قضايا وآراء

السودان: نقاش حول الإعلان السياسي

الشفيع خضر سعيد
الكاتب قال إن نجاح العملية السياسية الجارية الآن في البلاد يشترط إزالة الاستقطاب السياسي الحاد وسط القوى السياسية والمدنية والعسكرية- جيتي
الكاتب قال إن نجاح العملية السياسية الجارية الآن في البلاد يشترط إزالة الاستقطاب السياسي الحاد وسط القوى السياسية والمدنية والعسكرية- جيتي
في نهاية الأسبوع الماضي، شاركت في حلقة نقاش إسفيرية حول مقالنا السابق السابق، الذي تناول إرهاصات الاتفاق على إعلان سياسي جديد في البلاد. وتعميما للفائدة، رأيت أن ألخص في مقال اليوم النقاط الرئيسية التي كانت محل اتفاق، مع الإشارة إلى تكرار تناولنا لها في عدد من المقالات السابقة.

أولى النقاط، تتحدث عن أن نجاح العملية السياسية الجارية الآن في البلاد، يشترط إزالة أو الحد من الاستقطاب السياسي الحاد، وسط القوى السياسية والمدنية والعسكرية، ومن ثم توافقها على إعلان سياسي جديد وترتيبات دستورية جديدة، حتى يتم الخروج من الأزمة الحادة الراهنة التي تهدد استقرار وأمان ووحدة السودان. والتوافق يعني مشاركة الجميع، ما عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول وعناصر نظام الإنقاذ. والتوافق يعني أيضا عدم إقصاء أو معاداة القوى الرافضة للعملية السياسية بصيغتها الحالية، بل أولا، الاعتراف بأن موقفها هذا من حقها، ويجب احترامه. وثانيا السعي لفتح حوارات وإدارة نقاشات جادة معها حول أطروحاتها وتحفظاتها، والسعي للوصول إلى نقاط التقاء معها.

وثاني النقاط تقول؛ إن صياغة وثائق الانتقال، أي الإعلان السياسي الجديد والوثيقة الدستورية الجديدة والبرنامج الانتقالي الجديد، هي مهمة تاريخية لا يمكن أن تقوم بها مجموعة بعينها من الفصائل، مثلما لا يمكنها أن تقتصر على النخب والقيادات السياسية وحدها. ومن هنا ضرورة انتظام حوار سوداني سوداني عبر مؤتمر مائدة مستديرة، تشارك فيه كل قوى الثورة، من السياسيين والتكنوقراط والمجتمع المدني والعسكريين والشخصيات الوطنية المجمع عليها، بهدف الخروج برؤية موحدة حول وثائق الانتقال هذه، حتى ولو كانت معدة سلفا ومتوافقا عليها من فصائل بعينها، كما تهمس بعض الأصوات.

ومن ناحية أخرى، فإن صياغة هذه الوثائق، وكذلك تنفيذ ما بها من بنود لاحقا، لا بد أن تضع في حسبانها التجربة السابقة، تجربة صياغة الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية وتشكيل الحكومة الانتقالية الأولى والثانية، بنجاحاتها وإخفاقاتها، وأنها تأتي استكمالا لتلك التجربة وتصحيحا لمسارها وانحرافاته، عقب انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، كما لا بد أن تستفيد من نشاط الورش والمؤتمرات التي تنتظم في البلاد حاليا، عقب التوقيع على الاتفاق الإطاري.

أما النقطة الثالثة، فتعيد التنبيه والتحذير بأن أي اتفاق سياسي جديد لن يصمد كثيرا وسيعيد إنتاج الأزمة، وربما يدفع الوضع إلى الانفجار، إذا لم تكن في صدر أولوياته قضية العدالة والعدالة الانتقالية، وقضية إزالة تمكين الإنقاذ. فالعدالة هي القضية المركزية ومفتاح الحل للخروج من حالة التأزم الراهن، وإذا لم يتم مخاطبتها بشكل جدي ومسؤول، وبمشاركة كل الأطراف أصحاب المصلحة والمختصين، خاصة لجان المقاومة وأسر الشهداء، ستصيب أي عملية سياسية في مقتل.

