام بأنه أحد عوامل الانقسام في فرنسا، وتريد التعامل مع المسلمين هناك كعبيد، لا حقوق لهم، فهي تري أن الإسلام "أيديولوجية غازية متطرفة" وليس ديناً. فعلى سبيل المثال، توضح أن دعمها لمنع الحجاب يأتي بدافع رمزية الحجاب لهذه الأيديولوجية الغازية المتطرفة (الإسلام)، وهو أمر يتخطى بكثير مجرد الدفاع عن العلمانية أو النسوية، إلى الدفاع عن الحضارة ذاتها.

فلوبان لديها خطة ورؤية متكاملة لتدمير البنية التحتية للإسلام والمسلمين في فرنسا، من خلال إغلاق مساجدهم ومؤسساتهم، والاستيلاء على أموال تلك المؤسسات، تحت غطاء مكافحة الإرهاب أو ما يسمى بالإسلاموية. فموقع ميديا بارت الفرنسي، سبق وأن وصف برنامج لوبان السياسي والانتخابي بـ"الجهاز المذهل لقمع المسلمين في فرنسا". والجدير بالذكر أن حزب لوبان رفض الموافقة على قانون مقاومة الانفصالية الإسلامية أو ما بات يعرف لاحقاً بقانون احترام قيم الجمهورية، رغم كل ما يحمله من تعنت ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا، لأنه رأى القانون متساهلا مع الأيديولوجية الإسلامية -في إشارة إلى الدين الإسلامي- وأنه يجب أن يحتوي مواد أكثر شدة لردع الأيديولوجية الإسلامية.

ومن المفارقات التي كشفت عنها التحقيقات القضائية مؤخراً، أن حزب لوبان كان يحتضر، عقب الانتخابات الرئاسية لعام 2017، على إثر أزمة مالية طاحنة ألمّت به، إلا أن تمويلا قدره ثمانية ملايين يورو، عبر شركة إماراتية، مثّل قبلة الحياة لهذا الحزب اليميني المتطرف الذي كان على وشك الموت، فالإمارات أصبح معروفا عنها مواقفها المعادية للديمقراطية، والساعية لشيطنة المسلمين في الغرب، عن طريق تقديم التمويل السخي للأحزاب والمؤسسات التي تستهدف الإسلام والمسلمين في الغرب.

إيريك زمور: يعد الكاتب الصحفي اليهودي من أصول جزائرية، والذي خاض سباق الترشح للرئاسة الفرنسية ونال 7 في المئة من مجموع الأصوات، واحدا من أعلى الأصوات المستقلة التي لا تتبع أحزابا في فرنسا؛ نشراً لكراهية المسلمين ورهاب الإسلام. فزمور يرى الإسلام دينا ثيوقراطيا متطرفا، والمسلمين عبارة عن غزاة جدد وأحفاد للغزاة العرب القادمين من جنوب البحر المتوسط،، وكثرتهم التدريجية تهدد التوازن الديموغرافي في فرنسا، في ضوء ترويجه لنظرية "الاستبدال العظيم" التي تروج إل أن المسلمين سيستبدلون سكان فرنسا الأصليين يوماً ما، نتيجة للتغير الديموغرافي. ولذا ينظر زمور إلى الحجاب والجلباب كزي عسكري، ارتداؤه يعبر عن انتصار هوية الغزاة الجدد، القادمين من دول جنوب البحر المتوسط، ونوع من البروباجندا للدلالة على أسلمة فرنسا. ويروج زمور أن الهجرة من الدول الإسلامية إلى فرنسا تهدد هوية فرنسا الأصلية، وتنذر باختفائها يوما ما.

ويذكر أن من بين وعوده الانتخابية، الموجهة ضد المسلمين في حال فوزه بمنصب الرئاسة، أنه سيمنع المسلمين من تسمية أولادهم باسم محمد، فزمور لسنوات طويلة خلال عمله في الصحافة والإعلام وهو ينتقد تمسك المسلمين بهويتهم، وينتقد تمسكهم بتأدية الطقوس الدينية (الصلاة والصوم) وتسمية أبنائهم بأسماء إسلامية، وحفاظهم على اللغة العربية.

وللحديث بقية..

twitter.com/Ramy_Aziz1
التعليقات (2)
الإنحطاط الغربي
الأحد، 26-02-2023 04:47 م
كل مسلم يعيش في الغرب يعمل و يدفع الضرائب يدرك أن الغرب ليس حرا ولا ديمقرطيا بل عبدا مطيعا للصهاينة لكن بعد كورونا و حرب أوكرانيا أصبحت" معظم" إن لم نقول "الكل" الشعوب الغربية مدركة لهذه الحقيقة
سياسه
الأحد، 26-02-2023 01:04 م
ان هؤلاء الذين يسمون متطرفين في الغرب ليسوا الا حثالا كذابين وليس لديهم برامج سياسية للوصول إلى الحكم وبالتالي يهاجمون الحلقة الأضعف في المجتمع وهم المسلمون ويضحكون على العقول المنغلقة أمثالهم التي لم تسافر ولم تتثقف ولم تحتك بثقافة الاخرين منعزلة في افكارها الضيقة، كما فعلوا في الماضي مع اليهود وبحثوا لهم عن وطن لابعادهم عن أوروبا والتخلص منهم. وسبق ان ذكرت أن ما كان لهؤلاء التطاول على الإسلام والمسلمين لولا تحريض من نصبوا أنفسكم حكاما على البلدان العربية والإسلامية ، إنهم يجتمعون بالحكام من غير العرب والمسلمين ويحرضونهم على بعضهم البعض وعلى الشعوب العربية والإسلامية . اما لذكركم ان الحثالة الكذاب من اصول جزائرية، هذآ الحثالة إما ان يكون اجداده فروا من بطش الاوروبين من الأندلس او جاؤوا صعاليك ولصوص مع الإستثمار الفرنسي والخلاصة لا علاقة له لا بالجزائر ولا بالشعب الجزائري. وفي العموم هم يدركون ان الإسلام حق، وبالتالي يحاربون حتى لا يكشف عورتهم وباطلهم.........