وفي هذا الصدد، أكرر ما طرحته في مقال سابق من ضرورة أن تلتزم القوى السياسية بعدم بحث قضية العدالة مع أي جهة كانت قبل التشاور والتوافق مع مبادرات منظمة أسر شهداء ثورة كانون الأول/ديسمبر. أما قضية إزالة تمكين الإنقاذ، فتدخل في باب استعادة الدولة المخطوفة من براثن حزب المؤتمر الوطني، وكشف وضرب مكامن الفساد في الدولة والمجتمع. وهذه ليست مجرد إجراءات أمنية أو بوليسية، وإنما هي عملية سياسية صرفة يجب أن تنفذ في إطار القانون ووفق أحكام القضاء، وهدفها النهائي هو تحقيق قومية كل أجهزة وهياكل الدولة، المدنية والعسكرية، وعلى أساس الكفاءة والنزاهة والانتماء للوطن أولا.
نجاح العملية السياسية الجارية الآن في البلاد، يشترط إزالة أو الحد من الاستقطاب السياسي الحاد، وسط القوى السياسية والمدنية والعسكرية، ومن ثم توافقها على إعلان سياسي جديد وترتيبات دستورية جديدة.

والنقطة الرابعة كانت تأكيد اقتراح تكوين آلية قومية تضم ممثلين عن القوى السياسية والمجتمع المدني والقوى الشبابية والعسكريين والشخصيات الوطنية، تتولى اختيار قيادة الفترة الانتقالية على أساس معايير محددة تشمل: التاريخ الوطني النزيه، الأهلية والكفاءة والقدرة السياسية والتنفيذية، بعيدا عن أي ترضيات أو محاصصات سياسية أو حزبية. وأن تتولى الآلية القومية مهام المجلس التشريعي؛ من تشريع انتقالي ورقابة على أساس مبدأ الشفافية والمحاسبة وسيادة حكم القانون. ويرى الاقتراح أن تبتعد قيادات الأحزاب والقوى السياسية عن الجهاز التنفيذي وتكتفي بالمراقبة والمساءلة، من خلال وجودها في الآلية القومية. كما أن الاقتراح يعني التخلي عن فكرة تكوين المجلس التشريعي الانتقالي، وفق الصيغة القديمة، التي أثبتت عقمها.

أما النقطة الخامسة، فناقشت عددا من الأولويات الواجبة التصدي خلال الفترة الانتقالية، منها: مواصلة جهود التوصل إلى سلام مع الحركة الشعبية شمالا، على أساس الاتفاق الإطاري الموقع بين البرهان والحلو، ومع حركة تحرير السودان/ عبد الواحد محمد نور. تنفيذ برنامج اقتصادي إسعافي، يتم بحثه والتوافق على ملامحه العامة في مؤتمر المائدة المستديرة. البدء فورا في التحضير للمؤتمر القومي الدستوري حتى ينجز أعماله قبل نهاية الفترة الانتقالية، بالتوصل إلى ثوابت دستورية أو مبادئ فوق الدستورية مجمع عليها.

التوافق مبكرا وفي بدايات الفترة الانتقالية، على قانون انتخابات جديد يتجاوز سلبيات التجارب الديمقراطية السابقة، ويحقق ممارسة سياسية صحية، تستند على صيغة سودانية للديمقراطية التعددية، توائم بين القيم العالمية المطلقة للديمقراطية التعددية والسمات الخاصة ببلادنا، وتربط الديمقراطية بتوفير لقمة العيش ومياه الشرب وخدمات العلاج والتعليم… إلى غير ذلك من الخدمات الأساسية.

وشددت النقطة السادسة على أن أجهزة الفترة الانتقالية غير معنية بعدد من القضايا الاستراتيجية، مثلا موضوع إعادة بناء القطاع الأمني والعسكري، أو التطبيع مع إسرائيل، أو الارتباط باتفاقات ومحاور عسكرية مع الدول الأخرى، فهذه تترك للأجهزة المنتخبة وحدها لتقرر بشأنها. أما موضوع وجود القواعد العسكرية الأجنبية في بلادنا، فالأصل والموقف الثابت لشعبنا، هو الرفض التام. كما شددت النقطة على رفض المحاور في سياسة البلاد الخارجية، والعمل على تحسين العلاقات إقليميا ودوليا وفق مبدأ مصالح السودان أولا، وعدم التدخل في شؤون الغير، وإعلاء قيم التكامل الاقتصادي في المجال المحيط، مع مراعاة خصوصية العلاقة مع دول الجوار، وخاصة مصر ودولة جنوب السودان.
التعليقات (0)